أخبار عاجلة

تهريب الأعضاء البشرية.. تجارة الموت التي تزدهر على الحدود المصرية - الليبية

تهريب الأعضاء البشرية.. تجارة الموت التي تزدهر على الحدود المصرية - الليبية
تهريب الأعضاء البشرية.. تجارة الموت التي تزدهر على الحدود المصرية - الليبية
كتب : عامر عبد الرحمن

تشهد الحدود الليبية-المصرية في الآونة الأخيرة تفشيًا ملحوظًا لظاهرة تهريب السلع، حيث انخرط العديد من المصريين في أنشطة تهريب متنوعة تشمل السجائر، الهواتف الذكية، والمخدرات حتى الأسلحة وأعضاء بشرية، وغيرها من السلع ،هذه الظاهرة التي بدأت كنشاط غير قانوني، تطورت لتصبح مصدر رزق للكثير من الشباب، الذين يجازفون بحياتهم ويتجاوزون مناطق وعرة، في سعيهم وراء الربح السريع، ومع تصاعد هذه الأنشطة، تبرز مخاطر عدة، ليس فقط على الأمن المجتمعي، بل أيضًا على سلامة الأفراد المعنيين، هذا الوضع يثير العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء انخراط الشباب في مثل هذه الأنشطة المحفوفة بالمخاطر، والآثار المحتملة المترتبة على ذلك.

تصاعدت عمليات التهريب على الحدود المصرية الليبية بشكل ملحوظ منذ انهيار القبضة الأمنية الليبية عقب سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011 حتي وقتنا هذا، وتشمل هذه العمليات تهريب التبغ والسجائر، والمواد الغذائية، إضافة إلى الأسلحة والذخائر والمخدرات والمحروقات. ووفقًا لمصادر أمنية ليبية في عام 2021، تعتمد العصابات الإجرامية بشكل كبير على عائدات التهريب كمصدر رئيسي لتمويل أنشطتها غير المشروعة.

وفي هذا الصدد، نسلط الضوء على هذه القضية المعقدة التي تتشابك فيها العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، فمع تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، يجد بعض الشباب في تهريب السلع فرصة لتحسين أوضاعهم المالية، رغم المخاطر الجسيمة التي قد تواجههم، وبجانب الأبعاد الاقتصادية، تطرح هذه الظاهرة قضايا تتعلق بالأمن، حيث يشكل التهريب تهديدًا لاستقرار المجتمع ويفتح المجال لتفشي الجريمة المنظمة. 

تراجع ملحوظ في معدل البطالة بمصر خلال الربع الأخير من 2023

أظهرت بيانات رسمية حديثة تراجعًا ملحوظًا في عدد المتعطلين عن العمل في مصر خلال الربع الأخير من العام الماضي. ووفقًا لما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نتائج بحث القوى العاملة للربع الرابع من عام 2023 (أكتوبر – ديسمبر)، سجل معدل البطالة 6.9% من إجمالي قوة العمل، مسجلًا انخفاضًا قدره 0.2% مقارنة بالربع السابق.

وكشفت البيانات أن عدد العاطلين عن العمل بلغ نحو 2.159 مليون فرد، يمثلون 6.9% من إجمالي قوة العمل. ومن بين هؤلاء، يُقدر عدد الذكور بنحو 1.165 مليون، بينما بلغ عدد الإناث حوالي 994 ألف. كما أظهرت الأرقام انخفاضًا في عدد العاطلين عن العمل مقارنة بالربع السابق، حيث كان عددهم 2.263 مليون متعطل، مما يعني تراجعًا بلغ 104 آلاف متعطل، بنسبة 4.6%. بالإضافة إلى ذلك، يُشير التقرير إلى انخفاض قدره 26 ألف متعطل مقارنة بالربع المماثل من العام السابق، بنسبة 1.2%.

في سعيهم من أجل تأمين لقمة العيش، يجازف عمال مصريون بالسير على الأقدام عبر أكثر الطرق والممرات الجبلية وعورة في الصحراء الغربية، تتواجد هذه الطرق قرب الحدود المصرية الليبية، تحديدًا جنوب منفذ السلوم، حيث يواجه هؤلاء العمال تحديات جسيمة في رحلتهم اليومية.

وفي هذا السياق، يقول "ع. م"، المعروف باسم "العمدة"، وهو شاب يبلغ من العمر 29 عاماً، إنه نشأ في بيئة قاسية وسط ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة. منذ طفولته، عمل في مخبز بالقرب من منزل عائلته في الصعيد، حيث تعلم مهنة صناعة العيش السياحي التي أصبحت مصدر رزقه الوحيد، ومع مرور الوقت، تنقل بين المحافظات بحثاً عن فرص عمل أفضل توفر له لقمة العيش، لكنه واجه العديد من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي ضغطت عليه بشدة. 

وقد دفعه ذلك إلى ترك مهنة الخبز، التي كانت تتطلب منه جهداً شاقاً، خاصة في الصيف، حيث كان يقضي ساعات طويلة في درجات الحرارة المرتفعة الناتجة من لهيب الأفران.

يحكي العمدة ل "بلدنا اليوم" عن تحول جذري في حياته المهنية قائلاً: "تهريب السجائر والسلع عبر الحدود المصرية الليبية أصبح نشاطاً مربحاً يشهد إقبالاً متزايداً، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الجميع، فالجميع يحلم بجني المال بسرعة." 

ويضيف أن والده وشقيقه الأصغر يعملون في هذا المجال منذ سنوات، بينما ظل هو يرفض الالتحاق بهم حتى هذا العام، إذ قرر الانضمام إليهم بعد سنوات من المعاناة. الظروف المالية الصعبة والرغبة في الزواج، بالإضافة إلى المشاحنات المستمرة مع زملائه وصاحب العمل، دفعته أخيراً إلى خوض هذه التجربة، على أمل تحسين أوضاعه المعيشية.

وأوضح العمدة أن الحياة في السلوم تحمل فرصاً كبيرة للربح السريع، واصفاً إياها بأنها "أحلى فلوس ممكن تعملها." بعد اتخاذ قرار العمل مع عائلته في تهريب السلع، بدأت رحلته من موقف رمسيس، حيث استقل ميكروباص متوجهاً نحو السلوم، عند وصوله إلى هناك، التقى بوالده وشقيقه الأصغر، اللذين يقيمان في حوش سكني مستأجر، والذي أصبح مأواهم واستراحتهم بعد كل رحلة.

تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن حوالي ملياري عامل، أي ما يعادل نحو 60% من قوة العمل العالمية التي تتجاوز سن 15 عامًا، يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، حيث يقضون جزءًا من أوقاتهم في أنشطة غير مسجلة رسميًا.

وفي اليوم التالي، بدأ العمدة أولى خطواته في هذا العالم الغامض، حيث استقل سيارة متوجهاً إلى "أبو جبل"، وهي نقطة الانطلاق التي يستخدمها المهربون للوصول إلى الحدود الليبية، هناك، في هذه المنطقة الحدودية الخطرة، تنتشر عدة وديان يسلكها المهربون، من أشهرها وادي عقرب ووادي ماسورة.

 العمدة ومع زملائه المهربين بدأوا السير عبر أحد هذه الوديان، في رحلة شاقة استغرقت ساعات طويلة بين صعود الجبال وهبوطها، وسط ظروف قاسية تحت لهيب الصحراء، حتى وصلوا إلى منطقة الطلياني على الحدود الليبية، نقطة النهاية التي تبدأ منها عمليات تهريب السلع.

بعد الوصول إلى منطقة الطلياني على الحدود الليبية، تبدو المشاهد مختلفة تماماً، حيث تظهر السيارات الليبية محملة بأنواع مختلفة من السلع المهربة، بين هذه السلع تجد السجائر، أجهزة الموبايل، الأجهزة الكهربائية، المخدرات، الأسلحة، وحتى الأعضاء البشرية، المهربون يتفاوضون مع التجار الليبيين لشراء هذه السلع، وبعد إتمام الصفقة، يتم الاتفاق مع فريق المهربين على تكلفة توصيل الحمولة إلى داخل الحدود المصرية، وتحديداً العودة إلى منطقة "أبو جبل."

يوضح العمدة أن العملية تتم بانضباط شديد، حيث يتم تحميل البضاعة والسير لساعات طويلة بين الجبال والصحراء للوصول إلى أبو جبل، عند الوصول، يتم تسليم البضاعة واستلام المبلغ المتفق عليه من دون تردد أو خداع، مشيراً إلى أن المهربين أصحاب البضاعة يلتزمون دائماً بشروط الاتفاق.

بعد الانتهاء من تسليم الحمولة واستلام المال، يأخذ الفريق قسطاً من الراحة قبل العودة مجدداً إلى الطلياني لجلب حمولة جديدة. ويسلط العمدة الضوء على جانب آخر من حياة المهربين، مشيراً إلى أن بعض الشباب يتعاطون "تراما دول" ليبي، الذي يتراوح سعر الشريط منه بين 70 و100 جنيه، لتخفيف آلام الظهر والأقدام الناتجة عن حمل البضائع والمشي لساعات طويلة في الصحراء الوعرة.

يوضح العمدة أن هذه الرحلات لا تُنفذ بشكل فردي، بل تكون على هيئة فرق تتراوح أعداد أفرادها بين 5 إلى 15 شخصاً، كل فريق يخضع لرقابة صارمة من قبل شخص معين، تابع لصاحب البضاعة، مهمته الأساسية هي التأكد من التزام حامل البضاعة وعدم هروبه بها، هذه الرقابة تهدف إلى ضمان الأمان في عملية التهريب وعدم خيانة الأمانة.

ويشير العمدة إلى أن السلوم أصبحت ملتقى للكثير من المصريين الذين يتوافدون من مختلف محافظات الجمهورية. بمجرد أن يصل الشخص إلى هناك ويجرب العمل في التهريب، يعرض الفكرة على أقاربه وأصدقائه، مشجعاً إياهم على الانضمام والمشاركة في هذا النشاط، تهريب السجائر والسلع المتنوعة أصبح حديث الناس في المنطقة، مع تزايد الإقبال على هذه الفرصة التي تبدو مغرية للكثيرين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وأوضح العمدة أن أسعار عمليات التهريب تختلف بشكل كبير بناءً على نوعية البضائع المهربة. فتهريب السجائر يختلف عن المخدرات، وكذلك عن الأجهزة الكهربائية أو الأعضاء البشرية، إذ لكل سلعة سعر خاص بها، تبدأ تكلفة نقل الحمولة الواحدة في الرحلة من 2500 جنيه وتصل إلى 15 ألف جنيه، حسب ما يتم الاتفاق عليه مع صاحب البضاعة، تحديد السعر يعتمد على نوع السلعة وحجم المخاطرة المرتبطة بتوصيلها عبر الحدود، مما يجعل كل صفقة فريدة من نوعها في تفاصيلها وشروطها.

أفاد إبراهيم الإمبابي، رئيس شعبة الدخان والمعسل في غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، بأن السجائر المهربة تمثل حوالي 3% من إجمالي السجائر المتداولة في السوق المحلي المصري.

حول المخاطر التي تواجه الشباب أثناء رحلات التهريب، أكد العمدة أن وجود أعداد كبيرة من المهربين في الفريق يمنحهم شعوراً بالألفة والونس، حيث يمضون الوقت في المزاح وتبادل الأحاديث وشرب السجائر، وأحياناً يتوقفون للأكل، ومع ذلك، فإن الرحلة محفوفة بالمخاطر الجسيمة. هناك تشكيلات عصابية تنتظرهم في طريق العودة، تعترض طريقهم للاستيلاء على البضائع وسرقة أي متعلقات ذات قيمة، مثل الأموال أو الهواتف المحمولة، في حال حاول أحدهم المقاومة أو الاعتراض، يتم الاعتداء عليه بشكل وحشي، يصل أحياناً إلى حد القتل أو التسبب بإصابات خطيرة.

العقبة الأخرى التي يوجهها المهربون هي دوريات حرس الحدود، التي تنتشر على فترات، يراقب بعض الأشخاص من العرب تحركات هذه الدوريات، لتحديد الوقت المناسب للعمل وتهريب البضائع، إلا أن العمدة يشير إلى أن الخطر الأكبر يكمن في العصابات التي تهدد سلامتهم، مقارنة بحرس الحدود.

كما أضاف أن هناك أوقاتاً كثيرة تمر دون تحقيق أي مكاسب مالية بسبب التوقف المتقطع، ينتج هذا التوقف عن انتشار قوات حرس الحدود على مسارات التهريب، وهو ما يستدعي منهم توخي الحذر والبقاء على استعداد دائم لمواجهة هذه المخاطر

أكد العمدة أن المهربين الذين يحملون السلع عبر الحدود لا يحملون أي نوع من الأسلحة النارية، باستثناء بعض الأدوات الحادة مثل المطاوي أو الخناجر، أما من يحملون الأسلحة فهم التجار العرب الذين يشترون البضائع من الليبيين، ويتميزون بعلاقات طويلة ومستمرة مع المهربين بفضل التعاملات المتكررة.

وأضاف أن السلوم أصبحت واحدة من الوجهات الأكثر جاذبية للشباب الذين يسعون لتحقيق الثراء السريع، حيث يمكن للشخص الواحد أن يكرر رحلات تهريب السلع عدة مرات في اليوم، مشيرا إلي أن عدد الرحلات يعتمد على قدرات كل فرد، فبعضهم يستطيع القيام بثلاث أو أربع رحلات يومياً، بينما يكتفي آخرون برحلة واحدة فقط.

أخيرًا، قرر العمدة الاستمرار في هذا العمل رغم المخاطر، عازمًا على تحسين أوضاعه المالية وتحقيق حلمه بالزواج، وبينما كان يحلم بحياة أفضل، أدرك أن كل يوم في هذا العالم الغامض يحمل في طياته تحديات جديدة، لكن الأمل كان دائمًا يراوده بأن الغد سيكون أفضل.

بعد تلقى تشجيعًا من بعض أصدقائه للانخراط في عالم التهريب، خاصة بعد سماعه العديد من القصص التي تتحدث عن الأرباح السريعة والمغرية التي يمكن تحقيقها، تحت تأثير هذه الروايات، وبدافع البحث عن الثراء السريع والهرب من ظروف العمل الشاق ككهربائي، حيث لم يكن العمل يوفر له مستوى الحياة الذي كان يأمله، قرر سكر الذهاب إلى السلوم مع أصدقائه، متطلعًا إلى تحقيق أحلامه وإنهاء معاناته الاقتصادية.

ومن جهته يقول ( أ . ج)، المعروف بلقب "سكر"، إنه يعمل كهربائيًا في إحدى المناطق العشوائية بالجيزة، وقد قضى شهرين في تهريب السلع علي الحدود الليبية والمصرية. خلال هذه الفترة، استطاع تحقيق مكاسب كبيرة، مكنته من افتتاح محل تجاري لبيع الأدوات الكهربائية.

يقول سكر إنه تلقى تشجيعًا من بعض أصدقائه للانخراط في عالم التهريب، حيث كثرت القصص والروايات عن الأرباح السريعة التي يمكن تحقيقها، بدافع من هذه التجارب، قرر سكر الذهاب إلى السلوم مع أصدقائه بحثًا عن الثراء والتخلص من مشقة العمل ككهربائي، حيث لم يكن يحقق الرغبات والأمنيات التي يتطلع إليها.

نجح سكر في عمله الجديد وتمكن من فتح محل للأدوات الكهربائية في منطقة سكنه. وكشف أنه يخطط للعودة إلى السلوم في الأيام المقبلة، حيث سيتولى شقيقه إدارة المحل طوال فترة غيابه.

أوضح سكر أنه على الرغم من تحقيق مكاسب مالية كبيرة من نشاط التهريب، إلا أن الأمر يتطلب توفيقًا وحذرًا شديدين لتجنب المخاطر المحتملة، سواء من اللصوص أو من قوات حرس الحدود، مؤكداً أنه تعرض للسرقة أكثر من مرة خلال الشهرين الذين قضاهما في التهريب، مشيرًا إلى أنه يفضل ترك البضاعة اللصوص وتجنب المشاجرة معهم، سعيًا للنجاة بسلام.

واستطرد إنه لا يتحمل أي ثمن لهذه البضاعة، حتى ولو جزءًا بسيطًا، ما دامت السرقة من قبل اللصوص أو القبض عليه من قبل مجندين حرس الحدود المصرية قد حدثت، واعتبر هذا الأمر عرفًا متعارفًا في مجال التهريب.

وكما أشار إلى أن بعض المهربين يرفضون تسليم البضاعة للتجار الذين دفعوا ثمنها لليبيين ويفروا هرباً بها بعيداً عن مكان تسليمها، وبيعها لحسابهم الخاص ، مؤكداً أن هؤلاء المهربين يعرضون أنفسهم للخطر، إذ في حال تم القبض على أحدهم، يمكن أن يتعرض لعقوبات صارمة، قد تصل إلى حد القتل وإلقائه في الصحراء، لذلك، يتجنب سكر وأصدقاؤه الوقوع في مثل هذه المواقف الخطرة.

أكد سكر أن هناك آلاف الشباب يعملون في تهريب السجائر وغيرها من السلع، ومعظمهم يشكلون مجموعات من الأصدقاء أو الأقارب، حيث أن كل من يذهب إلى هناك يشجع أقاربه وأصدقائه على خوض التجربة لكسب الأموال، ومعظم النشاطات تتركز على تهريب السجائر وأجهزة الموبايل، بالإضافة إلى أقراص الترامادول الليبي التي أصبحت منتشرة بشكل كبير في الفترة الأخيرة، كما أخبره أصدقاؤه.

وأشار سكر إلى أن هناك عددًا كبيرًا من المصريين الذين يدخلون الأراضي الليبية ويمكثون فيها بحثًا عن العمل. بعضهم يذهب لشراء السلع وإحضارها إلى الحدود المصرية، حيث يتعاون مع المهربين الذين يحملونها مقابل مبلغ مالي معين، بينما يسعى آخرون للسفر إلى ليبيا كوسيلة للوصول إلى دول أوروبا، وكل شخص يبحث عن فرصة عمل تتناسب مع قدراته ومتطلباته.

يشير تقرير منظمة الهجرة الدولية الذي صدر عام 2022 إلى أن عدد المهاجرين غير النظاميين من مصر إلى ليبيا بلغ 144543 مهاجرًا، لتحتل مصر المرتبة الثانية في قائمة الدول التي يعبر مواطنوها إلى ليبيا بطريقة غير نظامية.

تحدث" م . ع "، ل " بلدنا اليوم"، شاب في العشرينات من عمره، عن تجربته الشخصية في تهريب السجائر على الحدود الليبية المصرية، كاشفًا عن صلته بالعمدة الذي كان يعمل بائعًا للعيش السياحي في نفس مكان عمله سابقًا، يقول إنه كان العمدة من عرفه بموضوع تهريب السجائر، وقررا سوياً العمل في هذا المجال.

سافر " م . ع " وصديقه الآخر المعروف بشهرة "شيكابالا" إلى السلوم، حيث استقبلهما العمدة وبدآ العمل مباشرة دون أي فترة راحة، استقلوا ميكروباصًا إلى منطقة أبو جبل لبدء رحلتهم الأولى في تهريب السلع، التي استغرقت حوالي ثلاث ساعات ذهابًا وإيابًا.

يتذكر" م. ع "، كيف تعرضوا في أول رحلة لمهاجمة قوات حرس الحدود المصرية، حيث أطلق أحد العرب وابلًا من الأعيرة النارية، مما دفع الجنود إلى تبادل إطلاق النار ومطاردتهم. 

ولكنهم تمكنوا من الإفلات، وسلم م. ع البضاعة ليحصل على 2500 جنيه مقابل ذلك، وفي المقابل، أُلقي القبض على بعض أصدقائه وتمت مصادرة بضاعتهم، لكنهم أُطلق سراحهم بعد أيام وعادوا إلى بلادهم.

وبعد هذه التجربة المرعبة، قرر" م. ع " العودة إلى القاهرة والعمل كبائع عيش، رافضًا فكرة الاستمرار في تهريب السجائر بعد أن شهد الموت أمامه في الصحراء.

وفي رحلة حياته الصعبة، واجه العديد من التحديات التي شكّلت شخصيته وجعلته أقوى. منذ صغره، اضطر إلى التعامل مع واقع مرير بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي عانت منها أسرته نظراً لمرض والده وتوقفه عن العمل، حيث كان عليه أن يتحمل مسؤوليات كبيرة وهو لا يزال في سن صغيرة، مما أثر بشكل عميق على مسار حياته المستقبلية.

أما" ح . ع "، الشهير بشيكابالا، فيروي قصته بأنه نشأ في بيئة فقيرة جدًا، ووالده مصاب بالربو وأصبح عاطلًا عن العمل منذ سنوات طويلة، مما جعله هو وأخيه الأكبر يتحملان نفقات علاج والدهم ومصاريف المعيشة.

حكى شيكابالا أنه تلقى عرضًا ماليًا كبيرًا لحمل صندوق يحتوي على أعضاء بشرية، ورغم أن العرض بلغ 25000 جنيه، إلا أنه رفض هذه المجازفة، مفضلًا نقل السجائر لتجنب التعرض للمخاطر.

في الآونة الأخيرة، انتشرت على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الليبية أنباء تفيد بوجود عصابات في عدة مناطق بليبيا تقوم بخطف الأطفال بهدف الإتجار بالأعضاء البشرية وبيعها.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد صنفت مصر ضمن أخطر 5 دول في العالم على صعيد الاتجار بالأعضاء البشرية.

وأكد شيكابالا ل" بلدنا اليوم " ما ذكره صديقه م. ع عن تعرضهم لإطلاق النار والمطاردة من قبل جنود الجيش، مشيرًا إلى أن تلك اللحظات ستظل عالقة في ذاكرته، حيث كانت الأحداث تشبه أفلام الأكشن، مما زاد من خطورة هذا العمل غير القانوني.

وأكد شيكابالا أنه لن يعود لهذا العمل مرة أخرى، مفضلًا العودة مع صديقه، موضحاً أن تهريب السجائر والسلع قد يكون مربحًا جدًا، لكن خسارته أكبر من مكسبه، حيث إن المخاطر قد تصل إلى الموت في الصحراء أو التعرض لإصابات خطيرة أو عاهات دائمة، مضيفاً أن الأمر في غاية الصعوبة ويتطلب توخي الحذر الدائم، مما جعله يدرك أن العمل في هذا المجال ليس الخيار الصحيح له.

وعند سؤاله عن مدى صحة الأعداد التي ظهرت في مقاطع الفيديو المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، أكد شيكابالا أن الأعداد الحقيقية تفوق بكثير ما تم تداوله.

تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر مجموعة من الأفراد، حيث ادعى ناشروه أنهم مصريون يهاجرون بطريقة غير شرعية إلى ليبيا للعمل أو الهجرة إلى أوروبا.

بعد تحقيق أجرته منصة "مسبار"، تبيّن أن الفيديو يعود لمهربين وليس لمهاجرين غير شرعيين. الفيديو نُشر سابقًا على قناة ليبية في يونيو 2022، وأفادت بأن المشاهد من منطقة أمساعد على الحدود الليبية-المصرية، وأن الأفراد الظاهرين فيه هم مهربون ينقلون بضائع مجهولة. 

وكما أشارت القناة إلى أن المهربين يستغلون ضعف الرقابة الأمنية على الحدود بين البلدين.

وقد تم العثور على مقاطع مشابهة على "تيك توك" و"يوتيوب"، زاعمين أنها من منطقة السلوم الحدودية بين مصر وليبيا.

وحول سؤاله عن تشجيعه للشباب على الإقبال على تهريب السلع على الحدود الليبية المصرية، علق قائلاً: "لا أشجع أحدًا، وكل من يتواصل معي للحصول على معلومات أنصحه بعدم الذهاب، لأن الأمر ليس بالسهولة التي يُروى ويُحكى للشباب، هناك شباب يفضلون المجازفة ويعملون باستمرار ويحققون أموالًا كثيرة، لكن في أي لحظة قد يتعرضون للموت."

التحديات الأمنية للتهريب عبر الحدود

تعتبر ظاهرة التهريب عبر الحدود من أبرز التحديات التي تواجه الدول، لما لها من تأثيرات سلبية على الأمن القومي والاقتصاد، وفي هذا السياق، تبرز أهمية استعراض الإجراءات الأمنية المتبعة لمكافحة هذه الظاهرة، والتعرف على التحديات التي تعيق القضاء عليها نهائيًا، خاصة في ظل الطبيعة الجغرافية المعقدة للحدود المصرية الليبية والعوامل الأخرى التي تُسهم في استمرارها.

وفي هذا الصدد، أكد اللواء عمر الزيات الخبير الأمني، أن ظاهرة تهريب السلع والبضائع عبر الحدود المصرية الليبية تشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي المصري، مشيرًا إلى أن طول الحدود الممتدة على مسافة 1115 كيلومترًا يُعقد عملية السيطرة الكاملة على هذه المنطقة، وهو ما تستغله العصابات المنظمة في تنفيذ عمليات التهريب، موضحا أن هذه العصابات تهرب سلعًا وبضائع متنوعة، مستفيدة من التضاريس الوعرة والصحراء الشاسعة التي تصعب عمليات الرقابة الدقيقة.

وأضاف اللواء الزيات، أن الدولة المصرية اتخذت عدة إجراءات أمنية لمكافحة التهريب عبر الحدود، منها تكثيف الدوريات الأمنية على الطرق الرئيسية التي يستخدمها المهربون، وتفعيل أنظمة المراقبة باستخدام الأقمار الصناعية والطائرات المروحية. كما زاد التنسيق مع الأجهزة الأمنية الليبية لضبط الحدود ومنع عمليات التهريب.

وفي إطار تعزيز الجهود الأمنية، أصدرت مصر القانون رقم 82 لسنة 2016 الذي يفرض عقوبات صارمة على مرتكبي جرائم التهريب، وتم تشديد العقوبات بالقانون رقم 22 لسنة 2022، والذي ينص على معاقبة كل من يرتكب جريمة تهريب المهاجرين بالسجن المشدد وغرامات مالية كبيرة. ورغم هذه الجهود، شدد اللواء الزيات على أنه لا توجد دولة في العالم تستطيع السيطرة بشكل كامل على حدودها، مستشهدًا بتحديات التهريب على الحدود بين المكسيك وأمريكا رغم الإمكانيات الهائلة.

أصدر الرئيس السيسي في نوفمبر 2016 قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية (رقم 82 لسنة 2016)، الذي أقره مجلس النواب ويشمل 21 عقوبة، من بينها السجن المؤبد وغرامات تتراوح بين 200 و500 ألف جنيه. 

ويأتي هذا القانون بعد إقرار أول استراتيجية وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية من قبل اللجنة الوطنية للهجرة برئاسة السفيرة نائلة جبر في أكتوبر 2016.

وفي نوفمبر 2015، وافق مجلس الوزراء على قانون يهدف إلى مكافحة تهريب المهاجرين، والذي تضمن إنشاء اللجنة الوطنية التنسيقية لهذا الغرض. 

ينص القانون على عقوبات صارمة تصل إلى السجن والغرامة، وقد وقعت مصر على استراتيجية مشتركة مع الدول المجاورة تتضمن إجراءات أمنية ولوجستية وتبادل معلومات. 

وكما تسعى مصر لتنسيق الجهود مع الدول الساحلية مثل إيطاليا واليونان وليبيا وقبرص لتأمين حدودها الساحلية ومنع الهجرة غير الشرعية. وأسهمت جهود القوات البحرية والمبادرات الأمنية في تحقيق نجاحات ملحوظة في هذا المجال.

ثم صدر القانون رقم 22 لسنة 2022 لتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين (رقم 82 لسنة 2016)، بهدف تعزيز الجهود لمكافحة الهجرة غير الشرعية. يركز القانون على حماية الفئات الأكثر عرضة للاستغلال من قِبل المهربين، مثل الشباب والأطفال وعائلاتهم، بالإضافة إلى ردع ومعاقبة سماسرة وتجار الهجرة من خلال فرض إجراءات وعقوبات مشددة.

وأشار الخبير الأمني، إلى أن التحديات الرئيسية التي تعيق القضاء على التهريب تشمل الطبيعة الجغرافية الصعبة للمنطقة، وغياب الرقابة الفعالة من الجانب الليبي نتيجة الأوضاع الداخلية، بما في ذلك نقص التسليح والموارد لدى الأجهزة الأمنية هناك. 

وكما أكد أن مواجهة التهريب تتطلب تعاونًا مجتمعيًا وإعلاميًا لتوعية المواطنين بخطورة الظاهرة وتأثيرها السلبي على الاقتصاد والأمن القومي، بجانب تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمكافحة هذه الظاهرة العابرة للحدود.

الدوافع الإجتماعية للإقبال على التهريب 

تُعتبر ظاهرة تهريب السلع عبر الحدود من القضايا المتزايدة بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. والدوافع الاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في دفع الشباب للانخراط في هذه الأنشطة غير القانونية، حيث يسعون لتحسين أوضاعهم المعيشية نتيجة قلة فرص العمل وضعف الدخل. 

وهذا يجعلهم عرضة لاستغلال العصابات المنظمة التي تستفيد من حاجتهم لتحقيق مكاسب سريعة.

وفي هذا السياق، يوضح الدكتور شحاتة زيان، أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن القبائل العربية الموجودة على الحدود بين مصر وليبيا تعتبر العامل الرئيسي وراء انتشار ظاهرة التهريب، نظراً لامتلاكهم تصاريح تتيح لهم عبور الحدود الليبية، مشيراً إلى أن هذه القبائل تدخل وتخرج أمام قوات حرس الحدود بشكل طبيعي، حيث تقوم أسر كاملة بالمرور إلى داخل ليبيا، ويشرف على ذلك أبناء القبائل المختلفة. 

ويضيف زيان، ل "بلدنا اليوم"، بناءً على أبحاث علمية أجريت معهم، أن هذه القبائل تطالب بالسماح لها بنقل وتجارة البضائع والسلع عبر الحدود مقابل دفع رسوم جمركية، مؤكداً أن هؤلاء هم من يُعرفون بالمهربين الحقيقيين، أما الشباب المصريون الذين يشاركون في نقل السلع، فهم مجرد وسيلة تستخدم لنقل البضائع من ليبيا إلى مصر.

وكما أضاف الدكتور شحاتة زيان أن الحكومة المصرية قد ناقشت إمكانية إنشاء جمرك خاص للقبائل العربي

اقرأ ايضا

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق شهداء وجرحى إثر قصف جوي للاحتلال استهدف شرقي غزة ورفح
التالى التعادل السابع.. يوفنتوس يتعثر أمام ليل في دوري أبطال أوروبا