في كل مرة تُرتكب جرائم شنيعة بالمغرب تثار سجالات ساخنة بضرورة معاقبة الجناة بما يستحقون من عقوبات رادعة، أقصاها الإعدام، الذي لا يزال النقاش بشأنه يراوح مكانه منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ومنذ سنة 1993، تاريخ تنفيذ آخر حكم بعقوبة الإعدام في حق الحاج ثابت بتهم الابتزاز والعنف الجنسي وتصوير الضحايا والشطط في استعمال السلطة، لم تطبق محاكم المملكة “عقوبة الموت”، رغم أنها تنطق بها في عدد من الجرائم، لتظل معلقة دون تنفيذ.
وبلغ عدد المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام في المغرب 83 شخصا إلى غاية سنة 2023، تبعا لتقرير أصدره سابقا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من بينهم 81 شخصا صدرت في حقهم أحكام نهائية، إضافة إلى حكمين ابتدائيين صدرا سنة 2023 وينتظران القضاء الاستئنافي.
مطلب التنفيذ
يثير ارتكاب بعض الجرائم الوحشية والمروعة، مثل اغتصاب الأطفال وقتلهم، حفيظة نشطاء بالمغرب إلى حد مطالبتهم بتطبيق عقوبة الإعدام في حق هؤلاء المجرمين.
وتشكل جرائم القتل، التي يذهب ضحيتها الأطفال والقاصرون، الحلقة الرئيسية التي يتمسك بها دعاة تطبيق الإعدام للمطالبة بتفعيل تنفيذ هذه العقوبة بسبب بشاعة هذه الجرائم.
وكانت جمعيات حقوقية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي قد طالبوا بإعدام الأشخاص الذين تسببوا في مقتل شاب يدعى بدر بمدينة الدار البيضاء، صيف العام الماضي، دهسا بالسيارة بشكل متعمد.
كما صدحت حناجر حقوقيين بتنفيذ عقوبة الإعدام في قضية الطفل عدنان بوشوف بمدينة طنجة سنة 2020، الذي تعرض لهتك العرض من طرف المجرم قبل أن يجهز عليه ويقوم بدفنه في مكان خال، وقبل ذلك الجرائم الشهيرة التي ارتكبها قبل سنوات المجرم علي الحاضي الملقب بالسفاح بمدينة تارودانت، الذي اغتصب وقتل 11 طفلا.
بين التعليق والإلغاء
مقابل المطالبين بتنفيذ الإعدام في حالات الجرائم البشعة يوجد من يرون أن الأفضل هو ما يعتمده المغرب حاليا، أي تعليق العقوبة رغم النطق بها من قبل محاكم المملكة.
ويفضل هؤلاء تعليق المغرب عقوبة الإعدام على أن يتم تطبيقها، وهو التعليق الذي يأتي كحل وسط بين التنفيذ والإلغاء، حيث إن المغرب ما فتئ يعلن احترام التزاماته الدولية ومصادقته على عدد من اتفاقيات حقوق الإنسان، رغم أنه لم يوقع بعد على قرار إلغاء عقوبة الإعدام أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان.
ويظهر توجه ثالث يدعم الإلغاء الفوري والنهائي لعقوبة الإعدام، يمثله حقوقيون وسياسيون وبرلمانيون ومؤسسات رسمية، أبرزها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي صرحت رئيسته أمينة بوعياش، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، بأن تعليق هذه العقوبة مع إبقائها قائمة في القوانين أشد قساوة من تنفيذها، اعتبارا للوقع النفسي والاجتماعي للتعذيب الذي يترتب عن هذا التعليق.
وشددت بوعياش على ضرورة “إخراج المحكوم عليهم بهذه العقوبة وأسرهم من الحالة الانتظارية القاسية التي تضاهي، بل تتجاوز في تداعياتها النفسية وتبعاتها الاجتماعية تنفيذ عقوبة الإعدام”، مشيرة إلى أن “هذه العقوبة لا تحمي أحدا، ولا يشكل تنفيذها ضمانة لتحقيق الطمأنينة لأهل الضحايا ولا أمن المجتمع”.
مسوغات المطالبين بالإلغاء
في هذا السياق يرى رشيد وهابي، الفاعل الحقوقي والمحامي بهيئة مدينة الجديدة، أن “المنافحين عن مطلب إلغاء عقوبة الإعدام ينطلقون من ضرورة انسجام قوانين المملكة مع تعهداتها الدولية، فضلا عن كون أغلب دول العالم ألغت هذه العقوبة”.
وأضاف وهابي أن “المنادين بإلغاء الإعدام يرون أنه عقوبة تنتهك حق الإنسان في الحياة، وأنه حتى لو نتجت عن الجريمة المرتكبة وفاة، فهذا لا يتعين أن يكون سببا للحكم بإنهاء حياة إنسان، وتكون الدولة سببا في إنهائها”.
وأبرز أن “من أهم الأسباب التي تلهم المدافعين عن إلغاء هذه العقوبة احتمال وجود أخطاء قضائية، فهم يقولون إن التجربة القضائية أثبتت في حالات خلدها التاريخ أن أشخاصا حُكم عليهم بالإعدام، وبعد تنفيذ الحكم عليهم ثبت أنهم أبرياء، وأنهم لو عوقبوا بالسجن فقط لكانوا الآن خارج السجن وتم إصلاح الخطأ القضائي ولو نسبيا”.
وأشار إلى أن “المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام في المغرب يرون أن عقاب المجرم وفق القوانين المعمول بها يكون الهدف منه تأهيله من أجل خدمة المجتمع من أي مكان هو فيه، وليس الهدف من عقابه إنهاء حياته”.
ولفت وهابي إلى أن “المُشرع المغربي عمل، في إطار التوفيق بين رافضي إلغاء هذه العقوبة والداعين إليها، على إلغائها في العشرات من النصوص التي سيتم تعديلها في القانون الجنائي المقبل، وأبقى عليها في نصوص محدودة جدا”.
سياقات ودوافع التعليق بدل الإلغاء
من جهته قال عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن عدة دراسات وبحوث ميدانية انتهت إلى أن الاتجاه العام لدى المجتمع المغربي يؤيد الإبقاء على عقوبة الإعدام وتنفيذها في حالات محددة مثل جرائم الإرهاب والقتل أو الجرائم ضد الأصول أو بالتسلسل.
وعزا الخضري موقف المغرب من عقوبة الإعدام من خلال تعليقها بدل إلغائها كليًا، كما تطالب بذلك العديد من المنظمات الحقوقية، إلى مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، يمكن اختزالها في أربعة عوامل رئيسية.
العامل الأول، وفق الخضري، حاجة المغرب إلى التوازن بين الضغوط الداخلية والخارجية، مشيرا إلى أن “المغرب يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه إزاء ضغوط الرأي العام المحلي مقابل الضغوط الصادرة عن المنظمات الحقوقية والدولية، التي تدعو إلى إلغاء العقوبة، فاختار تعليق العقوبة باعتبار ذلك حلا وسطا”.
العامل الثاني، يضيف الحقوقي عينه، يتمثل في الجانب الديني والثقافي، مبرزا أنه في مجتمع مغربي تقليدي ومحافظ تستمر مطالب حثيثة للإبقاء على عقوبة الإعدام في جرائم معينة.
وبخصوص العامل الثالث، أوضح المتحدث ذاته أنه يتجسد في اعتبارات أمنية وسياسية، على اعتبار أن الإبقاء على هذه العقوبة تعتبره الدولة وسيلة ردع لجرائم بشعة أو لجرائم الإرهاب من أجل حفظ الأمن القومي للمغاربة.
أما العامل الرابع، يتابع الخضري، فهو التدرج في الإصلاح، مشيرا إلى أنه يستشف من سياسة المغرب الجنائية أنه يحبذ النهج التدرجي في معالجة القضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان، وأبرز أن تعليق العقوبة دون تنفيذها فعليًا يُعتبر خطوة أولى نحو إلغائها على المدى الطويل.
ولفت الحقوقي نفسه إلى أن المركز المغربي لحقوق الإنسان كان قد تقدم باقتراح تعويض عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد مع الأشغال، دون حق العفو كبديل موضوعي ومقبول حتى يكون المغرب في تناغم مع التزاماته الدولية والحقوقية.