على خلفية الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، التي تأتي في سياق الموقف الفرنسي الداعم للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية وتراهن عليها الرباط من أجل تثبيت هذا الموقف وترجمته إلى إجراءات عملية على الأرض، خرجت “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع” ببيان حول هذه الزيارة، اعتبر مهتمون أنه ينطوي على معاكسة للمصالح القومية للمملكة وإساءة لقضية الشعب الفلسطيني، مشككين في ولاء الجبهة للوطن وقضاياه الوطنية، على رأسها قضية الصحراء.
ورفضت الجبهة سالفة الذكر زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب “مواقفه ومواقف الدولة الفرنسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية”، مسجلة أن “الرئيس الفرنسي لم يدخر جهدا في محاربة المقاومة الفلسطينية مقابل دعم مطلق وشامل لكيان الاحتلال ولحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة على وجه الخصوص”، واعتبار باريس الذين يعادون السامية والصهيونية “أعداء للجمهورية”.
ولم يأت البيان على ذكر سياق الزيارة ولا أهدافها، بل ذهب إلى استعراض القرار الفرنسي بـ”منع وتفريق التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني ومتابعة عدد من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية”، ولجوء الدولة الفرنسية إلى ما وصفته الجبهة بـ”تجييش الإعلام حيث أصبحت معظم القنوات الإعلامية الفرنسية أبواقا للصهيونية ولتضليل الرأي العام وترهيبه وتبرير حرب الإبادة ضد شعب يعمل على استرجاع حقوقه التاريخية المشروعة”.
موقف غير متوازن
في تفاعله مع هذا الموضوع، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع، إن “رفض الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع زيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة إلى المغرب، يمكننا اعتباره تطاولا صريحا وتجاوزا غير مقبول واعتداء واضحا على العرف السياسي المتوافق عليه بين مختلف القوى الحية في ما يتعلق بتدبير العلاقات الخارجية للوطن، حيث تحرص مختلف الأطراف على الاصطفاف وراء المؤسسة الملكية ورؤيتها الاستراتيجية التي تضع المصالح العليا والأمن القومي للمغرب فوق كل الأجندات السياسوية أو الانتخابوية”.
وأضاف البراق مصرحا لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “إملاء الجبهة لموقفها غير المتوازن والمبني على تقدير موقف سطحي وإدراك ميكانيكي وغياب استيعاب دقيق لطبيعة الميكانيزمات والفواعل والأسباب المتدخلة في صياغة القرار الدبلوماسي وانعكاساته على قضية الوحدة الترابية، يعكس الفهم الضيق لقيادات الجبهة من الجماعات الإسلاموية وبقايا اليسار لطبيعة التوازنات الداخلية في المملكة”.
وشدد الخبير ذاته على أن “هذا البيان يطرح العديد من الأسئلة حول مدى التزام الجبهة بالأولويات الوطنية والقضايا المغربية الملحة على حساب مواقفها التجارية من القضية الفلسطينية وكيفية تدبير علاقاتها الإقليمية بتناسب مع انتمائها للمجتمع المغربي وانتظاراته الملحة”، مسجلا أن “المغرب دولة ذات سيادة ومواقف مستقلة مرتبطة بالمصالح العليا للشعب المغربي ومتطلبات الأمن القومي المغربي، ولا تقبل بأي حال من الأحوال الإملاءات الخارجية المغلفة داخل قالب وطني من أي طرف كان”.
وأكد البراق أن “الشعب المغربي على وعي متقدم بطبيعة التحديات الجيو-سياسية المطروحة وبصدق المواقف الملكية السامية التي تعكس التزام الشعب المغربي بدعم القضايا العادلة في الملف الفلسطيني وبزيف المواقف السياسوية الضيقة العابرة لبعض التنظيمات السياسوية التي تستخدم القضية الفلسطينية كأصل تجاري لتحقيق مكتسبات سياسية، لذلك فبلاغ الجبهة يبقى نداء مهملا وصدى فارغا وصيحة بلا صدى في وادي الثقة الجارف بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي المدرك لحجم التضحيات التي قدمها ويقدمها المغرب نصرة للشعب الفلسطيني منذ عقود”.
إساءة للقضية
من جهته، قال أبو بكر أنغير، رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، إن “بيان الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، هو بيان خارج منطق التاريخ ولا يعبر سوى عن فئة مجتمعية يائسة لا تفقه في العلاقات الدولية شيئا وتسيء لمصالح البلاد الاستراتيجية، إذ إن في المغرب دولة ذات مؤسسات وتعرف ما ينفع المغاربة وما يضرهم”.
واعتبر المتحدث أن “إقحام القضية الفلسطينية في كل موضوع، وخاصة زيارة ماكرون التي يراهن عليها المغرب لدعم موقفه السيادي حول قضية الصحراء في اتجاه التسوية النهائية لهذا النزاع، هو إساءة لهذه القضية وخلط للأوراق خدمة لأهداف معينة”، مضيفا أن “الأولى بهذه الجبهة أن تقوم بمراعاة المصلحة القومية للبلاد ومصالح الآلاف من المغاربة الذين يسكنون في فرنسا ويعملون فيها ويساهمون في الاقتصاد المغربي، لا أن يتم توتير أجواء العلاقات المغربية الفرنسية”.
وتابع بأن “هذا البيان مسيء للمغرب من حيث تشويشه على زيارة الرئيس الفرنسي لبلادنا التي تأتي في سياق الدعم السياسي الفرنسي للمغرب في ظرف صعب ودقيق يتعلق بقضية الصحراء المغربية”، مشيرا إلى أن “الخطاب الذي جاء في البيان مفارق للواقع وصيغ بطريقة تدغدغ مشاعر المواطنين، ولا يمت بصلة حتى لممارسات أعضاء الجبهة الذين لا يتوانوا لحظة في قضاء العطل بفرنسا واللجوء إليها للسياحة والاستشفاء فيما يضللون الجماهير المغربية بشعارات وخطابات تنويمية لا تساهم لا من قريب ولا من بعيد في التأثير على الأحداث الدامية بفلسطين ولبنان”.
وخلص رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان إلى أن “المغرب ماض في سياسته الدولية المتوازنة الرامية إلى نشر قيم السلام والتسامح في العالم واستقطاب دول كبرى لصالح الموقف المغربي من النزاع الإقليمي حول الصحراء، فيما أصوات نشاز ما تزال ترى أن السياسة المغربية يجب أن تكون على أساس طائفي قومي متجاوز جدا وغير مجد في منطق العلاقات الدولية”.