تعيش المراكز الجهوية لتحاقن الدم منذ أسابيع إشكاليات في توفير الكميات الكافية من الدم لفائدة المرضى على مستوى المصالح الاستشفائية، إذ ساهمت عوامل مختلفة في إرباك حساباتها، إلى درجة أن بعضها أكد وصوله إلى مرحلة الشحّ. ومن بين هذه العوامل، دخول أكثر فصول السنة برودة، ثم إصابة مواطنين بعدوى الأنفلونزا الموسمية، وفق كوادر متخصصة.
وانضافت العطلة المدرسية البينية إلى قائمة هذه العوامل، إذ دخل التلاميذ المغاربة منذ الأحد الماضي في إجازة لمدة أسبوع، مما صعّب من مهام مراكز تحاقن الدم في استقطاب أسرهم بفعل برمجة أسفار، والأمر نفسه بالنسبة لطلبة المؤسسات الجامعية الذين يقضون عطلة فصلية تستمر أسبوعا كذلك.
ويؤكد مسؤولون بمراكز جهوية لتحاقن الدم بالمغرب وجود إكراهات ظرفية ساهمت في ضغط الطلب على العرض أو المخزون المتوفر حاليا من الدم، الذي لا يكفي عادة لمدة تتجاوز 3 أيام، بالنظر إلى كون عدد المتبرعين يوميا بالكاد يصل إلى 200 أو 300 متبرع، في حين يتعدى ذلك خلال فترات أخرى من السنة، مما يجعلهم يشددون على استعجالية التبرع بالدم بكثافة لتجنب تفوّق الطلب على العرض.
وحتّمت هذه الظروف على عدد من هذه المراكز البحث عن أساليب واستراتيجيات لجلب المتبرعين. من بين هذه الأساليب، القيامُ بحملات استثنائية وخاصة بهذه الظرفية، والاستعداد المبكر وتوفير كميات احتياطية خاصة بهذه المرحلة التي تتسم بتراجع عدد المتبرعين بالدم مقابل استقرار أو ارتفاع عدد المرضى الساعين لضمان احتياجاتهم منه.
“إشكالية الندرة”
يجتاز المركز الجهوي لتحاقن الدم بجهة الدار البيضاء ــ سطات هذه الفترة بكثير من التعقيد، إذ كشفت هند زجلي، مسؤولة التواصل والحملات الطبية بالمركز، “وجود تراجع في المخزون خلال الأسابيع الماضية، وذلك بفعل مساهمة الأنفلونزا والزكام الموسميين، اللذين أصابا عددا من المغاربة، في تراجع الإقبال على مراكز تحاقن الدم، مما أثر سلبا على حجم المخزون من هذه المادة الحيوية خلال الآونة الأخيرة”.
وأكدت زجلي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الفترة من السنة تبقى استثنائية، ذلك أنها تتزامن مع العطلة المدرسية وفترة برودة المناخ، ما يجعل من الصعب جذب المتبرعين بالدم من أجل ضمان الحدود الدنيا اللازمة من هذه المادة”، مفيدة بأن “المسؤولين بالمركز عادة ما يتعاملون مع هذه الفترة بشكل خاص، وذلك من بتنظيم حملات سابقة من أجل ضمان ما يكفي لتدبير الأمور خلالها”.
ومما يعقد الأمور، تورد المتحدثة، “أننا اليوم كمسؤولين عن دعم مخزون الدم نفتقد حتى طلبة الجامعات والمعاهد والكليات، إذ ينشغلون خلال هذه الفترة باجتياز امتحانات فصل الخريف، ثم قضاء عطلهم، في وقت تعتبر الكليات عادة خزانا حيويا لهذه المادة؛ فنحن نتحدث عن حوالي مليون ونصف مليون طالب جامعي”.
وذكّرت المسؤولة ذاتها بأن “الأمر يتعلق في هذا الصدد بأكبر جهة بالمغرب من ناحية عدد السكان، وهو ما يقتضي توفير أكياس الدم لملايين من المرضى بشكل يومي، موازاة مع ازدياد عدد المصحات والمراكز الاستشفائية التي تحتاجه، في وقت لا يساعد العرض على ذلك بشكل ميسّر”، مفيدة بأن “هناك مرضى قادمين من جهات أخرى يجب أن يتم توفير الدم لهم كذلك”.
وزادت شارحة: “نستخرج من الدم ثلاثة مكونات: الصفائح ومدة صلاحيتها 5 أيام، والكريات الحمراء التي تبقى صالحة لمدة 46 يوما، ثم البلازما التي يمكن أن تمتد صلاحيتها إلى سنة كاملة؛ فالمشكلُ غالبا ما يكون في توفير الكميات اللازمة من الصفائح”.
كما أكدت المسؤولة بالمركز الجهوي لتحاقن الدم بجهة الدار البيضاء ــ سطات أنه “من الأولوية أن يقصد المغاربة خلال هذه الفترة المراكز المخصصة لاستقبال تبرعاتهم من الدم، حيث توجد كذلك قوافل وملحقات بإمكانها تخفيف عناء التنقل عليهم؛ فارتباطُ التبرّع بعدم الإجبارية يكون وراء شحّ عمليات التبرع بشكل يومي، خصوصا في هذه الفترة”.
فترة خاصة
محمود أبغاش، إطار صحي مسؤول عن التبرع بالدم والتحسيس بالمركز الجهوي لتحاقن الدم بمراكش، يرى أن “هذه الفترة معروفة خلال كل سنة، بالنظر إلى كونها تأتي بالتوازي مع فترة برودة الطقس والعطلة المدرسية، مما دفعنا إلى العمل باستراتيجية خاصة تتمثل في استهداف المواطنين المتبرعين على مستوى الساحات العمومية، إلى جانب المساجد، وذلك من خلال التنسيق مع المصالح المعنية”، موضحا أن “هذه الفضاءات تعد بمثابة منافذ لتدارك كل نقص يحصل في مخزون الدم، إذ لا تتم عملية استهداف الجامعات بفعل العطلة التي تلي نهاية الدورة الخريفية”.
وأضاف أبغاش، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الاستراتيجيات تمكننا يوميا من توفير ما يصل إلى 200 كيس من الدم، والحفاظ على المخزون الكافي لثلاثة أيام كاملة؛ فالتوقف ليوم واحد عن القيام بهذه الحملات يعني التأثير بالسّلب على هذا المخزون”، مبرزا أن “العرض الصحي بجهة مراكش-آسفي صار مهما بوجود عدد من المراكز الاستشفائية التي تحتاج إلى كميات محددة من أكياس، من بينها التي تخص الحالات المستعجلة، وأخرى تهم العمليات الجراحية المبرمجة”.
وبيّن المتحدث أن “الطلب على هذه المادة الحيوية قد ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، إذ وصل تقريبا إلى 220 كيسا يوميا، بعدما كان يتراوح ما بين 80 و150 كيسا في اليوم الواحد قبل سنوات؛ وهناك اشتغال دقيق من أجل توفير هذه الكميات مهما كان، في وقت لا تصل ثقافة التبرع لدى المغاربة إلى المستوى المأمول”، مناشدا المواطنين المساهمة الظرفية في تعزيز مخزون الدم بمختلف مناطق المملكة.