فى خطوة تحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة، أعلنت الولايات المتحدة إعادة إدراج جماعة الحوثي اليمنية (أنصار الله) على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو ما يعكس تحولًا جديدًا فى السياسة الأمريكية تجاه الصراع فى اليمن.
القرار يأتي بعد فترة من التذبذب، حيث سبق لإدارة الرئيس جو بايدن أن ألغت هذا التصنيف فى 2021 بدعوى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتشجيع الحلول الدبلوماسية، لكنها عادت الآن لتشديد موقفها فى ظل تصاعد التهديدات الحوثية، خاصة فى البحر الأحمر، وتزايد الضغوط الإقليمية والدولية لاحتواء نفوذ الجماعة المدعومة من إيران.
هذا التحول الأمريكي يطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء إعادة التصنيف، ومدى فعاليته فى كبح جماح الحوثيين، خصوصًا مع تعقيدات المشهد اليمنى وتشابك المصالح الإقليمية والدولية.
فبينما يرى البعض أن القرار سيزيد من عزلة الجماعة ويحد من قدرتها على التمويل والتحرك، يحذر آخرون من تداعياته على جهود السلام والوضع الإنسانى فى اليمن، فضلًا عن احتمالات التصعيد العسكرى فى المنطقة.
فكيف يمكن فهم هذا التحول فى السياسة الأمريكية؟ وما انعكاساته على التوازنات الإقليمية ومستقبل الصراع اليمني؟
البعض يرى أن القرار سيزيد من عزلة الجماعة ويحد من قدرتها على التمويل والتحرك
أولًا: دوافع إعادة التصنيف
١) التصعيد الحوثى والتهديدات البحرية:
شهدت الفترة الأخيرة تصاعدًا فى الهجمات التى تنفذها جماعة الحوثى ضد السفن التجارية فى البحر الأحمر، وهو ما أثار قلقًا دوليًا واسعًا نظرًا لأهمية هذا الممر المائى فى التجارة العالمية.
البحر الأحمر يعد شريانًا حيويًا لحركة الملاحة الدولية، حيث تمر من خلاله نسبة كبيرة من التجارة بين آسيا وأوروبا، وأى تهديد لأمنه يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي.
وقد استخدم الحوثيون طائرات مسيّرة وزوارق مفخخة وصواريخ لضرب السفن التجارية والعسكرية، فى تصعيد وصفته واشنطن بأنه خطر مباشر على الاستقرار الإقليمي.
تبرر إدارة بايدن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية بالقول إن "أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأمريكيين فى الشرق الأوسط، وسلامة أقرب شركاء واشنطن، واستقرار التجارة البحرية العالمية".
هذا القرار يعكس قلقًا أمريكيًا متزايدًا من توسع نطاق عمليات الجماعة وقدرتها على تعطيل خطوط الشحن الدولية.
كما يشير إلى تحول فى أولويات واشنطن، التى كانت قد رفعت التصنيف سابقًا بدعوى دعم الجهود الإنسانية، لكنها اليوم ترى فى الهجمات البحرية تهديدًا استراتيجيًا يستدعى ردًا حاسمًا.
٢) الضغط على إيران:
يأتى قرار إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية فى إطار الاستراتيجية الأميركية الأوسع لاحتواء النفوذ الإيرانى فى المنطقة، خاصة بعد تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران.
إيران تُعتبر الداعم الأساسى لجماعة الحوثي، حيث توفر لها الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة، بما فى ذلك الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية التى استخدمتها الجماعة فى هجماتها على السعودية والإمارات، بالإضافة إلى استهداف السفن فى البحر الأحمر.
ومن خلال فرض عقوبات إضافية على الحوثيين، تسعى واشنطن إلى خنق مصادر تمويل الجماعة وقطع قنوات الدعم الإيراني، فى محاولة لإضعاف نفوذ طهران فى اليمن والمنطقة.
إعادة التصنيف تأتى أيضًا فى سياق سياسة أميركية أوسع لممارسة ضغوط متزايدة على إيران، خاصة بعد تعثر مفاوضات إحياء الاتفاق النووى وتصاعد المواجهات بين وكلاء طهران والقوات الأمريكية فى الشرق الأوسط.
فمن خلال تصعيد الضغط على الحوثيين، تأمل واشنطن فى تقليص قدرة إيران على استخدامهم كورقة تفاوضية أو أداة لتهديد المصالح الأمريكية والغربية. لكن هذا النهج قد يؤدى إلى مزيد من التصعيد العسكري، خاصة إذا قررت إيران مضاعفة دعمها للجماعة كرد فعل على العقوبات الجديدة.
٣) استجابة للمطالب الإقليمية:
لطالما دعت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، إلى إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، معتبرة ذلك خطوة ضرورية لكبح نفوذ الجماعة ومنعها من الحصول على تمويل ودعم خارجي.
فمنذ بدء الصراع فى اليمن، شكّلت الهجمات الحوثية تهديدًا مباشرًا لأمن السعودية، حيث استهدفت الجماعة بصواريخها الباليستية ومسيّراتها منشآت حيوية، بما فى ذلك المطارات والمنشآت النفطية.
إعادة التصنيف الأمريكى يمنح هذه الدول دعمًا إضافيًا فى جهودها لمواجهة الحوثيين، ويعزز موقفها فى الضغط من أجل فرض مزيد من العقوبات الدولية على الجماعة.
إلى جانب البعد الأمني، يمكن النظر إلى القرار الأمريكى على أنه جزء من التوازنات الإقليمية المتغيرة، خاصة بعد اتفاقات التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وزيادة التنسيق الأمنى مع واشنطن فى مواجهة التهديدات الإيرانية.
فالولايات المتحدة، التى تسعى للحفاظ على تحالفاتها فى المنطقة، قد وجدت فى التصنيف وسيلة لطمأنة حلفائها الخليجيين، وإظهار التزامها بمواجهة التهديدات الأمنية التى تواجههم.
ومع ذلك، فإن هذا التحرك قد يؤدى أيضًا إلى رد فعل عنيف من الحوثيين، مما يعقّد فرص التوصل إلى تسوية سلمية للصراع اليمني.
ثانيًا: التداعيات المحتملة
١) تعقيد المسار الدبلوماسي:
رغم تأكيد إدارة بايدن على التزامها بالحل السياسى فى اليمن، فإن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية تثير تساؤلات حول تأثيرها على جهود الوساطة.
الحوثيون يسيطرون على أجزاء واسعة من شمال اليمن، بما فى ذلك العاصمة صنعاء، ويمثلون طرفًا رئيسيًا فى أى مفاوضات مستقبلية لإنهاء الحرب.
ومع هذا التصنيف، قد تتعقد محاولات الوساطة، حيث قد يرفض الحوثيون الانخراط فى أى حوار مع الولايات المتحدة أو حلفائها الإقليميين، معتبرين القرار دليلًا على عدم جدية واشنطن فى دعم الحلول السلمية.
كما أن الدول والمنظمات التى تسعى للعب دور الوسيط قد تجد صعوبة فى التعامل مع جماعة مصنفة إرهابيًا، مما يضعف فرص إحراز تقدم فى المسار التفاوضي.
علاوة على ذلك، قد يؤدى القرار إلى مزيد من التشدد فى مواقف الحوثيين، حيث قد يرون فى التصنيف محاولة لخنقهم اقتصاديًا وسياسيًا، مما يدفعهم إلى تبنى نهج أكثر تصلبًا فى أى محادثات مستقبلية.
من جهة أخرى؛ قد تجد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والتحالف العربى أنفسهم فى موقف أكثر تعقيدًا، حيث إن أى مفاوضات مستقبلية قد تتطلب تنازلات من الحوثيين، وهو أمر قد يكون مستبعدًا بعد هذا التصنيف.
وفى ظل غياب أى آلية واضحة للتعامل مع هذا الواقع الجديد، قد يواجه المسار الدبلوماسى عثرات كبيرة تجعل فرص التوصل إلى حل سياسى شامل أكثر صعوبة.
٢) تأثير القرار على المساعدات الإنسانية:
إحدى المخاوف الرئيسية المرتبطة بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية هى تأثيره المحتمل على تدفق المساعدات الإنسانية إلى اليمن، الذى يواجه بالفعل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية فى العالم.
فى السابق، عندما تم تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية خلال إدارة ترامب، واجهت المنظمات الإنسانية صعوبات كبيرة فى توصيل المساعدات، بسبب القيود المفروضة على التعامل مع أى جهة مصنفة إرهابيًا.
هذا الوضع دفع إدارة بايدن إلى إلغاء التصنيف سريعًا بعد توليه الرئاسة فى ٢٠٢١، وذلك لتجنب تفاقم الأزمة الإنسانية. واليوم، مع إعادة التصنيف، يثور التساؤل حول مدى استعداد واشنطن لضمان استثناءات إنسانية فعالة تمنع تكرار السيناريو السابق.
إذا لم يتم وضع آليات واضحة تضمن استمرار وصول المساعدات، فقد يؤدى القرار إلى تفاقم الأوضاع المعيشية فى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث يعتمد ملايين اليمنيين على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة.
كما أن المنظمات الإغاثية قد تواجه عراقيل قانونية جديدة تعيق عملها، خاصة إذا تم فرض عقوبات على المؤسسات المالية التى تتعامل مع مناطق الحوثيين.
وفى ظل هشاشة الوضع الإنسانى فى اليمن، فإن أى تعطيل إضافى لتدفق المساعدات قد يؤدى إلى كارثة إنسانية، مما يضع المجتمع الدولى أمام تحدٍ كبير فى الموازنة بين الاعتبارات السياسية والاحتياجات الإنسانية.
٣) تصعيد عسكري محتمل:
قرار إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية قد يؤدى إلى تصعيد عسكرى فى اليمن والمنطقة، حيث من المرجح أن ترد الجماعة بتكثيف عملياتها العسكرية.
الحوثيون قد يرون فى القرار مبررًا لزيادة هجماتهم ضد القوات الحكومية اليمنية وضد أهداف سعودية وإماراتية، فى محاولة لإثبات أنهم غير متأثرين بالتصنيف الأمريكي.
كما أن الجماعة قد تلجأ إلى توسيع نطاق عملياتها فى البحر الأحمر، حيث سبق أن استهدفت سفنًا تجارية وعسكرية، مما قد يؤدى إلى مواجهة بحرية مباشرة مع القوات الأمريكية أو البريطانية المنتشرة فى المنطقة.
على الجانب الآخر، قد يؤدى القرار إلى تصعيد فى الضربات الجوية التى يشنها التحالف العربى بقيادة السعودية ضد مواقع الحوثيين، فى محاولة لإضعافهم عسكريًا واقتصاديًا.
وإذا تصاعدت العمليات القتالية، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتدخل بشكل مباشر، سواء عبر ضربات جوية أو عبر دعم أوسع لشركائها فى المنطقة.
هذا السيناريو قد يعقد المشهد اليمنى بشكل أكبر، حيث إن أى تصعيد عسكرى جديد سيزيد من معاناة المدنيين، ويجعل فرص التهدئة أقل احتمالية، مما يعزز استمرار الحرب لفترة أطول بدلًا من دفع الأطراف نحو حل سياسي.
الحسابات الأمريكية والمخاطر المحتملة
١. ازدواجية المعايير فى السياسة الأمريكية:
تعكس التغيرات المتكررة فى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية التخبط فى السياسة الأمريكية تجاه اليمن، حيث يتأرجح الموقف بين الضغط العسكرى والاقتصادى ومحاولات الانخراط الدبلوماسي.
ففى عام ٢٠٢١، ألغت إدارة بايدن تصنيف الحوثيين كإرهابيين بهدف تسهيل المساعدات الإنسانية وتهيئة الظروف للحوار السياسي، لكنها عادت اليوم لإعادة التصنيف فى ظل تصاعد الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية.
هذا التحول السريع يكشف عن عدم وجود استراتيجية أمريكية واضحة ومستدامة للتعامل مع الملف اليمني، مما يجعل من الصعب تحقيق استقرار طويل الأمد أو دفع الأطراف المتصارعة نحو حل سياسى شامل.
إضافة إلى ذلك، فإن هذا التذبذب يضعف مصداقية واشنطن كوسيط محايد، خاصة عندما تتناقض سياساتها تجاه الجماعات المسلحة فى المنطقة.
ففى الوقت الذى تصنّف فيه الحوثيين كمنظمة إرهابية، تبدى مرونة أكبر فى التعامل مع فصائل أخرى، مثل الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، والتى استهدفت القوات الأمريكية مرارًا.
هذا النهج المزدوج قد يعزز من قناعة الحوثيين بأن واشنطن لا تسعى لحل الأزمة اليمنية بقدر ما تستخدم التصنيف كأداة ضغط سياسى وفقًا لمصالحها المتغيرة. وهذا بدوره قد يدفع الجماعة إلى مزيد من التشدد، مما يزيد من تعقيد الصراع ويجعل أى مبادرات سلام أكثر صعوبة.
٢. هل ستنجح العقوبات فى إضعاف الحوثيين؟
رغم أن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية ستفرض مزيدًا من القيود على تمويلهم وتحركاتهم الدولية، إلا أن فعاليتها فى إضعاف الجماعة عسكريًا تظل موضع شك.
فالحوثيون يعتمدون بشكل أساسى على الدعم الإيراني، سواء من خلال إمدادات الأسلحة أو التدريب العسكري، بالإضافة إلى الموارد المحلية التى يتحكمون بها فى مناطق سيطرتهم، مثل الضرائب والجبايات المفروضة على الشركات والمواطنين.
وهذا يعنى أن قدرتهم على مواصلة القتال قد لا تتأثر بشكل كبير، حتى مع تشديد العقوبات الأمريكية والدولية عليهم.
علاوة على ذلك، أثبت الحوثيون قدرتهم على التكيف مع الضغوط الدولية، سواء عبر تطوير قدراتهم العسكرية محليًا أو عبر استخدام قنوات تهريب بديلة للحصول على الدعم.
تجربة العقوبات المفروضة سابقًا على إيران وحزب الله اللبنانى توضح أن الجماعات المدعومة من طهران قادرة على إيجاد طرق للالتفاف على العقوبات، مما يجعل من غير المؤكد أن يؤدى التصنيف الجديد إلى إضعاف الحوثيين فعليًا.
بل على العكس، قد يدفعهم القرار إلى تصعيد عملياتهم العسكرية كمحاولة لإظهار عدم تأثرهم، مما قد يؤدى إلى مزيد من عدم الاستقرار بدلًا من تحقيق النتائج التى تسعى إليها واشنطن.