ضمنت الحكومة، في سياق سعيها إلى تعزيز التنمية المجالية، مشروع قانون المالية 2025 إجراء جديدا لفائدة الجماعات الترابية، يهم رفع حصتها من الضريبة على القيمة المضافة من 30 في المائة إلى 32، ابتداء من فاتح يناير المقبل؛ وهو الإجراء الذي جدد الشكوك حول القدرات المالية للجماعات، خصوصا المتمركزة في مناطق نائية، واستمرار اعتمادها على الدعم والمساعدات المالية والقروض الواردة عن صندوق التجهيز الجماعي “بنك الجماعات”، في ظل حجم الرهانات والتحديات التنموية الحالية والمستقبلية.
وبالعودة إلى السياق التاريخي للإجراء الجديد، يأتي المشروع المالي للسنة المقبلة في إطار جهود الحكومة المستمرة لتعزيز اللامركزية وتمكين الجماعات الترابية؛ ذلك أن الدولة وضعت، منذ اعتماد الدستور الجديد في 2011، سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى نقل المزيد من الصلاحيات والموارد إلى السلطات المحلية. وتندرج زيادة حصة الضريبة على القيمة المضافة الموجهة إلى الجماعات الترابية ضمن هذا المسار، بهدف تمكين هذه الجماعات من الحصول على موارد مالية إضافية للوفاء بمهامها وإنجاز مشاريع التنمية.
وتسعى الحكومة، من خلال زيادة حصة الجماعات من الضريبة على القيمة المضافة الموزعة التي تعد واحدا من المصادر الرئيسية لتمويل هذه المنشآت المنتخبة، إلى تلبية المطالب التي طالما رفعها المنتخبون المحليون لتعزيز الإمكانيات المالية المتاحة لمجالسهم الجماعية. ومن المتوقع أن يساهم هذا الإجراء في تعزيز الاستقلال المالي للجماعات، خصوصا أنه رغم الجهود السابقة فإنها ما زالت تعتمد بشكل كبير على التحويلات المالية من الدولة لتمويل ميزانياتها.
ووفقا للعديد من الخبراء، فإن هذه الزيادة بنسبة 2 في المائة يمكن أن تساعد في تقليص هذه الاعتمادية، من خلال زيادة المداخيل الذاتية.
تهديد للموارد
أظهرت الإحصائيات الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة استقرار حصة الجماعات الترابية من منتوج الضريبة على القيمة المضافة عند 13 مليارا و45 مليون درهم؛ لتشكل هذه الضريبة موردا مهما لعدد من الجماعات، التي فاقت حاجياتها الإمكانيات الذاتية ومساهمات الدولة ومبالغ الافتراضات المبينة في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات رقم 113.14. يتعلق الأمر بميزانية إضافية تساعد على تغطية التزامات الجماعة، خصوصا ما يتعلق بضمان التسيير العادي ويغطي التكاليف التشغيلية الموزعة بين الأجور وفواتير الماء والكهرباء وغيرها من النفقات؛ إلا أن عملية إنفاقها تظل مشوبة بمجموعة من الاختلالات.
أحمد بوعابد، خبير اقتصادي متخصص في المالية العمومية، أوضح أنه “عندما تكون الحكامة المحلية ضعيفة، تتعرض موارد الجماعات الترابية، بما في ذلك حصة الضريبة على القيمة المضافة، لخطر الهدر وسوء التدبير؛ وذلك لأسباب ترتبط باختلالات التخطيط المالي ونقص الكفاءة الإدارية، وتفشي الفساد”.
وأكد بوعابد، في تصريح لهسبريس، أن كل هذه العوامل تؤدي إلى استغلال غير فعال للموارد؛ مما يعرقل تحقيق أهداف التنمية المجالية التي تخصص لها هذه التمويلات، مشيرا إلى أن ضعف آليات الرقابة الداخلية والخارجية على استخدام الموارد والمداخيل يساهم في تفاقم المشكلة، باعتبار غياب إجراءات صارمة لتتبع الإنفاق العام وتقييم الأداء المالي.
وأضاف الخبير الاقتصادي المتخصص في المالية العمومية أن عدم توفر الجماعات الترابية على وسائل كفيلة لتتبع وضبط النفقات يعزز من فرص إساءة تدبير الموارد الجماعية، ويؤدي إلى تقليص القدرة التمويلية للجماعات على تحقيق أهداف التنمية المحلية؛ وبالتالي تضرر سكان هذه الجماعات الذين يعتمدون على هذه الخدمات لتحسين جودة حياتهم.
وأوضح المتحدث، في السياق ذاته، أنه “في حال هدر حصة كبيرة من الموارد الضريبية في مشاريع غير منتجة أو غير مدروسة، فإن ذلك يزيد من عجز الميزانيات الجماعية؛ وهو العجز الذي يتطلب في كثير من الأحيان اللجوء إلى الاقتراض أو تقليص النفقات الأساسية، مثل البنية التحتية والصحة والتعليم، ما يؤدي إلى تقليل قدرة هذه الجماعات على تقديم الخدمات الأساسية، ويؤثر سلبا على التنمية المحلية والاستقرار الاجتماعي”.
الاستقلال المالي
تظل الجماعات الترابية عاجزة عن تحقيق الاستقلال والاستدامة الماليين، رغم سن إجراءات جديدة، مثل رفع حصتها من الضريبة على القيمة المضافة بزائد 2 في المائة خلال السنة المقبلة، في ظل تسجيل تفاوت كبير على مستوى الموارد والقدرات الاقتصادية بين الجماعات حسب موقعها الجغرافي؛ لتظل المقاربة التكاملية وتعزيز الحكامة المحلية وتشجيع المشاريع الصغيرة والمدرة للدخل أحد الحلول المقترحة لتجاوز هذه الفجوة، رغم أن الزيادة المشار إليها ستختبر بشكل كبير قدرة المجالس الجماعية على تدبير هذه الموارد الإضافية بشكل جيد، حسب احتياجاتها الخاصة، وتعبئة مصادر دخل أخرى.
وبالنسبة إلى إسماعيل كوني مسعودي، باحث في القانون الإداري متخصص في مالية الجماعات الترابية، فإن الفوائد المحتملة لرفع حصة الجماعات الترابية من الضريبة على القيمة المضافة لا تحجب تحديات عديدة، تهم قدرة هذه الجماعات على تدبير الموارد الجديدة بشكل جيد، إضافة إلى التوترات المجالية بين المجالس المنتخبة، حيث يتداخل السياسي والانتخابي مع التنموي؛ ما يعيق تركيزها على تأمين احتياجاتها الخاصة، ويضعف قدرتها على تعبئة موارد أخرى.
وأكد كوني مسعودي، في تصريح لهسبريس، أن الحكومة بتعزيز الرقابة على توزيع الزيادة الجديدة من الموارد الجبائية بين المناطق المختلفة، خصوصا أن التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين المدن الكبرى والمناطق القروية، تثير تساؤلات حول توزيع عادل لهذه التمويلات الإضافية، حيث يجب وضع آليات لضمان استفادة الجماعات الأكثر هشاشة من هذه الموارد الجديدة.
وأوضح الباحث في القانون الإداري المتخصص في مالية الجماعات الترابية، في السياق ذاته، أن “تحدي استدامة المالية العمومية المحلية يظل مطروحا؛ فإذا كانت زيادة حصة الضريبة على القيمة المضافة تمثل خطوة إيجابية، فهي لا تعالج بالكامل المشاكل الهيكلية التي تواجه العديد من الجماعات، حيث يتعين على المجالس الجماعية المنتخبة بشكل عام مواصلة تنويع مصادر دخلها والبحث عن موارد جديدة، خصوصا من خلال تعزيز تثمين وتحصيل الوعاء الضريبي المحلي، وجذب الاستثمارات الخاصة لتمويل بعض مشاريع التنموية”.
وشدد المتحدث عينه على أن تحقيق الاستدامة المالية للجماعات يتوقف على قدرة الفاعلين المحليين على استخدام الموارد الجديدة بفعالية وشفافية، لتحسين ظروف عيش السكان وتعزيز التنمية المتوازنة عبر كافة تراب المملكة.