مرة أخرى يؤكد المغرب من قبل أعلى سلطة في البلاد على المكانة المميزة التي تحتلها القضية الفلسطينية في أجندة دبلوماسية المملكة الدولية، إذ بدا لافتا في بلاغ الديوان الملكي الخاص بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط تذكير الملك محمد السادس بـ”الطابع الاستعجالي لإعادة إحياء مسلسل السلام في إطار حل الدولتين، دولة فلسطينية مستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”، وهو الأمر الذي شاطره الرأي فيه الرئيس الفرنسي.
وأشار البيان الخاص بالزيارة الهامة للرئيس الفرنسي للمغرب إلى أن الأخير أشاد بـ”الدور البناء الذي يضطلع به صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رئيس لجنة القدس، خدمة للسلم في الشرق الأوسط”.
ودعا قائدا البلدين إلى “وقف فوري للهجمات في غزة ولبنان”، مع تأكيدهما على “أولوية حماية السكان المدنيين، وأهمية ضمان وتيسير وصول المساعدات الإنسانية الكافية، مع وضع حد لتأجيج الوضع على المستوى الإقليمي”.
في قراءته لهذا الموضوع يرى محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي، أن “البيانات التي تصدر عقب الزيارات الرسمية لمسؤولي الدول في العادة تتضمن الإشارة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي تشغل اهتمام الرأي العام”.
وأضاف بوخبزة، ضمن تصريح لهسبريس، أن “القضية الفلسطينية والعدوان على غزه ولبنان من اهتمامات البلدين، وكذلك من اهتمامات الرأي العام الدولي”، مؤكدا أن “هناك كما يبدو تطابق في وجهات النظر بين المغرب وفرنسا في ما يخص ما يقع في الشرق الأوسط، مع نقاط خلاف من الضروري أن تكون لأن لكل موقعه ولكل أولوياته”.
وأفاد الخبير ذاته بأن “للمغرب مواقف متطابقة مع فرنسا في ما يخص مخاطر الانزلاق وخروج الأوضاع عن السيطرة، لأن ما نلاحظه للأسف الشديد وجود مؤشرات على احتمال الانزلاق لتوسيع دائرة التوتر لتشمل أطرافا أخرى”، وزاد: “نتحدث عن دور إيراني خطير جدا في المنطقة، لأن هناك أجندة إيرانية، وهي المستفيد الأكبر في الحقيقة مما يقع”.
واستدرك بوخبزة: “لا يجب أن ننسى كذلك الأجندة الإسرائيلية، وخاصة أجندة نتنياهو الذي يحاول ما أمكن أن يستثمر الأوضاع المتوتره للاستمرار في السلطة إلى أقصى حد”، مبرزا أن “الإكراهات التي تواجهها إسرائيل على المستوى الداخلي كبيرة”.
وزاد المتحدث موضحا أن “المرحلة الجديدة من العلاقات المغربية الفرنسية لها علاقة بما هو إستراتيجي، يأخذ بعين الاعتبار التحولات الكبرى على مستوى الخريطة الإقليمية وعلى مستوى النظام العالمي، الذي يتبلور الآن وسيكون متعدد الاقطاب”، معتبرا أن “الشراكة بين البلدين يمكن أن تؤسس لفعل دبلوماسي وفعل سياسي جديد يمكن أن يسمح للدولتين بالاستفادة من هذه التحولات الحاصلة على مستوى النظام العالمي”.
وخلص بوخبزة إلى أن “المغرب بحكم ارتباطاته الوثيقة بالقضية الفلسطينة لا يمكن أن يفوت فرصة حضور الرئيس الفرنسي وألا تكون هناك إشارة إلى الإبادة التي تقع في غزة ولبنان، وإلى السياسة العمياء التي ينتهجها نتنياهو في المنطقة، وتخطت جميع الخطوط الحمراء”، لافتا إلى أن “الإشارات التي جاءت في البيان عنوان لتطابق وجهات النظر ورسم آفاق العمل المشترك لمواجهه تحديات منطقة الشرق الأوسط”.
من جهته اعتبر الخبير في العلاقات الدولية والأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش إدريس لكريني أن “الموقف يعكس مكانة القضية الفلسطينية كإحدى الأولويات الثابتة ضمن مخرجات السياسة الخارجية المغربية، التي تعكس اهتمام المغرب بهذه القضية على أعلى المستويات؛ وكذلك انشغاله بما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة من تطورات وجرائم”.
وقال لكريني في تصريح لهسبريس إن “الموقف المغربي الذي يأتي في سياق هذه الزيارة يبرز أن الرباط تستثمر علاقاتها الثنائية والكثير من المناسبات والهيئات الدولية في سبيل المرافعة بشأن هذه القضية، والتعريف كذلك بحجم الجرائم والصعوبات التي تواجه الفلسطينيين، وتؤكد على ضرورة احترام حقوقهم في دولة مستقلة”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “التأكيد على أهمية إحياء مبادرة السلام العربية في إطار حل الدولتين يمثل تذكيرا بمجموعة من الاتفاقات والجهود التي تمت مراكمتها خلال العقود الأخيرة، وتنبيها إلى حجم التراجعات التي عرفها ملف القضية الفلسطينية بفعل تنكر إسرائيل لعدد من الاتفاقيات والمواثيق والقرارات الدولية”.
كما اعتبر لكريني أن “هذا الموقف يمثل إشارة إلى رفض كل الخيارات التي تحاول إسرائيل فرضها تحت واقع عملياتها العسكرية العدوانية التي تحاول فرض واقع سمته إهدار حقوق الفلسطينيين، ويتنكر للحقوق التي تضمنها الكثير من المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية”، وفق تعبيره.