علمت هسبريس من مصادر جيدة الاطلاع أن مصالح المفتشية العامة للإدارة الترابية فتحت أبحاثا جديدة حول تورط رؤساء جماعات ترابية في التلاعب بأسرار صفقات عمومية، من خلال نقل معطيات داخلية خاصة بطلبات عروض وسندات طلب إلى مقاولات بعينها، ما مكنها من الحصول على هذه الصفقات والاستجابة للشروط الواردة في دفاتر التحملات، المعدة على مقاسها سلفا، مؤكدة أن معلومات دقيقة واردة ضمن شكايات مرفوعة إلى اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية استنفرت مفتشي الداخلية، الذين طلبوا معطيات أوفى من مقاولات مشتكية حول ملابسات إقصائها من المنافسة على صفقات.
وكشفت المصادر ذاتها عن رصد تدخل رؤساء جماعات ترابية بجهتي الدار البيضاء-سطات والرباط-سلا-القنيطرة في عملية الإعداد لطلبات عروض خاصة بسندات طلب، همت خدمات صيانة وبناء وأشغال، وكذا تنظيم أحداث وتظاهرات، وتزويد بتجهيزات ومعدات، فازت بها مقاولات من وجدة والناظور وطنجة، مؤكدة أن التدقيق في الجدوى المالية لصفقات بعينها أثار شكوك مفتشي الداخلية، باعتبار قيمة الصفقة المنخفضة، التي لا تغطي التكاليف التشغيلية للمقاولة الفائزة بها، خصوصا بالنظر إلى البعد الجغرافي الكبير بين المقر الاجتماعي لهذه المقاولة، وورش إنجاز الأشغال أو محل تسليم الخدمة.
وأكدت المصادر نفسها توصل مصالح التفتيش بإخباريات حول شبهات علاقات بين رؤساء جماعات وأرباب مقاولات استفادوا من صفقات على المقاس وفي مجالات نشاط أخرى مقابل عمولات وامتيازات، مشددة على أن المعطيات الواردة همت أيضا تعرض مقاولين لضغوط من قبل المنتخبين المذكورين لغاية تقديم عروض مشتركة مع مقاولات مملوكة لأقارب ومعارف، من أجل الحصول على الصفقات، التي يجري تنظيمها بطريقة رقمية عبر البوابة الوطنية للصفقات العمومية، إلا أن عملية صياغة طلبات عروضها ودفاتر الشروط (CPS) الخاصة بها بقيت تحت مظلة الإدارات الجماعية.
وتوقف المفتشون في أبحاثهم عند تعرض المقاولات الصغرى والصغيرة جدا لمنافسة قوية على الصفقات وسندات الطلب صغيرة الحجم، مما يخالف مقتضيات المرسوم رقم 2.22.431 المتعلق بالصفقات العمومية، الذي نص على ضرورة تخصيص نسبة 30 في المائة من المبلغ المتوقع للصفقات المزمع طرحها من طرف الدولة ومؤسساتها برسم كل سنة مالية بشكل عام للمقاولة الوطنية المتوسطة والصغيرة، بما فيها المبتكرة والمبتدئة، وللتعاونيات ولاتحاد التعاونيات وللمقاول الذاتي، علما أنه جرى رفع السقف المالي لسندات الطلب إلى 500 ألف درهم حاليا، بعدما كان هذا السقف لا يتجاوز 200 ألف درهم في 2013.
وأفادت مصادر هسبريس بأن جهة التدقيق فتحت ملفات صفقات عمومية وسندات طلب متعثرة للافتحاص، بعد تفويتها لمقاولات لا تتوفر على الإمكانيات المالية اللازمة للوفاء بالتزاماتها، موضحة أن جماعات اضطرت إلى تحمل تكاليف إتمام أشغال مشاريع حيوية، وحملت ميزانياتها نفقات إضافية، بعد التأكد من انسحاب مقاولات متعاقد معها، مبرزة أن الخسائر تفاقمت بتكاليف إضافية لمنازعات قضائية مع هذه المقاولات.
يشار إلى أن مناقشة مشروع قانون المالية 2025 الجارية بمجلس النواب حاليا، تعرف ضغوطات من أجل إعادة النظر في الإطار التشريعي المنظم للصفقات العمومية، خصوصا المؤطر لسندات الطلب، بعد ثبوت عدم استفادة المقاولات الصغرى والصغيرة جدا من هذه الصفقات، إذ لجأ كبار المزودين ومقدمي الخدمات بالجملة إلى تأسيس مقاولات تابعة من أجل المنافسة على الصفقات الصغيرة، مستغلين وضعهم التجاري في السوق وإمكانياتهم المالية واللوجستية.