استعرضت مذكرة مرافقة لمشروع قانون المالية لسنة 2025 نظرة عامة حول التوزيع الجهوي للاستثمار حسب أبرز مجالات تدخل السياسات العمومية، وذلك من خلال عرض أهم المشاريع التي تهم القطاعات الرئيسية لتدخل الدولة، خاصة القطاعات الاجتماعية وقطاعات البنية التحتية وكذا القطاعات المنتجة.
وتوقعت المذكرة بالنسبة لسنة 2025 أن يعرف النشاط الاقتصادي انتعاشًا بفضل دينامية الاستثمار العمومي وإحداث فرص الشغل، وذلك موازاة مع مواصلة بناء دولة اجتماعية تقوم على رؤية شاملة ومتكاملة، ومواصلة الحكومة دعم الاستثمارات الخاصة، بهدف الزيادة في حصتها لتصل إلى ثلثي إجمالي الاستثمارات في أفق سنة 2035 وفقًا لمقتضيات الميثاق الجديد للاستثمار الذي تم اعتماده مؤخرًا.
سيبلغ الغلاف المالي المخصص للبرامج والمشاريع الاستثمارية في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2025، حسب المذكّرة ذاتها، ما مجموعه 340 مليار درهم، أي بارتفاع قدره 1.5% أو 5 ملايين درهم، مقارنة مع سنة 2024، موزعة بين ميزانية الدولة (الميزانية العامة والحسابات الخصوصية للخزينة ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة) بمبلغ 120.5 مليار درهم، والمؤسسات والمقاولات العمومية بمبلغ 138 مليار درهم، وصندوق محمد السادس للاستثمار بمبلغ 45 مليار درهم، والجماعات الترابية بغلاف مالي يبلغ 21.5 مليار درهم، وكذا الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية بغلاف مالي قدره 15 مليار درهم.
وأبرزت المذكرة أنه تم خلال السنوات الأخيرة رصد دينامية ملحوظة للنمو المجالي، خاصة بالجهات المتواجدة خارج محور طنجة-الجديدة. قبل أن تعود لتنبه إلى أنه رغم هذا التقدم، إلا أن التفاوتات الجهوية لا تزال قائمة وتستمر في التأثير على بنية النشاط الاقتصادي.
يبين تحليل البنية الجهوية للناتج الداخلي الخام أن جهة الدار البيضاء-سطات حققت في المتوسط أكبر حصة من الناتج الداخلي الخام بالأسعار الجارية خلال الفترة 2014-2022، بمساهمة قدرها 32.1%، تلتها جهة الرباط-سلا-القنيطرة بنسبة 16%، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة بنسبة 10.5%. وتبلغ المساهمة الإجمالية لهذه الجهات الثلاث 58.6% من الناتج الداخلي الخام الوطني.
أما فيما يتعلق بدينامية النمو الاسمي، أشارت المذكرة إلى الارتقاء الملحوظ لجهات الجنوب، حيث سجلت جهة العيون-الساقية الحمراء معدل نمو سنوي 9.1%، تلتها جهات كلميم-واد نون (5.5%) والداخلة-وادي الذهب (5.4%) ودرعة-تافيلالت (5.2%). وعلى هذا المنوال، سجلت جهة طنجة-تطوان-الحسيمة معدل نمو بلغ 5%، متجاوزة بذلك المعدل الوطني (3.6%)، الأمر الذي ربطته المذكرة بالاستثمارات الكبرى المنجزة بالجهة، التي أحدثت تحولًا عميقًا في بنيتها الإنتاجية، معززة بذلك دورها كثاني منصة صناعية وتجارية بالمملكة.
بالموازاة مع ذلك، سجلت جهة الرباط-سلا-القنيطرة معدل نمو بلغ 3.8%، متجاوزة بذلك المعدل الوطني، بينما حققت جهة الدار البيضاء-سطات معدل نمو يعادل المستوى الوطني (3.6%) خلال الفترة 2014-2022.
وبخصوص الناتج الداخلي الخام الاسمي للفرد، سجلت خمس جهات من أصل 12 مستوى يتجاوز المتوسط الوطني (33,172 درهمًا للفرد) خلال الفترة 2014-2022. ويتعلق الأمر بكل من جهات الداخلة-وادي الذهب (83,074 درهمًا)، العيون-الساقية الحمراء (53,776 درهمًا)، الدار البيضاء-سطات (51,958 درهمًا)، الرباط-سلا-القنيطرة (39,169 درهمًا)، وكلميم-واد نون (37,993 درهمًا).
أما فيما يتعلق بمعدل نمو الناتج الداخلي الخام للفرد، فقد حققت جهة العيون-الساقية الحمراء أعلى معدل بمتوسط نمو سنوي 7.6% خلال الفترة 2014-2022، تلتها جهة كلميم-واد نون بنسبة 5%، ثم درعة-تافيلالت (4.6%)، فطنجة-تطوان-الحسيمة (3%)، والرباط-سلا-القنيطرة (2.8%)، وبني ملال-خنيفرة (2.7%)، بينما سجلت جهة الشرق معدل نمو مشابه للمعدل الوطني (2.6%). في المقابل، حققت جهة الدار البيضاء-سطات نموًا بنسبة 2.3%، تلتها جهة سوس-ماسة (2.2%)، وجهة الداخلة-وادي الذهب (1.5%).
وبشأن تدخلات الدولة في مجال الاستثمار، كشفت المذكرة المرافقة لمشروع قانون المالية لسنة 2025 أنها ستشمل مجموعة واسعة من القطاعات، من بينها التربية الوطنية والتعليم الأولي والتعليم العالي والتكوين المهني، حيث تتوزع المشاريع الاستثمارية بين إحداث مؤسسات جديدة وتوسعة وتأهيل أخرى. فيما ستشمل المشاريع المرتبطة بالصحة والحماية الاجتماعية إحداث مراكز استشفائية جامعية في كل جهة من جهات المملكة وتعزيز شبكة المستشفيات الجهوية.
وستعرف سنة 2025 أيضًا إطلاق مشاريع ثقافية جديدة على مستوى الجهات، تهم أساسًا بناء عدد من المركبات الثقافية وتأهيل بعض الأسوار التاريخية والقصبات بمجموعة من المدن. فيما يرتكز برنامج عمل الحكومة في مجال تعزيز الممارسة الدينية على تشييد وترميم المركبات الدينية والثقافية والحفاظ على موروث المساجد التاريخية، وكذا ترميم وعصرنة المنشآت والبنيات الاجتماعية والثقافية.
وفي أفق إطلاق المرحلة الرابعة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يتوقع تخصيص ميزانية لتمويل برنامج تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزًا، بقيمة 51 مليون درهم لفائدة 71 عمالة وإقليما، حيث سيتم استهداف ثلاثة قطاعات أساسية: إنجاز الطرق والمسالك القروية، التزويد بالماء الصالح للشرب، والربط بالكهرباء، خاصة بواسطة الألواح الشمسية الكهروضوئية.
وفي قطاع الطاقة، من المقرر، وفق المذكرة المرافقة لمشروع قانون المالية لسنة 2025، أن تواصل المملكة تنزيل استراتيجيتها خلال سنة 2025 عبر تكثيف استثماراتها في مشاريع كبرى تهدف إلى زيادة القدرة الإنتاجية من مصادر الطاقات المتجددة، لا سيما محطتي الطاقة الشمسية نور ميدلت 1 و2 بجهة درعة تافيلالت، ومحطة أطلس في جهات متعددة، ومزارع الرياح في جهات طنجة-تطوان-الحسيمة، فاس-مكناس، والعيون-الساقية الحمراء.