في ظل العقوبات الأمريكية، يعتمد النفط الإيراني على "أسطول مظلم" من الناقلات لتصدير الخام للأسواق العالمية، لا سيما إلى الصين.
ووفقًا لتحقيق استقصائي تابعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تُعدّ الصين المستورد الرئيس لنفط طهران من خلال الأسطول المظلم، إذ بلغت قيمة هذه التجارة غير الرسمية نحو 20 مليار دولار -على أقل تقدير-، خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام الجاري 2024.
وتعمل ناقلات الأسطول المظلم على نقل الخام الإيراني إلى الصين، متجاوزة العقوبات الأميركية، رغم أن البيانات الرسمية تشير إلى أن بكين لم تستورد قطرة نفط واحدة من طهران، منذ أكثر من عامين.
ويُستعمَل العديد من الآليات للتغلب على القيود الصارمة التي تؤثّر بصادرات الخام الإيراني، تشمل تغيير أعلام السفن وملكيتها، وتزوير وثائق الشحن، ونقل الشحنات بين السفن في المياه الدولية، إذ تُحوَّل الناقلات الشحنات الإيرانية إلى ناقلات أخرى قبالة سواحل ماليزيا، لتُصنَّف لاحقًا نفطًا ماليزيًا.
تهريب النفط الإيراني
رصد الفريق البحثي عمليات تهريب النفط الإيراني، في بحر الصين الجنوبي، بعد مشاهدته عشرات من الناقلات الضخمة، بعضها أطول من 3 ملاعب كرة قدم، تتجول في المنطقة، وفق التحقيق الذي نشرته "بلومبرغ".
ورُصدَت ناقلتا نفط متجاورتان تتناقلان النفط، الأولى هي الناقلة وين وين (Win Win)، وهي سفينة ترفع علم بنما، والثانية الناقلة تايتان (Titan)، التي كانت محمّلة بالنفط الخام، وكانت ترفع علم الكاميرون.
وتشتهر السفينة تايتان في دوائر الشحن بأنها تنقل عادةً النفط الإيراني، ولا توجد لها شركة تأمين معروفة، ولا مالك مستفيد معروف، وتفاصيل الاتصال الوحيدة بمالكها المسجل، هي صندوق بريد في سيشل.
دور ماليزيا في تهريب النفط الإيراني
يتناول التحقيق دور ماليزيا في تهريب النفط الإيراني، إذ تشير بيانات تتبع السفن إلى ارتفاع عدد السفن التابعة للأسطول المظلم قبالة الساحل الشرقي للبلاد، وتجمعها قبالة شرق ولاية جوهور، الواقعة في أقصى جنوب ماليزيا.
وتتجمع السفن في المنطقة الاقتصادية الخالصة الماليزية، الواقعة خارج المياه الإقليمية الماليزية، بأعداد تتراوح ما بين 70 و100 سفينة، أغلبها ناقلات عملاقة، ليصبح أكبر تجمع لناقلات الأسطول المظلم في العالم.
وعادةً، لا تخضع هذه المنطقة، الواقعة في بحر الصين الجنوبي، لقدر كبير من الرقابة، بسبب اتّساع مساحتها، وموقعها في منتصف ممر شحن بين الصين وإيران، ما يجعلها مكانًا مثاليًا لسفن الأسطول المظلم لنقل النفط الخاضع للعقوبات.
ومن أجل إثبات نقل الخام الإيراني بين السفن، جمع الفريق البحثي قرابة 5 أعوام من صور الأقمار الصناعية لهذه المنطقة، واستعملوا تطبيقات تقنية للتعرف على نمط واحد، وهو "سفينتان جنبًا إلى جنب لساعات في كل مرة"، الذي يُسمى في صناعة الشحن "نقل من سفينة إلى أخرى"، والذي قد يكون مؤشرًا على نقل النفط الإيراني الخاضع للعقوبات من سفينة إلى أخرى.
وعندما تُنقل شحنة النفط من سفينة إلى أخرى، يُعاد تصنيفها، وبذلك، يُمثّل نقل النفط الإيراني في البحر قبالة ماليزيا فرصة جيدة لإعادة تصنيف الخام الخاضع للعقوبات إلى نفط ماليزي.
وفي هذا الصدد، نفى رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، في وقت سابق من العام الجاري، خلال فعاليات منتدى بلومبرغ الاقتصادي، حدوث أيّ عملية شحن للنفط الإيراني، مردفًا: "لم نعثر على أيّ دليل على الإطلاق".
وأضاف: "هناك عمليات نقل بين السفن في المياه الدولية، لكن ليس لدينا القدرة على مراقبته، فماليزيا ليست قادرة على مراقبة ما يحدث في البحر".
نقل النفط الإيراني إلى الصين
تُظهر بيانات تتبُّع السفن وصور الأقمار الصناعية، نقل كميات ضخمة من النفط الإيراني إلى الصين، التي تصل قيمتها، خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام الجاري 2024، إلى أكثر من 20 مليار دولار. وفقًا للتقرير.
وفي هذا السياق، توضح البيانات الرسمية للجمارك الصينية، توقُّف الواردات النفطية الصينية من إيران، منذ منتصف عام 2022، في حين تشير البيانات إلى أن بكين استوردت كميات من النفط الماليزي، تفوق ما يمكن لماليزيا إنتاجه.
في غضون ذلك، لا تعترف الصين بالقيود التي تفرضها الولايات المتحدة على طهران، ولم تعلّق بالتحديد على عمليات نقل النفط من طهران، لكنها قالت، إن تجارتها مع إيران معقولة وقانونية، ويجب احترامها وحمايتها.
الأسطول المظلم
تستعمل طهران الأسطول المظلم لنقل صادراتها النفطية إلى الأسواق، التي يعتمد عليها الاقتصاد الإيراني كثيرًا، إذ تعود مليارات الدولارات إلى طهران من بيع الخام.
ويتكون الأسطول المظلم من ناقلات قديمة للغاية، لا تتمتع بتغطية تأمينية مناسبة، وتُبحر تحت ما يُعرف بـ"أعلام الملاءمة"، التي تتعاون عادة مع الأنظمة والتدفقات النفطية الخاضعة للعقوبات والمقيدة، مثل إيران وفنزويلا وروسيا، التي ترغب في توصيل نفطها إلى العملاء.
وفي هذا السياق، يؤكد مدير الأبحاث في منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، دانييل روث، أن إيران تعتمد اعتمادًا شبه كامل على أسطول مكون من 400 ناقلة، تعمل بطرق غير قانونية لتهريب النفط، مضيفًا أن هذا الأسطول ساعد طهران على تفادي خسائر تُقدَّر بأكثر من 100 مليار دولار في الأعوام الأخيرة.
وعادةً، توقِف هذه الناقلات تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها، التي ترسل إشارات عن موقع السفينة وغيرها من المعلومات الأساسية المتعلقة بسلامة الملاحة، لتختفي عن الخريطة.
العقوبات الأميركية على النفط الإيراني
في عام 2018، أُعيد فرض العقوبات الأميركية على النفط الإيراني، بما يشمل كبار المصدّرين الإيرانيين والبنوك وشركات الشحن، في خطوة قطعت إيرادات حيوية لطهران، وأضرّت اقتصادها بشدة.
وتفرض الولايات المتحدة حظرًا على قطاع النفط الإيراني، وتعمل على تقييد أو قطع الوصول إلى نظامها المالي لأيّ شركة أو شخص يُكتشَف أنه يتاجر مع طهران.
وترغب الولايات المتحدة في أن تلتزم دول جنوب شرق آسيا بتطبيق العقوبات على إيران بشكل صحيح، لكن من ناحية أخرى، تتمتع دول مثل ماليزيا والصين بعلاقات ودّية للغاية وطويلة الأمد مع إيران.
ويمثّل نقل النفط من إيران إلى الصين عبر الأسطول المظلم مصدرًا متزايدًا للتوتر بين الولايات المتحدة والقوى الإقليمية، مثل ماليزيا، إذ دعت واشنطن كوالالمبور إلى بذل المزيد من الجهود لمعالجة المشكلة، لكن دون نجاح يُذكَر.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..