اقرأ في هذا المقال
- استقرار نسبي لموارد النفط والغاز في سوريا بسبب توقُّ الأنشطة الاستكشافية.
- استكشاف الحقول البحرية بشرق المتوسط قد يسهم في إعادة إحياء القطاع
- تفاقم الصراع في سوريا قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في إنتاج النفط والغاز
- حجم إنتاج النفط والغاز في سوريا قبل الحرب وبعدها
لا شك أن قطاع التنقيب عن النفط والغاز في سوريا أحد الملفات الشائكة التي تحمل في طياتها فرصًا كبيرة، لكنها تواجه تحديات جسيمة.
فهذا القطاع، الذي كان يمثّل أحد أعمدة الاقتصاد السوري قبل اندلاع الثورة السورية في 2011، يواجه اليوم مستقبلًا غامضًا، لا سيما أن مسار الحرب عصفَ بالبنية التحتية، وألقى بظلال من الشك حيال قدرته على التعافي.
واليوم، ومع بوادر تغيُّر المشهد السياسي والأمني، يُطرح تساؤل جوهري: هل يستطيع قطاع التنقيب عن النفط والغاز في سوريا التعافي؟ والإجابة على هذا التساؤل تعتمد إلى حدّ كبير على مدى نجاح البلاد في تحقيق الاستقرار.
ورسم تقرير حديث، حصلت وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن) على نسخة منه، 3 سيناريوهات رئيسة تحدد مستقبل القطاع، وتتراوح بين احتمال عودة الاستقرار وجذب الاستثمارات الدولية، واستمرار الوضع الراهن المليء بالتحديات، وبين سيناريو أكثر قتامة يتجسد في تفاقم الصراع الذي قد يدفع القطاع نحو مزيد من الانهيار.
تأثير الحرب في قطاع التنقيب عن النفط والغاز في سوريا
ألحقت الحرب أضرارًا جسيمة بقطاع التنقيب عن النفط والغاز في سوريا، حيث انخفض إجمالي الإنتاج -الخاضع لسيطرة الحكومة- إلى قرابة 50 ألف برميل نفط مكافئ في 2024 من نحو 500 ألف برميل يوميًا في 2011.
بيد أن الموارد الطبيعية ظلت مستقرة نسبيًا نتيجة توقُّف الأنشطة الاستكشافية القائمة، وعدم إطلاق أيّ خطط جديدة للتنقيب.
كما انخفضت النفقات الرأسمالية على الحقول القديمة بنسبة تُقدَّر بنحو 65% مقارنة بعام 2011، في حين لم تخصص البلاد أيّ استثمارات للحقول الجديدة منذ اندلاع الصراع، وفق تقرير حديث صادر عن شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي.
ورغم الصراع المستمر، أبدت أطراف دولية اهتمامًا بقطاع التنقيب عن النفط والغاز في سوريا:
- في 2013، وقّعت الحكومة السورية عقدًا بقيمة 100 مليون دولار مع شركة سويز نفت غاز "Soyuzneftegaz" الروسية لاستكشاف احتياطيات شرق المتوسط، لكنه أُلغي في 2015 بسبب الأوضاع الأمنية.
- وفي 2020، أفادت تقارير بأن الولايات المتحدة أبرمت اتفاقًا مع الإدارة السورية التي يقودها الأكراد لتطوير النفط وتصديره في شمال شرق سوريا.
- أمّا الصين، فقد اتّسمت بالحذر، حيث علّقت شركاتها النفطية الكبرى، مثل "سينوبك"، عملياتها في سوريا منذ 2013.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- احتياطيات النفط في سوريا منذ عام 1980 حتى 2023:
إنتاج النفط والغاز في سوريا
جاء الجزء الأكبر من إنتاج النفط في سوريا خلال 2024 (70 ألف برميل يوميًا) من المناطق الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها قوّات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، بينما الـ20 ألف برميل المتبقية كانت تحت سيطرة الحكومة السابقة.
ويعتمد تعافي قطاع النفط السوري على التنسيق بين الفصائل المسلّحة المختلفة، بدعم من الحكومات الغربية.
على سبيل المثال، تقترب إدارة العمليات العسكرية في سوريا من السيطرة على مصفاتَي حمص (110 آلاف برميل يوميًا) وبانياس (120 ألف برميل يوميًا)، وتسعى لعقد صفقة مع إدارة "قسد" في شمال شرق سوريا لتزويدها بالنفط الخام.
أمّا بالنسبة لقطاع الغاز، فقد انخفض إنتاج سوريا من 7.4 مليار متر مكعب في 2011 إلى 1.3 مليار متر مكعب، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ومع ذلك، يرى التقرير إمكانات واعدة في الجهود الاستكشافية البحرية بمنطقة شرق البحر المتوسط، التي قد تعيد إنعاش القطاع في حالة تحسُّن الأوضاع.
3 سيناريوهات تحدد مستقبل النفط والغاز في سوريا
وفقًا لتقرير ريستاد إنرجي، فإنّ تطور قطاع التنقيب عن النفط والغاز في سوريا سيعتمد على عدّة عوامل داخلية وخارجية، مع طرح 3 سيناريوهات رئيسة تحدد مساره خلال المدة المقبلة.
السيناريو الأول: عودة الاستقرار
- في هذا السيناريو، يُتوقع أن تتفق القوى السياسية الجديدة مع الدول الغربية على خطة لإنعاش قطاع التنقيب عن النفط والغاز في سوريا.
- من المتوقع عودة شركات النفط العالمية للاستثمار في سوريا، مع تركيز خاص على عمليات الاستكشاف في منطقة شرق البحر المتوسط.
- "مشروع الأمل" لشركة غلف ساندز بتروليوم "Gulfsands Petroleum" -مقرّها المملكة المتحدة- قد يزيد الإنتاج من أصولها الحالية إلى أكثر من 50 ألف برميل يوميًا.
- يُتوقع أن يعود الإنتاج تدريجيًا، لكن بوتيرة بطيئة، بسبب اضطرابات سلاسل التوريد.
- ستكون الأصول في شمال شرق البلاد من أهم المحركات الرئيسة لنمو قطاع التنقيب عن النفط والغاز في سوريا.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- احتياطيات الغاز الطبيعي في سوريا منذ عام 1980 حتى 2023:
السيناريو الثاني: استمرار الوضع الراهن
- في هذا السيناريو، يظل الوضع في سوريا على حاله: اضطرابات سياسية، وانقسامات داخلية، واقتصاد هشّ.
- تظل الشركات النفطية الدولية مترددة في ضخ استثمارات جديدة.
- دون وجود لاعبين كبار يتمتعون بالخبرة الفنية والقدرة المالية، ستظل موارد النفط والغاز غير مستغلة، مع عدم توقُّع أيّ اكتشافات جديدة أو مشروعات كبرى في المدى القريب.
- استمرار انخفاض الإنتاج في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
- استمرار سرقة النفط.
فقد أفادت شركة غلف ساندز بتروليوم باستخراج ما يقرب من 5.8 مليون برميل من النفط المكافئ دون تصريح في عام 2023 وحده، ونحو 47 مليون برميل من النفط المكافئ منذ 2017، وتُقدَّر القيمة المحتملة لهذه الموارد المسروقة بقرابة 3.4 مليار دولار، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
السيناريو الثالث: تفاقم الصراع
- في هذا السيناريو، قد تتدخل قوى إقليمية ودولية للسيطرة على حقول النفط والغاز في سوريا.
- قد تتصاعد حدّة القتال بين الفصائل المتناحرة للسيطرة على أصول النفط والغاز ذات الإمكانات الواعدة.
- من المتوقع انخفاض الإنتاج، مع وجود فجوة تصل إلى 150 ألف برميل يوميًا.
- ستظل أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في سوريا معلّقة، مع عدم توقُّع أيّ استثمارات جديدة.
- إذا امتد الصراع إلى منطقة الشرق الأوسط، قد تتأثر أسعار النفط العالمية.
الخلاصة..
يواجه قطاع التنقيب عن النفط والغاز في سوريا مستقبلًا غامضًا مع 3 سيناريوهات محتملة: استقرار يؤدي إلى زيادة الإنتاج، أو استمرار الوضع الراهن الذي يعوق النمو، أو تصاعد الصراع الذي قد يسفر عن تدهور الوضع.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..
- سيناريوهات التنقيب عن النفط والغاز في سوريا من شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي
- رسم يوضح احتياطيات النفط في سوريا من وحدة أبحاث الطاقة
- رسم يوضح احتياطيات الغاز في سوريا من وحدة أبحاث الطاقة