يدخل المحامون على الصعيد الوطني مرحلة حاسمة من التصعيد ضد وزارة العدل بسبب مشاريع القوانين التي جاءت بها، وكذا غياب مقاربة تشاركية في تنزيلها، خصوصا مشروع المسطرة المدنية والجنائية.
وتبدأ هيئات المحامين بالمغرب، انطلاقا من فاتح نونبر المقبل، خطوة تصعيدية كبيرة، من شأنها وقف عمل المحاكم، والتأثير على صناديقها، دون أن يعرف تاريخ انتهاء هذه الأزمة بين أصحاب البذلة السوداء ووزارة العدل.
ويدفع أعضاء هيئات الدفاع باستهداف وزارة العدل التي يقودها زميلهم في المهنة عبد اللطيف وهبي المكانة الاعتبارية للمهنة، وعدم الاكتراث بالوضع المتأزم للمهنة، وفرض أفكار في إطار مقاربة أحادية الجانب.
*غياب الحوار وراء التصعيد
يرى يوسف عبد القاوي، كاتب مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء، أن “الحكومة ممثلة في وزارة العدل تصر على تنزيل مقتضيات الغاية منها تقسيم المهنة”.
وسجل عضو الهيئة ذاتها، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الحكومة تستهتر بالحوار الجاد الذي تدفع به الجمعية، إذ تم الضرب بعرض الحائط المذكرة التي تم عرضها على رئيس الحكومة”.
وأوضح المحامي عبد القاوي أنه “رغم الدعوة إلى اجتماع أولي تمت خلاله مناقشة ما اعترى مشروع قانون المسطرة المدنية من نواقص تم المرور إلى شكل ثان من التصعيد، من خلال التوقف عن الأداء لدى الصندوق وكذا بالجنايات، ورغم ذلك أصرت الحكومة على عدم الاستجابة لمطالب المهنيين”، مشيرا إلى أن “الجمعية لجأت أول الأمر إلى أسلوب الحوار الجاد، لكن تبين لها أن الحكومة تستهتر بالحوار وضربت بعرض الحائط المذكرة التي تم عرضها على رئيس الحكومة”.
وبخصوص مدى تأثير هذه الخطوة، سواء على المحامين أو المتقاضين، أوضح المتحدث نفسه أن هناك أقلية من المحامين تتحدث عن عدم اللجوء إلى المقاطعة، ” لكن القرار كان اضطراريا لأن السيل بلغ الزبى”.
وأورد المحامي ذاته في هذا الصدد: “بطبيعة الحال هذا سيضر المحامي والمواطن، لكن الحكومة للأسف هي التي دفعت المحامين إلى اتخاذ هذا الإجراء الذي تنتظر منه الجمعية تلبية ملفها المطلبي، وإشراكها في مناقشة كل النصوص المرتبطة بالعدالة”.
وتابع المتحدث نفسه بأن “كل هيئة ستقوم بتشكيل لجان للسهر على الملفات التي ينوب فيها المحامون، من خلال التواصل لتسهيل المساطر وتأخيرها حتى لا تضيع حقوق المواطنين”، مضيفا: “سيتم تأجيل مختلف الملفات في انتظار إجراء حوار من عدمه”.
وفي حال استمرار هذا التوتر فإن التصعيد سيتواصل من طرف المحامين، إذ يرتقب وفق متحدثنا تنظيم مسيرة احتجاجية؛ “وقد يصل الأمر إلى الاعتصام في حال عدم فتح الحوار”، بحسب تعبيره.
*مبررات التصعيد
يؤكد المحامي محمد شمسي أن “استفراد الوزارة بسن القوانين وغياب رغبة لديها في الحوار والتفاوض من أجل إنتاج نصوص قانونية تشاركية وراء هذا التصعيد”.
وأشار شمسي إلى “استفراد الوزارة بإنتاج مشاريع قوانين تتميز بالإقصاء، وقد تصل إلى درجة المنع الشامل من الولوج إلى العدالة”.
ويقدم المحامي ذاته أمثلة عن ذلك بحديثه عن “خرق حق التقاضي على مستوى جميع درجات المحاكم بمشروع قانون المسطرة المدنية، حيث تم تقييم الملفات حسب القيمة المالية وليس القيمة القانونية”، موردا أنه “في حالة كان هناك دين قدره 30 ألف درهم فمشروع القانون ينص على أن هذا النوع من القضايا التي لا تتجاوز هذا المبلغ يتم طيها في المرحلة الابتدائية، فلا يحق لخاسر الدعوى أن يلجأ للاستئناف أو محكمة النقض”.
ويرى المتحدث أن “هذا دليل واضح على أن هناك محاولة من الوزارة للتملص من عدد كبير من القضايا، حتى لا يظهر أن هناك إرهاق للمحاكم”؛ وما يزيد من غضب المحامين بحسبه ما تضمنه مشروع قانون المسطرة المدنية الذي جاء به وزير العدل، إذ “يسمح لغير المحامين بالانتصاب والدفاع عن الخصوم، بمعنى أنه سيصبح لدينا محام يمارس مهامه دون أن تكون له الكفاءة؛ وهذا يمس حق التقاضي ومن شأنه أن يخلق لنا ظواهر على مستوى المساطر، وسيرهق القضاء الذي يستوجب تطويره وتهييء محاكم ويد عاملة بكثرة توازي التطور الذي تريده الدولة”.
وعلى مستوى مشروع قانون المسطرة الجنائية يضيف شمسي أنه “تم تسجيل منح النيابة العامة هيمنة في مواجهة المتهم، إذ لها الحق وفق المشروع أن تطلب من قاضي التحقيق منع المحامي أو المتهم من الحصول على نسخة من الملف الذي يتابع بمقتضاه، وهذا مس بحق التقاضي وحقوق الدفاع الدستورية”.
وحول تداعيات هذه الخطوة سجل المتحدث أن “الأمر سيؤدي إلى وقف المحاكم، خصوصا في الملفات التي بها إجبارية المحامي، الأمر الذي سيضر بالمتابعين في حالة اعتقال، وسيؤخر الملفات التي تستلزم المسطرة الكتابية”.
واعتبر المحامي بهيئة الدار البيضاء أن “هذا القرار المتخذ مكلف ومؤلم بالنسبة للمحامي”، مشيرا إلى أن “اللجوء إليه لم يكن بسبب مطالب شخصية أو ملفات فئوية، بل للنضال من أجل تشريع جيد به إنصاف وعدالة للجميع”.