سارعت تنظيمات جمعوية محلية بمناطق قروية بالمملكة، أياما معدودات قبل بداية الموسم الفلاحي الجديد، إلى الدعوة لإعادة إحياء نشاط الزراعة المعيشية والبورية الذي أخذ في التراجع خلال السنوات الأخيرة بفعل عوامل ذاتية وموضوعية، تتمثل أساسا في الجفاف والهجرة القروية.
ورفعت هذه التنظيمات من جديد شعار “كْرْزْ أَيْدَانْكْ” أي “احرث أرضك”، محاولة بلورته في إطار مبادرات واقعية تروم تشجيع الساكنة المحلية على إنهاء القطيعة مع النشاط الفلاحي وخدمة أرضها؛ وهي القطيعة التي تقوّتْ بفعل الجفاف وارتفاع منسوب الهجرة القروية كذلك خلال العقد الماضي.
وانخرطت بعض الجمعيات بإقليم تيزنيت في هذه الدينامية، إذ كشفت مؤخرا عن سعيها إلى مساعدة الفلاحين الصغار للرجوع إلى استغلال أراضيهم الفلاحية وخلق فرص مشاريع لفائدة النساء والشباب، مؤكدة أن هذه المبادرة التي ستنطلق في العاشر من أكتوبر الفلاحي تتضمن تحسيس المحليين وتعبئة آلات الحرث والبذور، مع توزيع هذه الأخيرة مجانا، على أن تعطى انطلاقة الحرث الجماعي بعد ذلك.
وبقدر التأكيد على أهمية هذه المبادرة ودلالتها العميقة لكونها تحاول ربط الساكنة المحلية بمجالها الجغرافي وإعادة إحياء نشاط الحرث التقليدي بقدر التأكيد على ضرورة دخول الدولة كطرف في مثل هذه المبادرات التي تستهدف الفلاحين الصغار، بما يدعم التنمية ويعزز آمال الاستقرار بالعالم القروي.
وقال عبد الرحيم العمري، فاعل جمعوي من مطلقي المبادرة، إن “أول مُحفّز بهذا الخصوص هي التساقطات المطرية التي شهدها ربوع المغرب خلال الأسابيع الأخيرة، والتي تمثل بشائر خير على موسم مهم في نهاية المطاف، مما يستوجب التعامل معه بشكل استباقي؛ ففلسفةُ المبادرة ترتبط بالسعي نحو تشجيع الساكنة المحلية القاطنة وحتى المهاجِرة إلى المدن على إعادة إحياء فعل الحرث موازاة مع بداية الموسم الفلاحي الجديد”.
وأكد العمري، في تصريح لهسبريس، أن “النشاط الزراعي المحلي عرف، خلال السنوات الأخيرة، مجموعة من المتغيرات؛ أولها ارتفاع منسوب الجفاف بفعل تراجع التساقطات المطرية بشكل كبير، بما جعلنا أمام عملية هجرة جماعية لهذا النشاط بمختلف المناطق القروية، جبلية كانت أم سهلية”.
وزاد المتحدث للجريدة: “هذه المعطيات دفعت الكثير من المحليين إلى اللجوء إلى التجارة التي يعتبرونها نشاطا مستداما ولا يتأثر أساسا بالجفاف”.
وفي السياق نفسه بيّن الفاعل الجمعوي عينه أن “هذه المبادرة تتوخى المحافظة على العقار الفلاحي بالمنطقة، وإعادة صيانته؛ وحتى التعرف عليه من قبل أصحابه وذوي الحقوق”، لافتا إلى أن “هذا الإشكال بات مثارا لدى الأجيال الأخيرة، بعدما صار الكثير منهم لا يعرفون بدقة حتى أملاكهم.. وهذه، إذن، فرصة من أجل تحصينها وخدمتها”.
وأشار العمري إلى أن “هذه المبادرة ستشتغل من خلال شقين؛ الأول يتعلق بالتحسيس بأهمية الانخراط في حرث الأرض، والثاني يتعلق بالعمل إلى جانب الفعاليات الاقتصادية بالمنطقة على توفير بعض من مستلزمات افتتاح الموسم الفلاحي”، موردا أن “الهدف الاستراتيجي يتعلق بإقناع الجانب الرسمي، ممثلا في وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بضرورة تضمين تبني هذا المخطط ودعم مختلف جهود إحياء الفلاحة القروية”.
من جهته، اعتبر عبد الواحد العسري، مختص في الشؤون القروية والثقافية، أن “الواقع تغير كثيرا، اليوم، مقارنة بالسنوات الماضية. لقد صرنا نتحدث عن هجرة مستفحِلة وتؤثر بشكل سلبي على استدامة النشاط الزراعي المحلي، وهي نتيجة أساسية من نتائج التغيرات المناخية”، موردا أن “الثقافة تجاه الأرض داخل المجال القروي صارت متغيرة بشكل كبير وصارت تتجه نحو الاستغناء عن أي نشاط يحتاج مجهودا أو غير متيقن من نجاحه”.
وأوضح العسري، في تصريح لهسبريس، أن “ما منْ مبادرة رامية إلى إعادة إحياء الفلاحة المحلية إلا ويدعمها المجتمع المدني، سواء في قرى سوس ماسة أو مختلف الجهات؛ فالجانب الرسمي هو الآخر عليه كذلك أن يدعمها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الصدد، مع استحضار مختلف العناصر المتراكمة التي ساهمت في الوصول إلى هذه المرحلة”.
كما ذكر المختص في الشؤون القروية والثقافية أن “الفلاحة المحلية كانت في وقت سابق دعامة من دعائم التنمية والاستقرار بالمنطقة، قبل أن تطرأ مجموعة من التغيرات؛ وهو ما يُحلينا مجددا على دور الدولة الذي يجب أن يكون حاضرا هنا عبر دعم أية خطوات يمكن أن يقدم عليها المحليون في الجانب المتعلق بالفلاحة المعيشية”.