"إلى أين يتجه إنتاج النفط في سوريا؟" تساؤل يُطرح كثيرًا على الساحة وبين المهتمين بتطور قطاع الطاقة العربي والعالمي، نظرًا لموقع البلاد الإستراتيجي ومواردها الكبيرة.
وانتعشت آمال استعادة زخم الإنتاج قبل أحداث عام 2011 بعد سقوط نظام بشار الأسد، إذ تتجه الأنظار داخل البلاد وخارجها إلى الاحتياطيات التي لم تُستغلّ بعد.
ووفق تحديثات قطاع النفط العربي لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، سجّل إنتاج سوريا من النفط 20 ألف برميل يوميًا في أحدث التقديرات المعلنة قبل سقوط النظام.
ومقابل ذلك، تُشير احتياطيات البلاد النفطية إلى إمكان جذبها مستثمرين (سواء شركات أو حكومات) للاستفادة من موارد الحقول، وبحث كيفية دعمها الطلب المحلي، خاصة المشتقات المكررة وأنواع الوقود.
إنتاج النفط في سوريا خلال 25 عامًا
انضم إنتاج النفط في سوريا إلى ضحايا نظام بشار الأسد قبل سقوطه، وما زالت سيناريوهات تطويره خاضعة للاحتمالات والتطورات السياسية إلى حدّ كبير حتى الآن.
وتراجع الإنتاج إلى 20 ألف برميل يوميًا قبل سقوط نظام بشار الأسد مباشرة، رغم أنه سجل تعافيًا إلى 40 ألف برميل يوميًا العام الماضي.
وتأتي هذه الكبوة بعد ربع قرن من تسجيل إنتاج النفط السوري ما يزيد على 600 ألف برميل يوميًا، ما يعادل الدول متوسطة الإنتاج، مثل: أذربيجان ومصر، وفق بيانات موقع دكا هيرالد.
ويكشف الرسم التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- مراحل إنتاج النفط في سوريا:
وخاض إنتاج الخام رحلة هبوط عنيفة، من مستوى 400 ألف برميل -خلال المدة من عام 2008 حتى 2010- إلى 25 ألف برميل في 2015.
وللدلالة على حجم خسارة قطاع الطاقة السوري لبراميل النفط خلال السنوات من 2011 حتى الآن، عقد مدير وحدة أبحاث منصة الطاقة المتخصصة أحمد شوقي مقارنة بين إنتاج دمشق والأرجنتين (الدولة الأقرب من حيث الاحتياطيات النفطية).
وأوضح شوقي -في مقاله المنشور بمنصة الطاقة بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري- أن سوريا كانت تنتج 385 ألف برميل يوميًا في 2010، في حين أنتجت الأرجنتين 730 ألف برميل.
أمّا بحلول عام 2023، فقد بلغ إنتاج النفط السوري 40 ألف برميل يوميًا، مقابل إنتاج يفوق المليون برميل يوميًا في الأرجنتين.
سيناريوهات إنتاج النفط بعد الأزمة
حاليًا، وفي خضم حالة الغموض السياسية التي ما زالت تحيط بالنظام البديل لبشار الأسد، يظل مستقبل إدارة إنتاج النفط بعد الأزمة من الحقول السورية خاضعًا للاحتمالات.
- خيارات محلية:
يقول مدير وحدة أبحاث منصة الطاقة أحمد شوقي، إن إدارة إنتاج النفط السوري باتت محصورة بين قوّتين محليتين بدعم خارجي؛ المعارضة المدعومة من تركيا والأكراد بدعم أميركي، وفق مقاله.
وطُرِح خياران أمام النفط السوري لمحاولة الاستقرار بعد 14 عامًا من المعاناة؛ الأول يشير إلى سيطرة أميركية محتملة على الحقول حال استمرار الأكراد، ويذهب الثاني إلى تولّي السلطة الجديدة إدارة الحقول حال توصُّلها إلى اتفاق مع الأكراد وانسحاب القوات الأميركية من البلاد.
- علاقات إقليمية:
قد يتجه النظام السوري الجديد إلى بناء علاقات إقليمية قوية في قطاع الطاقة مع كل من: السعودية وقطر والإمارات، ما يقلّص النفوذ الإيراني في البلاد.
ورجّح خبراء هذا السيناريو، خاصة في أعقاب وقف إيران والعراق ضخ شحنات نفطية إلى دمشق بعد سقوط نظام بشار، وفي ظل ما يشبه المقاطعة الغربية لسوريا، تظهر فرص الدول العربية بقوة.
ويفتح ذلك تدريجيًا المجال أمام شركات النفط الوطنية الخليجية للاستثمار في الحقول السورية، ومدّ جسور التعاون في قطاع الطاقة بالبلاد، وفق تقرير منفصل لوكالة الأناضول.
ووصف منسق الدراسات في مركز أورسام التركي، جوخان إيرلي، تنفيذ هذا السيناريو بـ"تحرك إستراتيجي قد يقلب توازنات الطاقة في المنطقة".
- مقترح تركي:
كشف رئيس مركز أبحاث وإستراتيجيات سياسات الطاقة التركي، أوزهان أكينير، أن سوريا يمكنها استعادة ما يتراوح بين 150 و200 ألف برميل من الإنتاج بصورة أولية.
وفجَّر مفاجأة بتوقُّعه أن يصل إنتاج سوريا النفطي إلى مليون برميل يوميًا خلال 5 سنوات، وفق ما نقلته عنه وكالة الأناضول.
وأضاف أن ملامسة هذا المستوى من الإنتاج قد تدرّ على البلاد عوائد بقيمة تتراوح بين 21 و22 مليار دولار سنويًا، يذهب نصفها إلى الاستثمار.
وبعد تناول تقارير إعلامية عدّة ما يفيد بأن تركيا تضع أعينها على الأصول النفطية السورية، ربط "أكينير" قفزة مستوى الإنتاج والاستثمارات بإبعاد الأطراف التي تسيطر على 80% من حقول البلاد.
وشدد على ضرورة الالتزام بالتشريعات النفطية، وتعزيز السياسات والقوانين اللازمة للاستفادة من إمكانات البلاد في بناء اقتصادها.
وتمسَّك "أكينير" بسيناريو معالجة النفط السوري في المصافي التركية، والاستفادة من الخام بتحويله إلى مشتقات مكررة تسهم في تلبية طلب دمشق المحلي، وسدّ عجز البنزين والديزل.
ويرصد الرسم أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- ثبات احتياطيات النفط في سوريا خلال السنوات الأخيرة:
احتياطيات النفط السوري
تتباين تقديرات احتياطيات النفط السوري بين 2.5 مليار برميل حسب معيار وولد ميتر، و7 مليارات برميل، وفق تقدير تقارير إعلامية تركية، من بينها: الأناضول وتركيا توداي.
وخلال تولّيه رئاسة أميركا في المدة من 2017 حتى 2021، أبدى دونالد ترمب اهتمامه باحتياطيات النفط في سوريا وسبل تأمينها، ويتزامن سقوط نظام الأسد حاليًا مع عودة ترمب إلى كرسي الرئاسة مرة أخرى.
ولم تكن الاحتياطيات والإنتاج الخام المتضرر الوحيد بقطاع النفط في سوريا، إذ توقفت الصادرات في ظل نقص الموارد أيضًا.
وواجهت دمشق صعوبات في استيراد المنتجات النفطية المكررة، وهبطت طاقة المصفاتين المحليتين إلى نصف إنتاجها قبل حرب 2011، وفق موقع تركيا توداي.
وتتركز الحقول في المناطق الشرقية للبلاد، وهي منطقة تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أميركا (خاصة في محافظتي: دير الزور، والحسكة).
وتشكّل هذه الحقول 90% من إنتاج النفط في سوريا، مقابل سيطرة حكومية أقل على الحقول في وسط وجنوب البلاد.
وبمرور السنوات بعد 2011، تعرضت البنية التحتية النفطية (بما يشمل: الحقول، والمصافي، ومرافق النقل) للتدمير.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- أرقام في محطات إنتاج النفط السوري، من تقرير لوكالة الأناضول.
- رحلة إنتاج الخام في دمشق خلال 25 عامًا، من دكا هيرالد.
- سيناريو تركي لبلوغ إنتاج النفط السوري مليون برميل، من تركيا توادي.
- سيناريوهات الإنتاج بعد الأزمة، من مقال مدير وحدة أبحاث منصة الطاقة.
- سيناريو تفاهم إقليمي محتمل بقطاع الطاقة بمشاركة السعودية وقطر والإمارات، من تقرير لوكالة الأناضول.