يبرز الهيدروجين بوصفه وقودًا نظيفًا في سباق مواجهة تغير المناخ، من أجل خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
إلّا أن هناك العديد من الشكوك التي تُثار حول جدوى الاعتماد على هذا الوقود، في ظل الطلب العالمي المنخفض للغاية في الوقت الراهن.
وسلّط مقال حديث، اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، الضوء على عدّة عوامل من شأنها أن تُحبط نشر الهيدروجين على نطاق واسع.
وأشار المقال إلى أن الغالبية العظمى من الاستهلاك العالمي للهيدروجين (نحو 85 مليون طن سنويًا حاليًا) مخصصة للاستعمال الصناعي، مع توقُّع نمو بنسبة 2% فقط سنويًا على مدى العقود الـ3 المقبلة.
لذلك، فإن كل الزيادة المتوقعة في الطلب على الوقود بمقدار 5 أضعاف تقريبًا في العقد المقبل مرتبطة بالتدفئة والنقل، لتحلّ محلّ الوقود الأحفوري إلى حدّ كبير.
الهيدروجين وقود غير فاعل
أكد كاتب المقال، المؤسس المشارك لشركة سيروس كابيتال (Cirrus Capital) رولاند براون، أنه لا يوجد ضمان لزيادة الطلب على الهيدروجين.
ويعاني الهيدروجين -بوصفه مصدرًا للوقود- من قضية أساسية للغاية في الفيزياء؛ إذ يتمتع بكثافة طاقة حجمية منخفضة؛ ما جعل براون يصفه بأنه "غير فعّال".
وبيَّنَ براون أن تحويل العالم من الوقود الأحفوري إلى بديل منخفض الكثافة من حيث الطاقة الحجمية سيكون مكلفًا للغاية، ومن شأنه أن يؤدي إلى نتيجة أقل مثالية من الوضع الراهن.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من الخيارات البديلة "للطاقة النظيفة" لعدد كبير من الاستعمالات التي يُروَّج لها للهيدروجين، وكثير منها أكثر جدوى من الناحية التجارية، وفق ما جاء في المقال الذي نشرته منصة "ذا ناميبيان" (The Namibian).
وهذا صحيح خصوصًا إذا أُخِذ في الحسبان التطور التكنولوجي الجاري، ومن ثم فإن المشكلة هي أن الهيدروجين عمومًا يفشل في اجتياز اختبار جدوى الفيزياء.
قضية الهيدروجين الأخضر
يرى كاتب المقال رولاند براون أن التحدي الثاني يكمن في قضية الهيدروجين "الأخضر"، الذي يُعدّ غير قابل للتطبيق تجاريًا في الوقت الحاضر، وسيظل كذلك لمدّة طويلة قادمة.
الهيدروجين، بغضّ النظر عن "اللون"، هو جزيء متجانس، وفي شكله "الأخضر"، ما يزال بعيدًا لسنوات عديدة -في أفضل الأحوال- عن القدرة على المنافسة من حيث التكلفة مع أشكال أخرى من الهيدروجين.
لإجراء مقارنة مماثلة، يحتاج المرء إلى النظر في بدائل أخرى منخفضة أو معدومة الانبعاثات من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.
هناك بديلان من هذا القبيل:
- أولًا، خيار منخفض الانبعاثات من غازات الاحتباس الحراري، وهو الهيدروجين من الوقود الأحفوري مع احتجاز الكربون.
- ثانيًا، خيار خالٍ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهو الهيدروجين من الطاقة النووية.
وتقول وزارة الطاقة الأميركية: "من خلال احتجاز الكربون وتخزينه، يُمكن إنتاج الهيدروجين مباشرةً من الفحم مع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري القريبة من الصفر".
تكاليف إنتاج الهيدروجين
يُمكن أن يصبح الفارق كبيرًا في التكلفة بين الهيدروجين الأخضر والرمادي/البني/الأسود (الذي يُحَوَّل إلى "هيدروجين أزرق" من خلال احتجاز الكربون) من حيث التكلفة لكل وحدة من غازات الاحتباس الحراري.
ومع ذلك، في حين إن خيارات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المنخفضة قد تكون أكثر قابلية للتطبيق من الهيدروجين الأخضر على أساس التكلفة لكل وحدة من غازات الاحتباس الحراري، فإن الطاقة النووية خالية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويُمكن إنتاجها بنسبة 60% من تكلفة الهيدروجين الأخضر.
وعلاوةً على ذلك، هناك خيار بديل للطاقة النووية -إذا ماتت الضجة حول الهيدروجين، كما قد يحدث-، فلن تتبقى سوى طاقة أساسية مفيدة، وليس هكتارات من إمدادات الطاقة المتقطعة لتكملة فوائض الطاقة الحالية في منتصف النهار.
لذا، أشار كاتب المقال رولاند براون إلى أن المشكلة الثالثة تتعلق بالجدوى التجارية، وقد فشل الهيدروجين الأخضر في اجتياز هذا الاختبار.
ويشكّل هذا الافتقار إلى الجدوى أهمية، لأن هذا يعني أن إنتاج الهيدروجين واستعماله لا بد أن يحظى بالدعم، حتى يتمكن العالم من الانتقال إلى هذا المصدر للطاقة على نطاق واسع.
ومن الناحية المفاهيمية، هناك عدد قليل من الطرق التي يُمكن من خلالها القيام بذلك:
- أولًا، الدعم المباشر لإنتاج الوقود أو استعماله.
- ثانيًا، توفير البنية الأساسية المحددة من قبل القطاع العام، وضمان عدم تحمُّل الصناعة نفسها لجميع تكاليف القطاع.
- ثالثًا، من خلال الضرائب والحوافز المثبّطة لاستعمال مصادر الطاقة البديلة، على سبيل المثال، ضرائب الكربون وما شابه ذلك.
إعانات الهيدروجين
أوضح رولاند براون -في مقاله الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- أن الإعانات المطلوبة للهيدروجين قد يتحملها الجزء الغربي من نصف الكرة الشمالي، وخاصة أوروبا الغربية.
وأرجع ذلك إلى أن هذا الجزء من العالم يُعدّ السوق الأساسية المتوقعة للهيدروجين الأخضر بحلول عامي 2030 و2045، إذ تسعى اقتصادات أوروبا إلى الوصول لانبعاثات "صفرية صافية" في أسرع وقت ممكن، بمحاولة يائسة للحدّ من تغير المناخ.
ومع ذلك، يحذّر براون من خطر شديد: بعد غزو استمر عدّة عقود في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في أوروبا، أصبحت التحديات الأساسية المرتبطة بالإفراط في الاعتماد على هذه الأشكال من الطاقة واضحة بشكل متزايد لعامة الناس، على الرغم من كونها واضحة للأشخاص الفنّيين لعقود من الزمن.
ويعود ذلك إلى سببين:
- أولًا، أنها ليست طاقة حمل أساس وهي، في أفضل الأحوال، مكملة للحمل الأساس.
ونتيجةً لذلك، فإن توفر النظام واستقراره يتطلبان توليد أحمال أساسية تكميلية واحتياطيات، معظمها ليس "أخضر" تمامًا،
ويشمل ذلك الفحم والطاقة النووية، أو خيارات أكثر "اخضرارًا" مثل الطاقة الكهرومائية أو الوقود "الانتقالي" مثل الغاز. - ثانيًا، في حين إن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قد تكون رخيصة نسبيًا لكل وحدة من الطاقة المنتجة، فإنها تصبح باهظة الثمن نسبيًا عند دمجها مع قدرة الحمل الأساس الإضافية والاحتياطيات اللازمة.
ويُمكن أن تكون الخيارات الأخرى، مثل الطاقة النووية والفحم، أرخص ماديًا.
ويدرك هذا جيدًا القسم الشرقي من نصف الكرة الشمالي، لذا فبينما تُنتج أماكن مثل الصين مدخلات هائلة لصناعة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم، يُركَّب القليل نسبيًا محليًا، إذ يأتي 8% فقط من إجمالي طاقة الصين من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مقارنةً بأكثر من ضعف هذا الرقم في ألمانيا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر: