بوتيرة تصاعدية في السنوات الأخيرة، سارت الاعتمادات أو الأغلفة المالية المخصصة لمشاريع “الاستثمار العمومي” ضمن مشاريع قوانين المالية؛ وهو ما لم تخطئه عيون الفاعلين الاقتصاديين والمهتمين بشؤون المال والأعمال.
المذكرة المرافقة لمشروع قانون المالية لسنة 2025 لم تخلُ “نظرة عامة حول التوزيع الجهوي للاستثمار العمومي، حسب أبرز مجالات تدخل السياسات العمومية”، من خلال “عرض أهم المشاريع التي تهم القطاعات الرئيسية لتدخّل الدولة، خاصة القطاعات الاجتماعية وقطاعات البنية التحتية وكذا القطاعات المنتجة”.
باستقراء أرقام المذكرة، فإن “الغلاف المالي المخصص للاستثمار العمومي” سيصل 340 مليار درهم، أي بارتفاع قدره %1,5 (أو 5 ملايير درهم) مقارنة مع سنة 2024.
وتتوزع ميزانية الاستثمار العمومي، حسب المعطيات الرسمية، بين ميزانية الدولة (الميزانية العامة والحسابات الخصوصية للخزينة ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة) بمبلغ 120,5 مليارات درهم، والمؤسسات والمقاولات العمومية بمبلغ 138 مليار درهم، و”صندوق محمد السادس للاستثمار” بمبلغ 45 مليار درهم، والجماعات الترابية بغلاف مالي يبلغ 21.5 مليارات درهم، و”الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية” بغلاف مالي قدره 15 مليار درهم.
كما أكدت الحكومة أنها ستواصل “بذل المزيد من الجهود على مستوى الاستثمار العمومي، كما كان الحال بالنسبة للفترة الممتدة بين سنتي 2021 و2024″.
“ارتفاع نسبي”
تعليقا على الموضوع وقراءة في أبعاده، أوضح محمد عادل إيشو، أستاذ الاقتصاد بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بخنيفرة (جامعة السلطان مولاي سليمان– بني ملال)، أن “تجديد البنية التحتية بالمغرب يتطلب خطوات استثمارية كبيرة نحو تحقيق المغرب النافع للجميع”، لافتا إلى أن ‘الاستعداد لاستضافة الفعاليات العالمية لكأس العالم 2030 يبرز الحاجة الماسة للمغرب إلى تعزيز بنياته التحتية بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية والعلمية الحديثة. لهذا الغرض، خصصت الميزانية المغربية لعام 2025 زيادة في الاعتمادات المالية للاستثمار العمومي بقيمة 5 مليارات درهم، لتصل إلى مجموع 340 مليار درهم؛ ما يمثل ارتفاعا نسبيا بـ1,5%”.
وأكد إيشو، في إفادات تحليلية لهسبريس، “توزُّع هذه الزيادة عبر قطاعات حيوية تشمل البنية التحتية، القطاعات الاجتماعية والإنتاجية؛ فيما تُركز الحكومة بشكل خاص على تعزيز البنية التحتية لدعم التطورات اللازمة لاستضافة الفعاليات الدولية ولتعزيز التحول الرقمي والتكنولوجي في البلاد”.
الزيادة في الاستثمارات العمومية، وفق المحلل الاقتصادي، “لها دور حيوي في تنشيط المقاولات المغربية، لا سيما الصغيرة والمتوسطة، بوصفها المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي. هذه الاستثمارات تعزز قدراتها الإنتاجية وتفتح أمامها آفاقا جديدة للمشاركة في مشاريع كبرى؛ مما يسهم في زيادة مداخيل الدولة على المدى المتوسط ويخلق فرص عمل مهمة، مساهمة بذلك في تقليل معدلات البطالة التي تجاوزت عتبة 13%”.
البنيات التحتية
“من المتوقع أن تشمل الاستثمارات تحسيناتٍ في النقل والمواصلات، وتوسعة الطرق، وتحديث الموانئ والمطارات، وتطوير المرافق العامة لتواكب أحدث المعايير العالمية”، عدّد أستاذ الاقتصاد لافتا إلى أن “هذه الخطوات لا تعزز فقط القدرة التنافسية للمغرب على المستوى الدولي؛ بل تسهم أيضا في تحقيق نمو اقتصادي مستدام ينعكس إيجابيا على المجتمع”.
وبالإضافة إلى تعزيز البنية التحتية، فـ”الزيادة في الاستثمار العمومي ذاتُ دور حيويّ في تقوية الدبلوماسية المغربية وزيادة جاذبيتها عالميا، مما يسهم في دفع طموحات المملكة للانضمام إلى نادي الدول الناشئة. يُعزز هذا النهج صورة المغرب دوليا من خلال تقوية قدراته التنظيمية واللوجستية لاستضافة الفعاليات الدولية الكبرى”، حسب قراءة إيشو.
بالمقابل استدرك بالقول: “مع ذلك، تواجه المملكة تحديات جسيمة تتعلق بالاستدامة المالية العمومية، حيث تشير التقديرات الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط (HCP) إلى أن الدين العام الكلي للمغرب، الخارجي والداخلي، قد يبلغ 85.2% من الناتج المحلي الإجمالي (1300 مليار درهم) في 2024 مقابل 85.6% في 2023. ويُتوقع أن يستقر العجز المالي في 2024 إلى حوالي 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي”.
وأثار الانتباه إلى “معاناة الهياكل المحلية من هشاشة في تلبية الحاجيات الاستثمارية، فضلا عن تحدي الفاتورة الطاقية في ظل الاعتماد الكبير على الموارد غير المتجددة. هذه العوامل تستوجب تطبيق إجراءات حازمة لضمان الاستدامة المالية من خلال تحسين الإيرادات الحكومية، ترشيد النفقات، وتحسين كفاءة الاستثمار العام لضمان تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة”، خاتما بالتوصية: “من الضروري التركيز على ضمان الشفافية والفعالية في تنفيذ هذه المشاريع لضمان تحقيق الأهداف المنشودة وتعظيم العائد على الاستثمارات؛ وذلك من خلال إشراك الخبراء والمؤسسات ذات الصلة وتحسين آليات المتابعة والتقييم”.
“أقلُّ من التطلعات”
لم يذهب بعيدا بدر الزاهر الأزرق، باحث اقتصادي أستاذ قانون الأعمال بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، عن خط التحليل السابق، مبرزا أن “الزيادة المرصودة هذه السنة على مستوى مشروع قانون المالية للاستثمار العمومي هي أقل من التطلعات التي كانت تعقد آمالا على أن هذه الزيادة ستكون في حجم الأهداف المعلنة، خاصة على مستوى المشاريع المرتبطة بالماء والمشاريع المرتبطة بتهيئة البنية التحتية الرياضية، السياحية والفندقية وغيرها”.
وربط الأزرق، في تصريح لهسبريس، “الاستثمار بمستوى الرهانات المرتبطة بالتشغيل؛ لأن الكل يعلم أن البطالة بلغت مستويات جد مرتفعة هذه السنة، علما أن الصفقات العمومية والاستثمار العمومي محرّكان للشغل بالمغرب.. ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن معظم الأوراش المفتوحة اليوم تعود للسنة الماضية والتي قبلها”، مبرزا أن “البرمجة لثلاث سنوات دائما هي التي كانت تتحكم في مسألة تمويل النفقات المرتبطة بالاستثمار”.
“لا أعتقد أن نسبة الزيادة المرصودة للنفقات العمومية الاستثمارية قد تعكس حقيقة حجم الأوراش المفتوحة على المستوى الوطني”، تابع الباحث الاقتصادي ذاته لافتا إلى “الرهان الأكبر اليوم على مستوى الاستثمار العمومي خاصة في مسائل حيوية جدا للاقتصاد والفلاحة ومسألة الماء؛ وهذا ما يفسر أيضا محورية هذه النفقات في مشروع قانون المالية”.
وأضاف بالشرح: “على الرغم من أن الرفع لم يكن كبيرا في ميزانية الاستثمار فإن الأوراش مفتوحة منذ سنوات اليوم تبلغ أشطرها النهائية أو الأشطر الوسطى؛ فبالتالي هذا يفسر نسبيا هذه الزيادة المحدودة على مستوى الاستثمار العمومي في انتظار ما ستؤول إليه الأمور خلال السنة المقبلة عبر افتتاح أوراش جديدة تكون مرتبطة بالالتزامات المستقبلية للمملكة المغربية، خاصة على مستوى تأهيل البنية التحتية الطرقية والسكك والمطارات وغيرها؛ لأن هذه الأوراش تتطلب استثمارات كبرى”.
وبينما أبرز “ارتباط مسألة الميزانية المرصودة للاستثمار بقدرة الدولة على تعبئة مواردها المالية، خاصة الموارد الضريبية لأنها المزود الرئيسي للميزانية العامة بمداخيلها”، تساءل الأزرق عن احتمال التأثير المرتقب لمسألة ضبط نسبة عجز الميزانية عند حدود 3 في المائة؛ وهو من أكبر تحديات مشروع القانون في السنة المقبلة”.