في خطوة تعزز العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، وقع البلدان 22 اتفاقية شراكة بقيمة 10 مليارات يورو، تشمل مجالات متعددة ذات أهمية استراتيجية لكلا الطرفين.
تغطي هذه الاتفاقيات قطاعات حيوية، من بينها الطاقة المتجددة، النقل، البحث العلمي والصناعة. ومن أبرز المشاريع المشتركة، التعاون في مجال الاقتصاد الأخضر، الذي يشمل إنتاج الوقود الأخضر وتقليل الانبعاثات الكربونية، تماشيا مع التوجهات العالمية نحو التنمية المستدامة.
بهذه الاتفاقيات الجديدة، تؤكد فرنسا دورها كحليف استراتيجي للمغرب، فيما يسعى المغرب إلى تعزيز موقعه كمحور اقتصادي مهم في منطقة المتوسط وشمال إفريقيا.
وفي هذا الإطار، قال يوسف كراوي الفيلالي، خبير اقتصادي رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير: “اليوم، تم تعزيز الشراكة الاقتصادية بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، ويعود ذلك أساسا إلى الثقة السياسية المتبادلة التي نشأت بين البلدين. هذه الثقة تجسدت في اعتراف فرنسا الضمني بمقترح الحكم الذاتي، وتأكيدها على سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. ومن ثم، كانت الثقة السياسية نقطة الانطلاق التي أسست لتعزيز العلاقات الاقتصادية”.
وأضاف كراوي ضمن تصريح لهسبريس: “تشهد المرحلة الحالية توقيع شراكات متنوعة بين الجانبين بحضور جلالة الملك محمد السادس ورئيس الجمهورية الفرنسية، ومن أبرز هذه الشراكات المشروع الضخم في منطقة الناظور، الذي يأتي في إطار التعاون بين ميناء طنجة المتوسط ومجموعة فرنسية كبيرة، بالشراكة مع شركة مرسى ماروك. يهدف هذا المشروع إلى تعزيز البنية التحتية البحرية واللوجستية، بالإضافة إلى إنتاج الوقود الأخضر وتقليل الانبعاثات الكربونية، بما يتماشى مع الثورة الدولية في الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، والمساهمة في المحافظة على البيئة”.
وحسب المتحدث ذاته، “تمتد هذه الشراكة إلى مجال البحث العلمي، حيث سيتم إنشاء مركز أبحاث مشترك بين المغرب وفرنسا، ما يعكس إرادة البلدين في التعاون العلمي والتكنولوجي”.
وأكد الفيلالي أن “متانة العلاقات الاقتصادية بين الرباط وباريس اليوم هي ثمرة سنوات طويلة من المشاورات والمفاوضات السياسية والدبلوماسية. هذه التجربة التاريخية جعلت من فرنسا حليفا اقتصاديا واستراتيجيا للمغرب، وهو ما سيسهم في مواجهة التحديات المشتركة على المستويات الإقليمية والمتوسطية، وفي منطقة الشرق الأوسط”.
من جانبه، قال محمد جدري، خبير اقتصادي: “يبدو أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية مرت بمرحلة أزمة استمرت لأكثر من ثلاث سنوات. وعلى الرغم من أن التجارة والاقتصاد بين البلدين لم يتأثرا بشكل كبير خلال هذه الفترة، إلا أن فرنسا فقدت مكانتها الأولى في السوق المغربية”.
وذكر جدري، ضمن تصريح لهسبريس، بأنه في السنوات الأخيرة “أصبحت إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب، سواء على مستوى الاستيراد أو التصدير. فعلى سبيل المثال، حجم المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا تجاوز 21 مليار يورو، بينما لم تتجاوز المبادلات بين المغرب وفرنسا 14,1 مليار يورو”.
وأكد الخبير الاقتصادي أن “فرنسا الآن استعادت موقعها في الاقتصاد المغربي، نظرا للعلاقة التاريخية بين البلدين، حيث تتمتع أكثر من 40 شركة فرنسية كبرى بحضور بارز في المغرب، إلى جانب وجود ما يفوق 1300 مقاولة فرنسية”.
وأبرز أن “العلاقات الثنائية تشمل أيضا مجالات السياحة، التحويلات المالية من الجالية المغربية المقيمة بفرنسا، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي بلغت قيمتها أكثر من 8 مليارات يورو سنويا”.
وتوقع جدري أن “تفتح هذه العلاقات صفحة جديدة خلال العقود الثلاثة القادمة، وذلك بعد توقيع 22 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة تتجاوز 10 مليارات يورو. تغطي هذه الاتفاقيات مجالات حيوية تهم كلا البلدين، ومن أبرزها الطاقة المتجددة. في هذا السياق، حصلت شركة توتال إنرجي على حق استغلال عقار في المغرب لتنفيذ مشاريع استثمارية ضخمة في هذا القطاع، بما في ذلك مشروع الطاقة الريحية في تازة”.
أما في مجال النقل السككي، فيرى جدري أن “فرنسا استعادت دورها بعد أن كانت غائبة عن مناقصات مهمة، مثل خط القطار الذي سيربط بين مراكش وأكادير. وقد وقعت شركة ألستوم اتفاقية لتزويد المغرب بقطارات جديدة، مما يعزز حضورها في هذا القطاع. بالإضافة إلى ذلك، ستسهم فرنسا في دعم المجمع الشريف للفوسفاط في تنفيذ خطته الطموحة لتحقيق الاستدامة البيئية وتقليل الانبعاثات الكربونية في إنتاج الأسمدة”.
وفي مجال صناعة الطيران، يُتوقع أن “يسهم المغرب في تعزيز القيمة المضافة المحلية من خلال مصنع جديد للمحركات تابع لشركة سافران، الذي سيعمل على تزويد شركات عالمية مثل إيرباص وبوينغ”، بحسب المتحدث عينه، مشيرا إلى أن جل الاتفاقيات تتماشى مع أهداف النموذج التنموي الجديد 2035 للمغرب وخطة فرنسا 2030.