على غرار سابقيْه ضمن الولاية التشريعية الحالية، يبدو أن مشروع قانون المالية لسنة 2025، الذي شُرع في عرضه مؤخرا بالغرفة الثانية من البرلمان المغربي، لا يحظى برضا واسع من لدن الأحزاب المعارضة، التي ترى أنه “شارد” عن الاستجابة للرهانات التي يرفعها المغرب في الفترة الراهنة، خصوصا تجاوز الأزمة المائية، وتنزيل الورش الملكي للدولة الاجتماعية، إضافة إلى محاربة “تغول” الفساد.
وفي حين تتغنى الأغلبية الحكومية بارتكاز القانون على “الواقعية والمصداقية والطموح”، تدفع أطياف من المعارضة بأن الفرضيات التي بني عليها “تُعاكس التوقعات الواردة في معطيات وبيانات مختلف المؤسسات الدولية”، فضلا عن “إغفالها للعوامل المتغيرة وغير المستقرة التي تؤثر على الاقتصاد المغربي؛ من قبيل تغيرات المناخ، وتوترات الشرق الأوسط”، مؤكدة أن “توجه الحكومة نحو دعم استيراد الأبقار والماعز واللحوم المجمدة وزيت الزيتون…، يبقى، في نهاية المطاف، مقاربة ترقيعية لن ترمم القدرة الشرائية للمواطن المغربي”.
“أولويات غائبة”
رفض عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، “ادعاء الحكومة بأن المغرب في وضع صعب؛ بالنظر إلى انخفاض أسعار المواد الأولية على مستوى العالم، وارتفاع صادرات الفوسفاط والسيارات ومداخيل السياحة، وكذا تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج”.
وأضاف بووانو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الفرضيات التي بُني عليها قانون المالية لسنة 2025 غير واقعية، إن لم نقل مستحيلة التحقق؛ لأن الحكومة افترضت أن تبلغ نسبة النمو 4.6 في المائة، في حين تؤكد معطيات وبيانات المؤسسات الدولية والوطنية أنها لن تتخطى 4 في المائة، باستثناء بنك المغرب الذي يتوقع أن تصل إلى 4.4 في المائة”.
وأضاف رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية أن “ما لمسناه في هذا المشروع أنه يفتقر إلى خمس أولويات رئيسية؛ على رأسها أولوية معالجة أزمة المياه التي يعاني منها المغرب من خلال برامج تحلية المياه وتوفير الماء الشروب وغيرها، كما شدد الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش الأخير”، مُضيفا أن “التشغيل هو الأولوية الثانية الغائبة عن المشروع، على الرغم من أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش أكد بنفسه، خلال منتصف الولاية، أنها أولوية الأولويات”.
وأكد المتحدث عينه أن “القانون لم يتضمن أي جديد بخصوص المليون منصب شغل التي وعدت بها الحكومة في برنامجها، و500 ألف منصب شغل التي دعا إليها الملك محمد السادس”، لافتا إلى أن “البرامج التي جاءت بها الحكومة للنهوض بالتكوين المهني ولفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا لا يمكن إنكار أنها سابقة من نوعها؛ غير أنه لم يتم، إلى حد الآن، إصدار المراسيم التطبيقية الخاصة بدعم هذه المقاولات”.
وسجل بووانو أن “الأولوية الثالثة الغائبة عن هذا القانون تتمثل في محاربة الفساد، رغم ما كشفه التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها من تراجع للمغرب في مؤشرات الفساد وفقدانه لأكثر من 50 مليار درهم سنويا كنتيجة للفساد”، مبرزا أن “إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية بدوره غائب عن أولويات هذا القانون، الذي سار بدوره نحو منحها اعتمادات مالية إضافية”.
وتابع: “رغم أن الحكومة أعلنت منذ أكتوبر 2024 بأنها ستبدأ في إصلاح التقاعد، فإن هذا الإصلاح غائب كذلك عن أولويات قانون المالية الجديد، رغم أن صندوق التقاعد مقبل على الإفلاس بحلول سنة 2028”.
وأكد رئيس المجموعة النيابية “للبيجيدي” أن “تحديد الحكومة لنسبة التضخم في أفق 2 في المائة يتماشى مع سير هذا المؤشر على مستوى العالم نحو الانخفاض؛ إلا أن الإشكال أن هذا الانخفاض لا يتم لمس أثره على مستوى تأهيل القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة”، مُستدركا أنه “عوض أن تذهب الحكومة نحو معالجة أزمة غلاء بعض المواد الحيوية من جذرها، لجأت إلى الإعفاء الضريبي لاستيراد الأبقار والماعز واللحوم المجمدة…، رغم أن مقاربة دعم الاستيراد أثبتت فشلها، وفقه”.
“قانون غير اجتماعي”
قال إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي “المعارض” بمجلس النواب، إن “الإشكال الذي نلمسه في مشروع قانون المالية هو أنه لا يضع أية أولويات جديدة تستجيب للتحديات الرئيسية التي تواجه المجتمع المغربي، بل على العكس من ذلك نرى من خلال الإجراءات والتدابير التي جاء بها تجعله قانونا ليبراليا أكثر مما هو اجتماعي”، مُسجلا “غيابا لافتا للمبادرات التي من شأنها أن تحقق التوازنات الميكرو اقتصادية ضمن هذا المشروع”.
وأيد السنتيسي، في إفادات قدمها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الحكومة بنت هذا القانون على فرضيات ومؤشرات غير واقعية بالإطلاق، ووضعت أهدافا لا يمكن تحقيقها سواء تلك المتعلقة بالتضخم أو المديونية أو النمو”، مُضيفا أن “تحديد الحكومة لنسبة النمو في أفق 4.6 في المائة سنة 2025 بناء على إمكانية تسجيل موسم فلاحي جيد هذه السنة واستقرار أسعار الطاقة على المستوى العالمي غير سليم بتاتا؛} بالنظر إلى وجود عوامل عديدة وغير مستقرة لم تأخذها الحكومة بعين الاعتبار، وعلى رأسها التغيرات المناخية التي تعصف بالعالم وليست بلادنا بمنأى عنها، إضافة للتوترات الجيوسياسية التي ما زالت مستمرة في الشرق الأوسط على خلفية حرب غزة ولبنان”.
وانتقد رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب “لجوء الحكومة في قانون المالية الجديد إلى إقرار إعفاءات من رسوم استيراد الأغنام والماعز والأبقار للتغطية على الفشل الذريع للمخططات القطاعية؛ وعلى رأسها المغرب الأخضر في ضمان الأمن الغذائي للمغاربة، حيث باتت أسعار مختلف أنواع اللحوم الحمراء ملتهبة وتنهك القدرة الشرائية للمواطنين، شأنها في ذلك شأن أسعار بعض الخضروات والفواكه”.
وسجل السنتيسي، على صعيد آخر، أن “الميزانية الجديدة جاءت لتثقل مرة أخرى كاهل المغرب بالديون، إذ ستعتمد عليها في تمويل نفقاتها؛ وعلى الضرائب.. وللأسف، دون أن تقوم الحكومة بإدخال إصلاحات جذرية على مضامين مدونة الضرائب والجمارك”، مُسجلا بهذا الصدد أن “قانون المالية يكشف أن الحكومة غير قادرة، حتى الآن، على الاعتماد على التمويلات المبتكرة التي طالما تغنت بها.. وللأسف، دون أن تكشف حتى عن حجمها والعقود المبرمة المتعلقة بها”، وفقه.