سجلت أسعار الدواجن ارتفاعا مقلقا منذ شهور طويلة، إذ قفزت إلى مستويات عالية، معلنة بمرور الوقت مرحلة جديدة من غلاء اللحوم البيضاء الأكثر طلبا من قبل المغاربة في الأسواق، حيث تأرجح سعر كيلوغرام واحد من الدجاج بالجملة في الدار البيضاء بين 16.5 و17 درهما، مقابل تطور تكلفة الإنتاج إلى 16.5 درهما للكيلوغرام على مستوى الضيعة، بعد تفاقم فواتير الأعلاف التي عرفت مدخلاتها الرئيسية الذرة والصوجا، المستوردة بشكل أساسي من الأسواق الدولية، نموا مهما.
ولم يشمل ارتفاع تكاليف الإنتاج الأعلافَ فقط، بل امتد إلى كتاكيت اللحم، موازاة مع التأثيرات السلبية للوسطاء على سلاسل التوزيع، إذ شهدت أسعار الكتاكيت الموجهة إلى التسمين زيادة قياسية تجاوزت سقف 200 في المائة، منتقلة من 4.5 دراهم للكتكوت الواحد إلى 14 درهما، ما أثر بشكل مباشر على تكلفة الإنتاج على مستوى الضيعات، رغم استقرار أسعار الأعلاف المركبة عند 4.20 درهما للكيلوغرام، واستمرار تراكم الأعباء المالية على المربين.
وساهم تعدد الوسطاء بسلسلة التوزيع في رفع الأسعار النهائية للمستهلكين، إذ تسببوا في زيادات بين 3 و4 دراهم في الكيلوغرام، ما رفع أسعار البيع بالتقسيط في المساحات التجارية الكبرى ونقط البيع الصغرى، وهو الوضع الذي أضعف القدرة الشرائية للأسر التي تحولت إلى استهلاك الدجاج كبديل للحوم الحمراء بعدما حلقت أسعار هذه الأخيرة عاليا في الأسواق لتتجاوز 100 درهم للكيلوغرام، يتعلق الأمر بمسلسل تسعير من حلقات متصلة، يؤثر بشكل مباشر على سعر البيع النهائي للحم الدجاج.
اختلالات هيكلية
اعتبر مهنيون الوضع الحالي لقطاع الدواجن أزمةً حقيقية بين التكلفة الفعلية للكتاكيت، التي تضاعفت خلال سنوات قليلة، وفاتورة الأعلاف المرتفعة، حيث تتقلص هوامش الربح بشكل خطير للمربين، الذين يعتقدون بوجوب استقرار سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الدجاج عند مستوى لا يتجاوز في أسوأ الأحوال 15 درهما، بالنظر إلى تكاليف الإنتاج الحالية، التي لم تستفد من انخفاض الأسعار العالمية للمواد الأولية المستخدمة في صناعة الأعلاف المركبة محليا.
وأكد محمد أعبود، رئيس الجمعية الوطنية لمنتجي دجاج اللحم، أن الوضع الحالي يعكس أزمة هيكلية تعصف بالقطاع، موضحا بالقول: “إننا أمام معادلة اقتصادية شبه مستحيلة للمربين، فالتكلفة الفعلية للكتاكيت تضاعفت بشكل غير مسبوق، بعدما كان سعر الكتكوت الواحد لا يتجاوز 2.5 درهم، قبل أن يقز إلى 14 درهما، ما زاد من العبء المالي على المربي، في وقت كان يجب أن تنعكس فيه الانخفاضات العالمية لأسعار المواد الأولية مثل الذرة والصوجا على السوق المحلية. للأسف، لم يحدث ذلك، لنجد أنفسنا مضطرين لشراء الأعلاف بأسعار لا تعكس الواقع الدولي”.
وأضاف أعبود في تصريح لهسبريس: “إذا استمر الوضع على هذا النحو، فإننا نخاطر بفقدان شريحة واسعة من المربين الصغار والمتوسطين الذين يشكلون العمود الفقري للقطاع. لقد أضحى من الضروري أن يتحرك جميع الفاعلين، من الحكومة إلى المربين والموزعين، لتخفيف الأعباء وضمان استقرار الأسعار. هدفنا هو الوصول إلى سعر بيع لا يتجاوز 15 درهما للكيلوغرام من لحم الدجاج في السوق، وهو سعر يعتبر منطقيا بالنظر إلى التكاليف الحقيقية للإنتاج، مشيرا إلى أن الحل لن يكون إلا من خلال تدخلات سريعة وفعالة لتنظيم سلسلة التوزيع وتفعيل رقابة صارمة على الأسعار، بدءا من المفاقس إلى الأسواق، حيث يجب أن يكون هناك تنسيق شامل بين جميع الأطراف لضمان استدامة القطاع وحماية القدرة الشرائية للمستهلك المغربي”.
مجلس المنافسة
يبدو أن الانخفاض العالمي لأسعار مدخلات الأعلاف لم يترجم محليا، إذ ما يزال المربون يشترون الأعلاف المركبة بأسعار مرتفعة، فيما تشير الحسابات إلى أن كل كتكوت يستهلك حوالي أربعة كيلوغرامات من الأعلاف، بتكلفة متوسطها أربعة دراهم للكيلوغرام الواحد. ويعتبر المنتجون هذه المعادلة الاقتصادية مستحيلة ولا تضمن إنتاج لحم الدجاج وفق صيغة استغلال قابلة للاستدامة، حيث يظل المنتجون في مواجهة خطر التباطؤ أو حتى الانهيار إذا لم تتخذ إجراءات لفتح المجال أمام القطاع، علما أن مجلس المنافسة أعلن مؤخرا عن دراسة لأسعار الأعلاف الحيوانية، بما في ذلك الأعلاف المخصصة للدواجن.
ووصف عثمان نواري، موزع أعلاف في الدار البيضاء، الوضع الحالي لسوق الأعلاف بالمقلق للغاية، معتبرا أن الفجوة بين الأسعار العالمية والمحلية تعكس اختلالات هيكلية في سلسلة التوريد، موضحا في تصريح لهسبريس أنه “رغم الانخفاض الملحوظ في أسعار المواد الأولية على المستوى العالمي، كالصوجا والذرة، إلا أن المربين المغاربة ما يزالون يواجهون تكاليف مرتفعة بشكل غير مبرر للأعلاف المركبة. هذه الفجوة تشير إلى غياب المنافسة الحقيقية وتواطؤ محتمل بين عدد من الفاعلين في القطاع بما يضر بمصالح الموزعين كحلقة مهمة في سلسة القيمة أيضا”، مشيرا إلى أن تكلفة الأعلاف تشكل نحو 70 في المائة من إجمالي تكلفة إنتاج لحم الدجاج، ما يجعل أي ارتفاع في هذه المدخلات ينعكس مباشرة على هوامش أرباح المربين.
وتابع نواري في السياق ذاته قائلا: “عندما تصل تكلفة تغذية كتكوت واحد إلى حوالي 16 درهما، يصبح من المستحيل تقريبا إنتاج لحم دجاج بسعر تنافسي”، مشيرا إلى أن هذا الوضع يدفع العديد من المربين إما إلى تقليص حجم إنتاجهم أو حتى الخروج من السوق، مؤكدا أن تدخل مجلس المنافسة لدراسة أسعار الأعلاف خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه حذر من أن “الدراسة وحدها لن تكون كافية”، وشدد في المقابل على ضرورة تفعيل الرقابة على الأسعار وفرض إجراءات صارمة تمنع الاحتكار والتلاعب بالسوق، مقترحا في هذا الشأن تقديم دعم مباشر للمربين الصغار في شكل تخفيضات ضريبية أو إعانات على الأعلاف، لتخفيف الأعباء المالية وضمان استمرارية الإنتاج.