جددت المديرية العامة للضرائب دعوتها إلى المقاولات غير النشطة من أجل تسوية وضعيتها الجبائية مع اقتراب نهاية الأجل المضمن في القانون المالي الحالي، الذي ينتهي في 31 دجنبر المقبل، حيث تراهن الحكومة على إخراج آلاف “المقاولات النائمة” من المنظومة الضريبية في سياق إصلاح جبائي موسع، تستهدف من خلاله تحقيق مجموعة من الكاسب، أهمها إعادة تثمين الوعاء الجبائي، إلا أن التحفيزات المعروضة خلال السنة الماضية والجارية من أجل استقطاب هذه الفئة من المقاولات الملزمة ظلت محدودة، الأمر الذي ظهر من خلال انخفاض حصيلة المقاولات التي جرت تسوية وضعيتها حتى الآن.
وتشترط الإدارة الجبائية في المقاولات غير النشطة الراغبة في تسوية وضعيتها، عدم تحقيق أي رقم معاملات، أو أداء مبلغ الحد الأدنى من الضريبة برسم السنوات المحاسبية الأربع الأخيرة، لتستفيد بذلك من التوقف النهائي عن مزاولة نشاطها، وليس الإفلاس، مع الإعفاء من المراقبة الضريبية، والإلغاء التلقائي للجزاءات المترتبة عن عدم الإدلاء بالقرارات، وأداء الضرائب برسم السنوات غير المتقادمة، فيما يتعين على هذه المنشآت تقديم إقرار، بطريقة إلكترونية، بالتوقف الكلي عن النشاط، والدفع التلقائي لمبلغ جزافي للضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل حسب الحالة، يحدد في 5 آلاف درهم عن كل سنة غير متقادمة، إضافة إلى الإدلاء لمصلحة الضرائب التابع لها مقرها بجميع وثائق التشطيب النهائي من السجل التجاري، وطلب التشطيب من الرسم المهني.
وشدد مصطفى بايتاس، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، على أن خروج عدد من المقاولات غير النشطة من النظام الضريبي ليس إفلاسا، بل إمكانية تسمح بها الإصلاحات الجبائية التي قامت بها الحكومة.
وأوضح الوزير في تصريحات صحافية خلال يونيو الماضي، أن البرلمان ساهم، إلى جانب الحكومة، في التعديلات التي أدخلت على قانون المالية في مناسبتين (2023-2024)، وهو ما يفرض على هذه المقاولات تحديد مصيرها، سواء بالبقاء أو الخروج من النظام الضريبي وفق مجموعة من الشروط، في الوقت الذي لم يحمل مشروع قانون المالية 2025 في صيغته قيد المناقشة في مجلس النواب حاليا أي تمديد لأجل التسوية الجبائية مستقبلا.
تحفيزات محدودة
مع اقتراب الأجل النهائي للتسوية دون أي تمديد مقترحٍ في مشروع قانون المالية لسنة 2025، تبرز تساؤلات حول مدى نجاح هذه الخطوة في إضفاء جاذبية على الإصلاحات الجبائية، وبالتالي فاستمرار اعتماد حوافز عند هذا المستوى يجعل الحكومة أمام تحديات متعددة لتحقيق أهدافها، ويزيد حاجتها إلى مراجعة السياسات الجبائية لإصلاحية خلال الفترة المقبلة، ذلك أنه من الناحية العملية لم تحقق الحوافز الجبائية النتائج المرجوة، إذ تبين انخفاض عدد المقاولات التي قامت بتسوية وضعيتها، مما يؤكد ضعف جاذبية التحفيزات المعروضة عبر المديرية العامة للضرائب.
وأوضح نبيل رفاعي، خبير محاسب مستشار ضريبي، في تصريح لهسبريس، أن “الإعفاءات المقدمة من قبل السلطات تظل محدودة الأثر، خصوصا أن المبلغ الجزافي المفروض للتسوية يراه بعض المقاولين مرتفعا مقارنة بالمردودية المتوقعة لهذه الخطوة، فيما يظل السؤال مطروحا حول البدائل الممكنة لتحفيز المزيد من المقاولات للخروج من النظام الضريبي دون تردد”، مشيرا إلى ضرورة التفكير في توسيع نطاق الإعفاءات لتشمل تخفيفات إضافية على الرسوم السنوية ورسوم التشطيب من السجل التجاري، معتبرا أن “التخفيف من بعض التكاليف الإدارية قد يزيد من جذب الشركات للتسوية، بدلا من إبقائها على حالتها الجامدة”.
وأضاف رفاعي في السياق ذاته أن “دعوة المقاولات إلى تسوية وضعيتها تندرج ضمن إصلاحات جبائية موسعة، تستهدف رفع مستويات الشفافية وتوسيع القاعدة الجبائية دون اللجوء إلى سياسات ضريبية قسرية”، مبرزا أن “الحكومة تهدف إلى تحقيق مكاسب مالية عدة عن طريق ضم فئة أكبر من الملزمين، إلا أن هذه الخطوة قد لا تكون كافية لاستقطاب كافة المقاولات غير النشطة ما لم يتم تعزيز الجاذبية التحفيزية المقدمة”، مشددا على أن هذه الحملة على المقاولات غير النشطة تفرض عليها الالتزام بمتطلبات صارمة قد تزيد من تكلفة تسوية وضعيتها، ما يطرح للتساؤل حول جدوى الإبقاء على الشركات في وضعها الراكد”.
مكاسب مغرية
تراهن الحكومة من خلال تسوية وضعية “المقاولات النائمة” على تحقيق مكاسب اقتصادية مهمة، إذ تسعى إلى تحفيز هذه المقاولات على الاندماج بشكل كامل في المنظومة الضريبية والمالية، أو اتخاذ قرار إغلاقها بشكل نهائي وفق شروط مخففة، علما أن هذه المبادرة، رغم ما يواجهها من تحديات، تتيح بلوغ أهداف متعددة، بدءا من توسيع القاعدة الضريبية، وصولا إلى تعزيز بيئة الأعمال والشفافية المالية، فيما تشمل المزايا المتوقعة، توسيع الوعاء الضريبي عبر دمج فئة من المقاولات غير النشطة، والاستفادة من زيادة المداخيل الضريبية السنوية، من خلال فرض رسوم التسوية والالتزامات الضريبية على هذه الشركات التي ترغب في استئناف أنشطتها بشكل رسمي أو حتى الراغبة في الإغلاق النهائي.
وأكد محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي، أن إخراج “المقاولات النائمة” من وضعية الجمود أو التستر الضريبي يمثل خطوة نوعية نحو محاربة الاقتصاد غير المهيكل، إذ إن عددا من هذه المقاولات كانت تنشط في الظل، مما يصعب من مراقبة نشاطاتها، ويحد من الشفافية في السوق، موضحا أن أهمية تسوية وضعية هذه المقاولات تتجلى في إمكانية إدماجها في الاقتصاد الوطني بشكل منظم، مشددا على أن “الإجراءات الجديدة تهدف إلى تحقيق توازن أكبر بين الأنشطة المسجلة وغير المسجلة، بحيث يمكن لهذه المقاولات الصغيرة والمتوسطة أن تتحول من ممارسات الاقتصاد غير المهيكل إلى الاقتصاد الرسمي، ما يساهم في خلق بيئة تجارية أكثر شفافية وتنافسية”، مضيفا أن تسوية وضعية هذه المقاولات سيعزز من قدرة الحكومة على مراقبة وتوجيه الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي تحسين مناخ الاستثمار بشكل عام.
وأشار يازيدي شافعي في السياق ذاته إلى أنه “على المدى البعيد، يرتقب أن يؤدي التخلص من المقاولات غير النشطة، وإعادة هيكلة القطاع الخاص، إلى تعزيز استدامة مالية أفضل للدول. فمن خلال تكوين قاعدة ضريبية واسعة ومستقرة، ستتمكن الحكومة من الاعتماد على مداخيل ثابتة لتحقيق توازن مالي، دون الحاجة إلى اللجوء إلى زيادة معدلات الضرائب”، مشددا على تحصيلها أيضا مداخيل ضريبية مستقرة وموثوقة من خلال تسوية وضعية هذه المقاولات، بما سيساهم في استقرار الموازنة العمومية، ويقلل الحاجة إلى فرض ضرائب إضافية مستقبلا، منبها إلى أن تحقيق توازن مالي مستدام يتيح للدولة مرونة أكبر في وضع السياسات المالية، وتوجيه الموارد إلى المجالات التي تحقق التنمية الشاملة.