شهدت أسواق المال العالمية تقلبات عنيفة غير مسبوقة يوم الاثنين إثر الصعود المفاجئ لتطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek، وتصدره قائمة أكثر التطبيقات تحميلًا في متجر آب ستور متفوقًا على تطبيق ChatGPT الشهير.
DeepSeek .. تنين صيني يظهر من العدم
خلال السنوات الأخيرة، أنفقت العديد من الشركات التقنية الكُبرى وشركات الاستثمار مئات المليارات من الدولارات على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، وإنشاء مراكز البيانات، وشراء وحدات معالجة الرسوميات التي تُعد اللبنة الأساسية في مراكز البيانات، مما جعل شركة إنفيديا الأمريكية المُصنعة لتلك الرقاقات أكبر مستفيد من ثورة الذكاء الاصطناعي.
وكان التوجّه العام في مجال الذكاء الاصطناعي الاستثمار بقوة في إنشاء مراكز البيانات، وتجميع أكبر قدر ممكن من الرقاقات، كون ذلك السبيل الوحيد لتحقيق التقدّم والتطوّر في سباق الذكاء الاصطناعي.
وخلق ذلك التوجّه إقبالًا واسعًا على رقاقات إنفيديا وغيرها من الشركات المنافسة، وفرضت الولايات المتحدة حظرًا على تصدير الرقاقات العالية الأداء إلى منافسيها، وفي مقدمتهم الصين، مما جعل الشركات الصينية مغلولة اليدين ومتخلفة عن الشركات الأمريكية في سباق الذكاء الاصطناعي، وإن تمكّنت بعض الشركات مثل بايدو وعلى بابا من تطوير بعض النماذج بقدرات متفاوتة وفق الموارد المتاحة.
وفجأة، ظهرت شركة DeepSeek الصينية التي هدمت كافة الثوابت المُتعارف عليها في سباق الذكاء الاصطناعي المحموم الذي بدأ نهاية عام 2022.
وتأسست DeepSeek الصينية عام 2023، وقد نجحت في لفت الأنظار من خلال تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر باستخدام موارد مالية محدودة، تُقدر بنحو 6 ملايين دولار، وعدد أقل من وحدات المعالجة الرسومية (GPUs) مقارنةً بالموارد الكبيرة والمبالغ الضخمة التي تنفقها شركات مثل OpenAI وميتا وجوجل ومايكروسوفت.
ومع تقديم DeepSeek نماذجها الأخيرة مثل R1 و V3، ثم إطلاق تطبيقها الخاص وتحقيقه انتشارًا واسعًا، بدأ بعض المستثمرين بجنون بيع أسهمهم في الشركات النشطة في مجال الذكاء الاصطناعي، وكانت إنفيديا كُبرى الشركات المتضررة من هذا الحدث، مسجلةً تراجعًا تاريخيًا غير مسبوق، إذ خسرت نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية خلال يومٍ واحد، وسجل قطاع الشركات التقنية خسائر إجمالية قُدّرت بنحو تريليون دولار.
ترامب: DeepSeek ناقوس خطر
وفي أول ردٍ فعل على الصدمة التي أحدثتها DeepSeek، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتشار السريع لهذا التطبيق بأنه “إنذار” للشركات التقنية الأمريكية.
وقال ترامب في أثناء زيارته لولاية فلوريدا: “إن إطلاق DeepSeek، وهو تطبيق ذكاء اصطناعي من شركة صينية ناشئة، يجب أن يكون إنذارًا لصناعاتنا بضرورة التركيز الكامل على التنافس للفوز”.
إنفيديا تُبدي إعجابها بـ DeepSeek
وفي تصريح لوكالة بلومبرغ، وصف متحدث باسم إنفيديا ما حققته DeepSeek بأنه “تقدم ممتاز في مجال الذكاء الاصطناعي”، مشيرًا إلى أن الشركة استطاعت بناء نماذج جديدة باستخدام منهجية متطورة، تُعرف باسم “Test-Time Scaling”مع الاستفادة من موارد متاحة على نطاق واسع، ودون الاصطدام بقيود التصدير الأمريكية.
OpenAI تستعد للرد بنماذج أفضل
وأعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، أن شركته ستُسرّع وتيرة إطلاق نماذج ذكاء اصطناعي “أفضل”.
ووصف ألتمان نموذج DeepSeek R1 بأنه “مثير للإعجاب، خاصةً بالنظر إلى ما يقدمه مقابل سعره”، وذلك في منشور له عبر منصة إكس، تويتر سابقًا.
مايكروسوفت تراقب
وفي سياقٍ متصل، أبدى ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، رأيه في الظاهرة التي أحدثتها DeepSeek من ناحية التكلفة، مُشبهًا إياها بمفهوم “مفارقة جيفونز” الاقتصادي. وكتب ناديلا عبر حسابه الشخصي في منصة إكس منشورًا قال فيه: “إن مفارقة جيفونز تضرب من جديد! مع ازدياد كفاءة الذكاء الاصطناعي وإمكانية الوصول إليه، سنشهد ارتفاعًا كبيرًا في استخدامه، ليتحول إلى سلعة لا يمكننا الاكتفاء منها”.
ويُشير تعليق ناديلا إلى أن انخفاض تكلفة نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل DeepSeek، سيؤدي إلى زيادة استخدامها بنحو كبير، مما قد يزيد في النهاية الاستهلاك بدلًا من تقليله، وهو ما يُعرف بمفارقة جيفونز.
وفي حديثه مع شبكة CNBC على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، أوضح ناديلا وجهة نظره قائلًا: “إنّ رؤية نموذج DeepSeek الجديد أمرٌ مثيرٌ للإعجاب حقًا، سواءً من ناحية كيفية إنشاء نموذج مفتوح المصدر فعّال حقًا، أو من ناحية كفاءته الحاسوبية الفائقة في وقت الاستنتاج. يجب أن نأخذ التطورات القادمة من الصين على محمل الجد”.
ميتا تعلن حالة الطوارئ
وأرجع يان ليكان، مسؤول الذكاء الاصطناعي في شركة ميتا، النجاح الكبير والانتشار الواسع لنموذج DeepSeek للذكاء الاصطناعي إلى طبيعته المفتوحة المصدر. وأوضح ليكان أن “النماذج المفتوحة المصدر تتفوق على النماذج الاحتكارية”، مؤكدًا أهمية هذه النماذج، ومشيرًا إلى أن DeepSeek قد تُعيد إحياء مهمة OpenAI الأصلية في تطوير ذكاء اصطناعي مفيد للبشرية.
ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، قد شكّل أربعة فرق من المهندسين للتحقيق في السر وراء نجاح DeepSeek “الذي تحقق بين عشية وضحاها”.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
