اختلف الرئيسان الحالي والجديد لأميركا في أمور عدة، لكنهما اجتمعا على ضرورة تضييق الخناق على صادرات النفط الروسي وتحجيمها؛ لتقليص العائدات التي تُعد أحد أبرز أسلحة الكرملين لتغذية استمرار الحرب الأوكرانية.
وفي توقيت يستعد فيه الرئيس جو بايدن لمغادرة البيت الأبيض، مع تنصيب دونالد ترمب خلفًا له في 20 يناير/كانون الثاني 2025، يُشهر كل منهما سيفه ضد البراميل الروسية، بدعوى الحفاظ على استقرار السوق مع ضمان ملاحقة خزائن موسكو.
ووفق تحديثات قطاع النفط العالمي لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يُخرِج كل من بايدن وترمب ما في جعبتهما ضد صادرات النفط من موسكو بعدد من الإجراءات، خلال الشهر الجاري.
ويعتزم بايدن توديع منصبه بالضغط نحو اتجاه فرض عقوبات جديدة على خامات موسكو التي تتجاوز السقف السعري -المتفق عليه منذ ما يزيد على عامين (بنحو 60 دولارًا للبرميل)-، وتركز العقوبات المرتقبة على عائدات الصادرات تحديدًا.
ومقابل ذلك، يستهل "ترمب" فترته الرئاسية الجديدة بخطة غير مباشرة، تهدف إلى مزاحمة النفط الروسي في السوق العالمية.
وما بين هذا وذاك، يظل قطاع الطاقة في موسكو يختبر قدرته على الصمود، وسط استمرار العقوبات وتعزيزها بمزيد من الإجراءات.
عقوبات جو بايدن ضد صادرات النفط الروسي
تستهدف عقوبات جو بايدن ضد صادرات النفط الروسي فتح مجال جديد لتقييد العائدات، بإجراءات ضد الناقلات المحملة بالخام.
وقد تطول حزمة العقوبات الجديدة مرافق لدى قطاع الطاقة في موسكو، مثل شركتي نفط، وما يزيد على 100 ناقلة، وتجار نفط، وشركات تأمين.
وستشمل العقوبات الناقلات المحمّلة ببراميل تفوق 60 دولارًا، وفق ما نقلته رويترز عن مصدر لم تذكر اسمه.
وكانت موسكو قد لجأت إلى ما يُطلق عليه "أسطول الظل" المكون من ناقلات متهالكة وقديمة؛ بهدف التحايل على العقوبات والسقف السعري والتهرب من سجلات الشحن والتأمين، وخضعت العشرات من هذه الناقلات بالفعل للعقوبات منذ فبراير/شباط 2022.
ومن جانب آخر، تحاصر إدارة "بايدن" صادرات النفط الروسي إلى آسيا، بعدما سجلت قفزة منذ بدء سريان العقوبات، وأخطرت الإدارة الأميركية وزارة الخارجية لدى الحكومة الهندية بالعقوبات المرتقبة.
ويحمل هذا الإبلاغ تهديدًا غير مباشر لمشتري نيودلهي، خاصة أن مسؤولًا أميركيًا أكد إمكان شراء الهند من موردين آخرين بالسوق خاصة في ظل انخفاض الأسعار وتنوع الإمدادات.
وسبق أن لوّحت وزيرة الخزانة الأميركية "جانيت يلين" بتوسعة نطاق العقوبات على الناقلات، والبنوك الصينية المتعاملة معها، لخفض عائدات موسكو.
وقد تذهب العقوبات المرتقبة للإدارة الأميركية الحالية إلى ما هو أبعد من ذلك، بامتدادها إلى أشخاص أسهموا في بيع النفط الروسي بأسعار تتجاوز السقف المحدد سلفًا.
خطة دونالد ترمب لزيادة إنتاج النفط الأميركي
لا تحمل خطة الرئيس الجديد دونالد ترمب لزيادة إنتاج النفط الأميركي بُعدًا محليًا فقط، وإنما هناك اتجاه أبعد من تحقيق فائض يعزّز وتيرة الصادرات.
وتُعدّ مزاحمة النفط الروسي في السوق الدولية بالمزيد والمزيد من البراميل الأميركية هدفًا غير مباشر لخطة زيادة الإنتاج الأميركي، ما يصب في النهاية باتجاه فرض المزيد من الأعباء على خزائن الكرملين وتمويل الحرب الأوكرانية.
ويمكن لترمب مستقبلًا تنفيذ خطته عبر مسارين:
- الأول: إخراج البراميل الروسية خارج حسابات السوق مع "غزو" البراميل الأميركية بكثافة.
- الآخر: تأمين مستوى ملائم للأسعار، دون ارتفاع مثير للجدل إثر الحظر والعقوبات ومخاوف نقص الإمدادات.
وتحديدًا، يطمح "ترمب" إلى زيادة إنتاج النفط الأميركي بمعدل 3 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2028.
ويساعده على ذلك ضمان سعر يعادل 64 دولارًا/برميل، حتى يتجه منتجو النفط الصخري لحفر المزيد من الآبار وزيادة الإنتاج.
ويحتاج ترمب إلى تطبيق إجراءات إضافية تدعم هدفه بزيادة الإنتاج المحلي، من بين ذلك: ضمان عدم هبوط الأسعار إلى مستوى 50 دولارًا/برميل حتى لا يضطر المنتجون إلى إغلاق الآبار، وتخصيص أراضٍ فيدرالية جديدة لحفر آبار منتجة، ومنح المنتجين حسومات وإعفاءات وامتيازات.
ويرصد الرسم التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- أكبر مستوردي النفط الروسي:
تأثير الإجراءات الأميركية في النفط الروسي
بالنظر إلى مدى تأثير الإجراءات الأميركية في النفط الروسي نجد أنه ما زال "محدودًا"، خاصة أن الإنتاج الزائد المرتقب بحلول 2028 لن يحاصر عائدات موسكو "الآن" ويحقق حلم ترمب بوقف الحرب الأوكرانية فور توليه منصبه.
وحتى العقوبات الجديدة التي تعتزم إدارة "بايدن" فرضها على الناقلات المحملة بصادرات النفط الروسي قد لا تجدي نفعًا، في ظل التهرب والتحايل بطرق عدة.
ومن جانب آخر، يتعيّن إلقاء نظرة على واقع قطاع الطاقة لدى موسكو في ظل مواجهته تحديًا كبيرًا، إثر توقف غالبية المشروعات منذ سريان العقوبات، في حين تكافح روسيا للحفاظ على مستويات الإنتاج وتراجع الاحتياطيات.
وكان معدل الاحتياطي النفطي الروسي قد استقر عند مليون برميل يوميًا، في ظل التزامها بتعهدات أوبك+.
ويبدو أن العقوبات ووقف المشروعات لم يثنيا روسيا عن مواصلة تعزيز مواردها، وزيادة الصادرات.
واستبعد الباحث في معهد كارنيغي روسيا وأوراسيا سيرغي فاكولينكو، نجاح الضغوط الأميركية في خفض إنتاج النفط الروسي، رغم تأثر عائدات الصادرات بتراجع أسعار الخام، حسب معلومات أوردها في مقال له بصحيفة فايننشال تايمز.
حصار صادرات النفط
يُقيّم جدوى إجراءات حصار صادرات النفط الروسي في قدرتها على تقليص العائدات.
وضرب سيرغي فاكولينكو مثالًا على ذلك بافتراض نجاح زيادة الإنتاج الأميركي في خفض أسعار الخام بقيمة 10 دولارات للبرميل، فإن هذا سينعكس على روسيا بخسائر تصل إلى 25 مليار دولار سنويًا (أقل من عائدات 7% من صادرات النفط الروسي).
وقال إن الملايين الـ3 من البرميل التي يستهدف ترمب زيادتها بعد 4 سنوات، لن تكون قادرة على إزاحة صادرات النفط الروسي الحالية المقدرة بـ7 ملايين برميل.
وتُشير هذه المعطيات -بحسب فاكولينكو- إلى صعوبة حظر صادرات النفط الروسي بصورة نهائية من السوق العالمية، إذ لن ينجح سلاح ترمب بزيادة الإنتاج المحلي في تكرار إستراتيجيته ضد إيران عام 2018 مع روسيا.
وأوضح أن دور إمدادات روسيا في سوق النفط العالمية "كبير"، ولا توجد إجراءات متاحة يمكنها تغيير ذلك.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- اتجاه إدارة بايدن لفرض عقوبات جديدة على ناقلات النفط الروسي، من رويترز.
- خطة ترمب للضغط على تدفقات النفط الروسي للسوق عبر زيادة الإنتاج الأميركي، من مقال في فايننشال تايمز.