مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية لعام 2024، ينتظر العالم بفارغ الصبر مرحلة تسلّم السلطة. ومع ذلك، لن يبدأ ترامب مهامه الرئاسية مباشرةً، بل سينتظر حوالي 11 أسبوعاً في ما يُعرف بمرحلة "البطة العرجاء"، وهي الفترة بين إعلان الفائز بالانتخابات الرئاسية وتنصيبه رسمياً في 20 يناير. هذه الفترة الزمنية تحمل مسمى غير تقليدي لكنها ذات أهمية سياسية كبيرة، إذ تعكس مرحلة انتقالية مليئة بالتحضيرات المعقدة والتحديات التي تواجه كل من الرئيس المنتخب والمنتهية ولايته.
ما هي مرحلة البطة العرجاء؟ ولماذا سميت بهذا الاسم؟
يشير مصطلح "البطة العرجاء" (Lame Duck) إلى الفترة التي تبدأ فور إعلان نتائج الانتخابات وحتى تسلّم الرئيس المنتخب مهامه رسمياً. أطلق هذا الوصف على الفترة الانتقالية، كون الرئيس المنتهية ولايته يصبح بحكم "البطة العرجاء"؛ أي ضعيفاً أو محدود الصلاحيات، مما يقلل من قدرته على اتخاذ قرارات جذرية أو حاسمة. تم تداول هذا المصطلح لأول مرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكان يصف السياسيين الذين تنتهي ولاياتهم ويصبحون في وضع أقل قوة.
لماذا تستغرق البطة العرجاء كل هذا الوقت؟
كان الانتقال الأول للسلطة في أميركا يستغرق حوالي 4 أشهر، حيث كانت الفترة الممتدة من نوفمبر إلى مارس ضرورية بسبب صعوبة التنقل وتبادل المعلومات. في 1933، ومع تطوير وسائل النقل وتقدّم الزمن، تم تقليص هذه المدة إلى نحو 11 أسبوعاً، حيث تم تحديد يوم التنصيب في 20 يناير بعد التعديل العشرين للدستور. لكن بالرغم من ذلك، يبقى الانتقال الأمريكي بطيئاً نسبياً مقارنةً بالدول البرلمانية، حيث يُنصّب رئيس الوزراء مباشرةً بعد فوزه في الانتخابات.
الولايات المتحدة دولة كبيرة ومعقدة من حيث الهيكل السياسي، ويُنتخب الرئيس عبر المجمع الانتخابي وليس التصويت الشعبي المباشر، إذ يحتاج الرئيس المنتخب للحصول على 270 صوتاً انتخابياً ليتولى المنصب. وبعد إعلان النتائج، تُجرى سلسلة من الإجراءات التحضيرية تشمل تعيين المسؤولين الجدد في المناصب القيادية والاطلاع على الملفات الحساسة.
أهمية الفترة الانتقالية: تجهيز البيت الأبيض والتخطيط للاستراتيجية
يتم خلالها تشكيل الحكومة، وتعيين فريق الرئاسة في مختلف المناصب، وتلقي الرئيس المنتخب تقارير استخباراتية حساسة حول الأمن القومي. يقول جيفري إنجل، مدير مركز التاريخ الرئاسي في الجامعة الميثودية الجنوبية، إن هذه الفترة ضرورية لإعداد فريق عمل مستقر داخل البيت الأبيض، وضمان تسليم كل الملفات بحرفية، ويضيف: "كل رئيس منتخب يأتي بفريق جديد يتطلب التحضير ووضع لمسات مميزة، لضمان الاستمرار الإداري بسلاسة".
وتتضمن الاستعدادات المكثفة استعدادات شاملة على المستوى اللوجستي، حيث يعمل فريق من موظفي البيت الأبيض منذ بزوغ فجر يوم التنصيب على ترتيب غرف الرئيس الجديد وأسرته، وتجهيز قاعات البيت الأبيض العامة والمكاتب لاستقبال الإدارة الجديدة، مما يجعله مشهداً درامياً خلف الكواليس.
دور الرئيس المنتهية ولايته في مرحلة "البطة العرجاء"
تختلف السلطة السياسية في هذه المرحلة، إذ يصبح دور الرئيس المنتهية ولايته محدوداً. ورغم بقاءه فعلياً رئيساً للبلاد، إلا أن صلاحياته تشهد تناقصاً تدريجياً مع استعداد الإدارة الجديدة. وتبقى معظم القرارات ذات الطابع الاستراتيجي مؤجلة حتى يتسلم الرئيس المنتخب منصبه.
ويمكن أن تشهد هذه الفترة توترات سياسية بين الفريقين، كما حدث في مرات سابقة، خاصة إذا كان الرئيس الجديد من حزب منافس للرئيس الحالي، أو كانت هناك خلافات سياسية قوية.
كيف يتم التحضير لمراسم التنصيب؟
يُعد يوم 20 يناير يوماً مفصلياً، حيث يجتمع الكونغرس والقضاء والإدارة المنتهية ولايتها والرئيس المنتخب معاً في احتفال تنصيب الرئيس الجديد. وبعد أداء القسم الدستوري في مراسم مهيبة أمام الكونغرس، يصبح الرئيس الجديد مؤهلاً لبدء ولايته رسمياً، ويودع الرئيس المنتهية ولايته البيت الأبيض، عادةً في خطوة رمزية تتمثل بمغادرته مباشرة بعد الاحتفال.
وبحسب إليزابيث غولدسميث، أستاذة التاريخ في جامعة ولاية فلوريدا، "تستعد فرق عمل متخصصة في البيت الأبيض لتلك اللحظة قبل أشهر، ليتم الانتقال بأعلى مستويات الانسيابية"، فتبدأ التحضيرات بمجرد إعلان النتائج النهائية، ويعمل موظفو الحكومة على تجهيز المكان لاستقبال العائلة الرئاسية الجديدة في إطار منظم ودقيق.
لماذا تُعد هذه الفترة مهمة للسياسة الأميركية؟
تمتاز الفترة الانتقالية بأنها تمنح الرئيس المنتخب فرصة الاستعداد النفسي والإداري وتلقي الملفات العالقة. كما أن المجمع الانتخابي يواصل تأكيد النتائج وإتمام الإجراءات الرسمية، ما يتيح الوقت للحزب الخاسر لتقبل النتائج وتقييم أدائه الانتخابي، مما ينعكس إيجابياً على سلامة الإجراءات الديمقراطية ويضمن استمرارية الحكومة.