أنهت قطر الجدل حول إمكان إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي عبر سوريا وتركيا إلى أوروبا، وذلك في تصريحات رسمية صدرت خلال الساعات القليلة الماضية.
فقد أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية ماجد بن محمد الأنصاري، وفقًا لتصريحات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، أن التقارير المتداولة حول المشروع لا تعدو كونها شائعات إعلامية.
وأوضح أن قطر تركّز حاليًا على دعم الاستقرار في سوريا وتلبية احتياجات الشعب السوري من خلال المساعدات الإنسانية والتقنية، مشيرًا إلى أن هذا يشمل الدعم التقني لإعادة تأهيل مرافق حيوية، مثل مطار دمشق الدولي.
وشدد على أن أيّ حديث عن خطط اقتصادية أو مشروعات تتعلق بإمدادات الغاز في هذا الإطار غير مطروحة على الطاولة بين الجانبين حاليًا.
وأضاف المتحدث باسم الخارجية القطرية أن مشروعات الدوحة تركّز على توسيع البنية التحتية للطاقة، بما في ذلك إنتاج الغاز المسال الذي يُصدَّر عبر ناقلات بحرية.
خط أنابيب الغاز عبر سوريا
ظهرت فكرة مشروع خط أنابيب الغاز عبر سوريا للمرة الأولى عام 2009، وتضمنت إنشاء خط يمتدّ من حقل الشمال القطري، عبر السعودية والأردن، وصولًا إلى سوريا وتركيا، ومنها إلى أوروبا.
وواجه المشروع عقبات كبيرة بسبب رفض النظام السوري آنذاك للمشروع، وتفاقم الوضع الأمني لاحقًا نتيجة الحرب في سوريا خلال السنوات الـ13 الماضية.
وتجدر الإشارة إلى أن أن قطر تحتلّ المرتبة الثالثة عالميًا في احتياطيات الغاز الطبيعي، وتعدّ ثالث أكبر المصدرين للغاز المسال، وهو ما يجعلها لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة الدولية.
خلفية المشروع
قدّم مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، رؤية مفصلة حول خلفية مشروع خط أنابيب الغاز عبر سوريا، مشيرًا إلى أن المخطط الأصلي يعود إلى عام 2008، إذ كان من المزمع بناء أنبوب واحد لنقل الغاز من حقل الشمال عبر سوريا إلى تركيا وأوروبا.
وأوضح، خلال حلقة من برنامج "أنسيّات الطاقة" بعنوان: "مستقبل إنتاج النفط والغاز في سوريا"، أن الخط كان من المفترض أن ينقل الغاز الإيراني بتمويل قطري، وصولًا إلى مدينة حمص السورية، إذ يلتقي بخط الغاز العربي الممتد من مصر.
وأشار الحجي إلى أن هذا المشروع تعرَّض لعراقيل سياسية وجيوسياسية، أبرزها رفض نظام بشار الأسد للمخطط في ذلك الوقت، بحجّة تضارب المصالح مع حلفاء سوريا، وتحديدًا روسيا.
وأضاف أن روسيا كانت صاحبة المصلحة الكبرى في منع هذا الخط، إذ كانت تسعى للحفاظ على هيمنتها على سوق الغاز الأوروبية.
ووفقًا للحجي، فإن فكرة أنابيب الغاز عبر سوريا كانت جزءًا من مخطط أوسع لإنشاء شبكة أنابيب إقليمية، إلّا أن تلك الخطط باتت من الماضي مع التطورات التقنية في مجال الغاز الطبيعي المسال، الذي يمكن شحنه بسهولة أكبر عبر السفن، وهو ما جعل خطوط الأنابيب أقل أهمية.
السيناريوهات المستقبلية
بدوره، سلّط الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية الدكتور أومود شوكري، الضوء على السيناريوهات المستقبلية المتعلقة بمشروع خط أنابيب الغاز القطري عبر سوريا.
وأشار إلى أن المشروع، الذي تبلغ تكلفته التقديرية 10 مليارات دولار وطوله 1500 كيلومتر، يظل احتمالًا بعيدًا في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها سوريا حاليًا.
وأوضح شوكري أن قطر تركّز حاليًا على توسيع قدراتها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، مشيرًا إلى خطط الدوحة لزيادة إنتاجها من الغاز من 77 مليون طن سنويًا إلى 142 مليون طن بحلول عام 2030. وفي هذا السياق، قد يصبح الغاز المسال الخيار الأكثر كفاءة لتلبية الطلب الأوروبي المتزايد على الطاقة.
الأبعاد الجيوسياسية لمشروع خط أنابيب الغاز
من الناحية الجيوسياسية، يرى شوكري أن نجاح مشروع خط أنابيب الغاز عبر سوريا -إن تحقَّق- فقد يغيّر موازين القوى في المنطقة.
فبالنسبة لأوروبا، يمثّل خط الأنابيب فرصة لتنويع مصادر الغاز وتعزيز أمن الطاقة الأوروبي، أمّا بالنسبة لتركيا، فإن المشروع يعزز مكانتها بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة، ما يتيح لها نفوذًا كبيرًا في قضايا الاستقرار الإقليمي وتدفّقات الطاقة.
ووفقًا لتصريحات وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، يمكن للمشروع أن يمضي قدمًا إذا تحققت شروط الاستقرار في سوريا ووجود نظام نقل آمن، وفي حالة نجاحه، يمكن أن يُحدث تحولًا كبيرًا في توازنات الطاقة بالمنطقة، مما يعزز من مكانة تركيا الاقتصادية والجيوسياسية.
ورغم ذلك، يشدد شوكري على أن التحديات الجيوسياسية، بما في ذلك المنافسة بين القوى الإقليمية وتضارب المصالح الدولية، ما تزال تشكّل عقبة رئيسة أمام تنفيذ المشروع.
وفي ظل استمرار الاضطرابات في سوريا، فإن تحقيق الاستقرار وتأسيس البنية التحتية اللازمة يظلّان شرطين أساسين لأيّ تقدُّم ملموس في هذا الشأن.
الخلاصة
في الوقت الذي تواصل قطر التزامها بدعم استقرار سوريا واحتياجات شعبها، ويبقى مشروع خط الأنابيب بين قطر وتركيا عبر سوريا مجرد احتمال نظري.
وتركّز الدوحة على تعزيز موقعها بصفتها مصدرًا رئيسًا للغاز المسال، ويظل السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت التحولات الجيوسياسية والاقتصادية في المستقبل ستعيد المشروع إلى الواجهة، إلّا أنه في الوقت الحالي لا يبدو مشروع خط أنابيب الغاز عبر سوريا وتركيا خيارًا قريب التنفيذ
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..
- الغاز في سوريا.. أنس الحجي يكشف مصير 4 خطوط أنابيب من منصة الطاقة المتخصصة.
- مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا يربط 4 دول عربية.. هل يتحقق؟ (مقال) من منصة الطاقة المتخصصة.