يتواصل الجدل السائد في الأوساط العلمية حول حقيقة بطارية بغداد، القطعة الأثرية الأكثر غموضًا في سجلات التقنية القديمة.
وتمثّل هذه القطعة لغزًا حيّر المجتمع العلمي لما يقرب من قرن من الزمان، إذ اكتُشفت في عام 1936 بالقرب من أنقاض مدينة المدائن.
وما تزال بطارية بغداد تثير نظريات متنوعة حول غرضها، تتراوح من التطبيقات العملية إلى الروحية، ما يعكس الطبيعة الغامضة لتصميمها وبنائها.
ويطرح العلماء سؤالًا أساسيًا: هل كانت بطارية بغداد أداة قديمة لتخزين الطاقة الكهروكيميائية، أم أن أهميتها تكمن في مكان آخر؟
تاريخ اكتشاف بطارية بغداد
وفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، اكتُشفت بطارية بغداد عام 1936 في خوجوت رابه، بالقرب من بغداد، ليس بعيدًا عن مدينة طسيفون التاريخية (المدائن)، عاصمة الإمبراطورية البارثية (247 قبل الميلاد - 223م)، والساسانية (224-650م).
وتتكوّن القطعة الأثرية من وعاء خزفي يبلغ ارتفاعه نحو 140 مليمترًا، وأنبوب نحاسي مصنوع من صفيحة نحاسية ملفوفة، وعمود حديدي موضوع في وسط الأنبوب النحاسي.
وفي عام 1938، طرح مدير المتحف الوطني العراقي آنذاك، فيلهلم كونيغ نظرية استحوذت على خيال الكثيرين.
واقترح أن هذه القطع الأثرية قد تكون بقايا خلية غلفانية (نوع من أنواع الخلايا الكهروكيميائية)، ربما تُستعمل في الطلاء الكهربائي أو العلاج الكهربائي.
واستوحيت هذه الفرضية من تصميم القطعة والمواد المستعملة فيها، التي تساعد على إحداث تفاعل غلفاني عند إضافة محلول حمضي أو إلكتروليتي، بحسب ما نقلته منصة "إنترستينغ إنجينيرينغ" (Interesting Engineering).
الغرض الحقيقي لبطارية بغداد
-
نظرية الطلاء الكهربائي
يرى بعض العلماء أن بطارية بغداد ربما كانت تُستعمل لطلاء الأشياء العادية بالمعادن الثمينة -مثل الذهب أو الفضة- ومع ذلك، لا توجد أشياء مطلية بالكهرباء معروفة من المدّة نفسها.
واستُعمل الأسفلت ليكون مادة مانعة للتسرب، وهو دليل على وجود خصائص تآكلية داخل البطارية، ويشير هذا إلى أنها ربما كانت تحتوي على مادة حمضية، مثل الخل أو النبيذ، والتي ربما كانت بمثابة المحلول الكهربائي اللازم للطلاء الكهربائي.
-
الاستعمال الطبي
تتضمّن التطبيقات الطبية المحتملة لبطارية بغداد العلاج بالكهرباء، الذي ربما كان يُستعمل لتسكين الآلام وعلاجات أخرى.
وتكتسب هذه النظرية الدعم من اكتشاف إبر برونزية وحديدية، إلى جانب البطاريات في مدينة سلوقية، ما يشير إلى أنه ربما كان يمكن استعمالها لممارسات الوخز بالإبر المعروفة في الصين في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، تشير السجلات التاريخية إلى أن الإغريق والرومان القدماء ربما استعملوا الأسماك الكهربائية (سمك الرعاد) لعلاج أمراض مثل الصداع والنقرس، ما يشير إلى الإلمام بالعلاجات الكهربائية.
-
الاستعمال الروحي
هناك احتمال آخر مثير للاهتمام، وهو أن بطارية بغداد كانت تُستعمل في الطقوس الدينية أو الروحية، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
تفترض إحدى الفرضيات أنها كانت تُستعمل لكهربة الأصنام الدينية، ما يُسبّب صدمة عند لمسها، وبالتالي غرس شعور بالقوة الإلهية أو الخارقة للطبيعة في الجسم.
ومع ذلك، إذا كانت البطارية مخصصة لتخزين المخطوطات المقدسة وحفظها، فإن وجود سائل كهربائي كان سيجعل الحفاظ على الوثائق غير مناسب؛ ما يعقّد هذه النظرية.
الرأي العلمي الحديث
شهد تفسير بطارية بغداد آراءً متباينة، من الدعم المتحمس لقدراتها إلى الشكوك الراسخة؛ إذ ما يزال المجتمع الأثري متشككًا بصورة أساسية في نظرية البطارية.
ووفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، يزعم العديد من الخبراء أن القطع الأثرية ربما كانت تُستعمل لأغراض أكثر تقليدية، مثل أوعية تخزين المخطوطات المقدسة، استنادًا إلى اكتشافات مماثلة في المواقع القريبة والسياق الثقافي في ذلك الوقت.
وتُعد نظرية الطلاء الكهربائي موضع نزاع بصفة خاصة، بسبب الافتقار إلى الأدلة الأثرية القاطعة التي تدعم وجود معرفة الطلاء الكهربائي خلال عصر بطارية بغداد.
وبنى البرنامج العلمي كاسرو الأساطير (MythBusters) في عام 2005، نسخًا طبق الأصل من البطارية، باستعمال عصير الليمون بوصفه إلكتروليت، وأثبت أنها يمكن أن تنتج نحو 4 فولتات من الكهرباء عند توصيلها على التوالي.
وكانت هذه التجربة قادرة على الطلاء الكهربائي البسيط والتحفيز الكهربائي، ولكنها ليست قوية بما يكفي لتوصيل صدمة كهربائية كبيرة.
تطور تقنية البطاريات
انطلاقًا من الأجهزة القديمة -مثل بطارية بغداد إلى الأنظمة المتطورة اليوم- يعكس تطور تقنية البطاريات دفعًا مستمرًا نحو حلول تخزين كهرباء أكثر كفاءة وأمانًا وسعة عالية.
وتسرد منصة الطاقة في السطور التالية بداية الرحلة إلى تقنية البطاريات الحديثة:
- في عام 1791، اخترع أليساندرو فولتا العمود الفولتوي (Voltaic Pile)، الذي أنتج نحو 1 فولت من صفائح الزنك والنحاس المفصولة بورق منقوع في محلول ملحي.
وكان هذا الجهاز أول بطارية حقيقية، ومهّد الطريق للتطورات المستقبلية في التخزين الكهروكيميائي. - شهد القرن الـ19 تقديم بطارية الرصاص الحمضية، وهي أول بطارية قابلة لإعادة الشحن تُستعمل على نطاق واسع، خاصةً في السيارات.
وعلى الرغم من عيوبها -الوزن الكبير وعمرها المحدود- فقد كانت تطورًا محوريًا. - في أوائل القرن الـ20، ظهرت بطاريات النيكل والكادميوم (Ni-Cd)، التي توفّر كثافة طاقة محسنة وعمر دورة أطول، ولكنها مصحوبة بمخاوف بيئية وصحية.
- وفي عام 1991، حدث تقدم كبير مع تسويق شركة سوني (SONY) لبطاريات الليثيوم أيون، التي حققت كثافة طاقة تصل إلى 275 واط/كغم بحلول عام 2020.
وقد أحدثت هذه البطاريات ثورة في الإلكترونيات المحمولة والمركبات الكهربائية وأنظمة تخزين الكهرباء، بسبب كثافتها العالية للطاقة وعمر دورة طويل وخفة الوزن النسبية. - وبالنظر إلى المستقبل، فإن البطاريات ذات الحالة الصلبة التي تستعمل موصلات الليثيوم الصلبة غير القابلة للاشتعال، تلوح في الأفق.
وتتميّز هذه البطاريات بكثافة طاقة أعلى، تتجاوز 600 واط/كغم، مع تعزيز السلامة؛ بهدف معالجة العديد من القيود المفروضة على بطاريات الليثيوم أيون الحالية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..