عادت وضعية عُمال المناجم المغاربة لتستأثر بحيز من النقاش داخل مجلس المستشارين؛ فقد وجّه فريق الاتحاد المغربي للشغل بالمجلس، الاثنين، انتقادات “لاذعة” لاستمرار معاناة هؤلاء من “ظروف عمل قاسية تفتقر إلى شروط السلامة المهنية” وكذا “إقصاء بعضهم من التغطية الصحية”؛ وهو قابلته ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بتعداد “إجراءات الوزارة في هذا الصدد، واتجاهه الاتجاه نحو تشديد مقتضيات القانون رقم 33.13 تجاه مسألة الصحة والسلامة المهنية الذي سيتم إعادة مشروع قانون تغييره إلى البرلمان قبل متم السنة”.
هذه الانتقادات ساقتها مريم الهلواني، المستشارة عن الفريق سالف الذكر، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، قائلة إنه “رغم التدابير التي جرى اتخاذها، فإن الأوضاع المهنية والصحية والاقتصادية والاجتماعية لعمال المناجم ما زالت على حالها؛ فعُمال مناجم “جبل عوام”، على سبيل المثال، يعملون في ظروف جد قاسية، إذ يضطرون إلى النزول في بئر عُمقها 1100 متر، ويضطرون إلى المشي تحت الأرض مسافة 3 كيلومترات”.
وأضافت المستشارة البرلمانية ذاتها أن “بعض العُمال القدامى بهذه المناجم محرومون من حقهم في التأمين، بعدما لم توفر لهم الشركة المنجمية التغطية من الأمراض المهنية خلال الفترة ما بين 2009 و2013″، مُضيفة أن “هؤلاء الضحايا يعانون تماطل الشركة في التعويضات وأداء أجرة 3 أشهر، رغم الأحكام الصادرة لفائدتهم”.
وساقت الهلواني مثالا ثانيا على “انتهاك القوانين المنظمة لحقوق العمال المنجميين” يتعلق ” مناجم بوزارن بإقليم ورزازات الذين تم بيع المنجم لشركة أُخرى، دون الرجوع إلى لجنة المقاولة؛ ما يشكل خرقا للقانون”، مُردفة: “مُناولي طوب فروراج، وبعد المعارك النضالية لتي خاضوها من أجل الدفاع عن حقوقهم المشروعة، وفي مقدمتها التغطية الصحية، نتمنى أن يتم تفعيل الاتفاق (الذي تم توقيعه في هذا الصدد) بما يضمن حقهم في السلامة والصحة المهنية وكافة حقوقهم الاجتماعية”.
وساءلت المستشارة ذاتها الوزيرة الوصية: “ألا ترون أنه حان الوقت لوضع حد لهذه التجاوزات، والقيام بخطوات حقيقية وفعالة لتحقيق العدالة المهنية والاجتماعية لعمال المناجم الذين لا يطالبون سوى بحقوقهم الأساسية”.
“إجراءات وزارية”
ذكرت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، أن الوزارة تُراقب، “من خلال مصالحها الترابية الجهوية والإقليمية، منشآت المقاولات المنجمية لتتبع مدى احترامها لشروط الوقاية والسلامة”، لافتة إلى “زيارات مفتشي الشغل لهذه المناجم من أجل الوقوف على هذا الأمر، مؤطرين بمدونة الشغل والنظام الأساسي لمستخدمي المقاولات المنجمية والقانون 33,13 المتعلق بالمناجم”.
وأضافت المسؤولة الحكومية ذاتها أن “مشروع قانون تغيير وتتميم القانون 33,13 المتعلق بالمناجم سوف تستكمل الحكومة صياغته وإٍرجاعه إلى البرلمان قبل متم السنة الجارية”، لافتة إلى أن “المقتضيات الجديدة التي سيتضمنها المشروع ستهدف أساسا إلى ضمان أخذ سلامة والصحة المناجم التقليدية وغير التقليدية بصرامة بعين الاعتبار، وكذلك استحضار سلسلة القيمة الخاصة باستغلال المعادن وكل الإشكاليات المرتبطة بتطبيق القانون على أرض الواقع، إضافة إلى تبسيط المساطر الإدارية الخاصة بمنح وسحب التراخيص”.
وتابعت بنعلي: “النظام الأساسي لمستخدمي المقاولات المنجمية، الذي ينطبق عليه ظهير 1960، حان الوقت من أجل تحيينه بدوره”، لافتة إلى أن “مفتشي الشغل كثفوا زياراتهم المرتبطة ببيئة العمل والسلامة والتحريات اللازمة وتقاريرهم الميدانية حول حوادث الشغل بالمناجم؛ على أن الوزارة عملت على تسريع هذه التحريات خلال السنتين الماضيتين”، مُضيفة أن “مناديب ومندوبي الصحة والسلامة يقومون بتعزيز مهام الوزارة في هذا الصدد، ويتفقدون بشكل دوري ومباشر الأشغال فوق الأرض وتحت الأرض بهذه المناجم”.
“حصيلة النجاعة الطاقية”
على صعيد مُنفصل، أفادت المسؤولة الحكومية ذاتها، جوابا عن سؤال إجراءات الوزارة لضمان النجاعة الطاقية، بأن “المغرب قطع، في الثلاث السنوات الأخيرة، أشواطا تشريعية مهمة في هذا الصدد؛ إذ على سبيل المثال المرسوم المطبق للمادة 6 من القانون 47.09 الذي نُشر في دجنبر، وبه تم تفعيل تحفيز المستهلك على الاقتصاد في الطاقة”، لافتة إلى أنه “لأول مرة جرى، خلال الصيف الماضي، منح المكافأة الخاصة بالاقتصاد في الطاقة”.
وأضافت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة أن “النص القانوني المهم كذلك في هذا السياق يتمثل في مشروع المرسوم الثاني، الذي صادقت عليه الحكومة في شتنبر؛ إذ يحدد دفتر تحملات لمقاولات الخدمات الطاقية سوف يقوي القدرات الطاقية الوطنية ويضفي مزيد من المهنية في هذا المجال، ويُساهم في خلق فرص شغل جديدة”، مشيرة إلى “أهمية هذه المقاولات؛ إذ في حال كانت كل مقاولة منها تُشغل 5 أشخاص، فإن 40 مقاولة تعني خلق 200 منصب شغل، عدا آلاف مناصب الشغل غير المباشرة”.
ولفتت المسؤولة الحكومة ذاتها إلى أن “وزارتها أطلقت مجموعة من الدراسات لتنزيل مخططات جهوية للاستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية على الصعيد التربوي، مع تعميم تنزيل برنامج التأهيل الطاقي للمساجد في كل جهات المملكة”.
في موضوع متصل، أوضحت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة أن المغرب ضاعف من حجم الاستثمارات في مجال الطاقات المتجددة في السنوات الأخيرة؛ إذ انتقلت “قيمتها من 5 مليارات سنويا قبل سنة 2022 إلى 15 مليار درهم سنويا خلال الفترة ما بين 2023 و2027، تزامنا مع مُضاعفة الاستثمارات في تخزين وتطوير الشبكة الكهربائية”.
وأضافت بنعلي أنه، في هذا السياق، عُقدت “ورشة عمل حول “خارطة طريق البنية التحتية لشبكة الكهرباء وفرص الاستثمار”، يوم 8 أكتوبر 2024 بمراكش، وجمعت فاعلين ومتدخلين من القطاعين العام والخاص، الأجنبي والمغربي، من أجل الحث على الاستثمار في المنظومة الكهربائية المغربية وتشجيع لاندماج الصناعي المحلي، لزيادة الأثر الاقتصادي والاجتماعي للانتقال الطاقي والتحسين المستمر للإطار التشريع والتنظيمي للمجال”، وفقها.