اتهم الجيش اللبناني إسرائيل، اليوم السبت، بالمماطلة في الانسحاب من مناطق حدودية في جنوب البلاد، غداة تأكيد تل أبيب أنها لن تنجز ذلك بحلول الأحد مع انتهاء مهلة الستين يوما المدرجة ضمن اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله.
ودخل الاتفاق حيز التنفيذ اعتبارا من فجر 27 نونبر الماضي، ووضع حدا لنزاع عنيف بين إسرائيل وحزب الله، بدأ بتبادل القصف عبر الحدود في أكتوبر 2023 على خلفية الحرب في قطاع غزة، وتوسع إلى مواجهة مفتوحة اعتبارا من شتنبر 2024، تخللتها عمليات برية إسرائيلية.
وبموجب الاتفاق الذي أبرم بوساطة أمريكية، يتوجب على إسرائيل سحب قواتها من جنوب لبنان خلال 60 يوما، أي بحلول 26 يناير، على أن يترافق ذلك مع تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان (يونيفيل).
كما يتوجب على الحزب سحب عناصره وتجهيزاته والتراجع إلى شمال نهر الليطاني الذي يبعد حوالي 30 كيلومترا عن الحدود، وأن يقوم بتفكيك أية بنية تحتية عسكرية متبقية في الجنوب.
وأكد الجيش اللبناني، في بيان، أن وحداته تواصل “تطبيق خطة عمليات تعزيز الانتشار في منطقة جنوب الليطاني بتكليف من مجلس الوزراء، منذ اليوم الأول لدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وفق مراحل متتالية ومحددة، بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على تطبيق الاتفاق (Mechanism) وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان – اليونيفيل”.
وأضاف: “حدث تأخير في عدد من المراحل نتيجة المماطلة في الانسحاب من جانب العدو الإسرائيل؛ ما يعقد مهمة انتشار الجيش، مع الإشارة إلى أنه يحافظ على الجهوزية لاستكمال انتشاره فور انسحاب العدو الإسرائيلي”.
وأتى ذلك غداة إعلان مكتب بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن انسحاب قواته “سيتواصل” بعد انقضاء المهلة، معتبرا أن لبنان لم يحترم التزاماته “بشكل كامل”.
وشدد على أنه “بما أن اتفاق وقف إطلاق النار لم ينفذ بشكل كامل من جانب لبنان، فإن عملية الانسحاب المرحلي ستتواصل بالتنسيق مع الولايات المتحدة”.
ولفت الانتباه إلى أن الاتفاق ينص على “انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان” وفرض “انسحاب حزب الله إلى ما وراء (نهر) الليطاني”. وتقديرا منها أن الواقع مخالف للنص، فإن إسرائيل “لن تعرض بلداتها ومواطنيها للخطر، وستحقق أهداف الحرب في الشمال، بالسماح للسكان بالعودة إلى منازلهم بأمان”.
وكان حزب الله اعتبر، في بيان أصدره الخميس الماضي، أن “أي تجاوز لمهلة الـ60 يوما يُعتبر تجاوزا فاضحا للاتفاق وإمعانا في التعدي على السيادة اللبنانية ودخول الاحتلال فصلا جديدا”.
ورأى أن ذلك “يستوجب التعاطي معه من قبل الدولة بكل الوسائل والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية بفصولها كافة لاستعادة الأرض وانتزاعها من براثن الاحتلال”.
“تريث”
أفاد مصدر حكومي لبناني وكالة فرانس برس بأنه “مع بداية الحديث عن احتمال تأجيل الانسحاب الإسرائيلي في مطلع الأسبوع، تواصل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ونبه إلى خطورة محاولة الإسرائيليين الالتفاف على تطبيق وقف إطلاق النار، وأكد ضرورة احترام المهل”.
وكان الرئيس اللبناني جوزاف عون دعا، في وقت سابق، إلى انسحاب إسرائيل “ضمن المواعيد المحددة” بموجب الاتفاق.
وأكدت إسرائيل أن من أهداف المواجهة التي خاضتها مع حزب الله السماح لعشرات الآلاف من مواطنيها بالعودة إلى منازلهم في شمال الدولة العبرية، بعدما نزحوا عنها إثر بدء تبادل القصف عبر الحدود عام 2023.
في المقابل، أدى القصف الجوي والعمليات البرية الإسرائيلية إلى نزوح مئات الآلاف من مناطق لبنانية تعد معاقل للحزب مثل الجنوب والبقاع (شرق) والضاحية الجنوبية لبيروت. ولم يتح بعد لسكان العديد من القرى والبلدات الحدودية الجنوبية، والتي تعرضت لدمار واسع، العودة إليها مع تواصل الانتشار العسكري الإسرائيلي.
ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أن نازحين من المناطق الحدودية تلقوا، اليوم السبت، “اتصالات على هواتفهم من أرقام دولية متعددة يطلب فيها المتحدث باسم جيش العدو (الإسرائيلي) وبلهجة عربية ركيكة… عدم العودة إلى بلداتهم غدا الأحد، ويحذرهم من ذلك”.
ودعا الجيش اللبناني، السبت، “الأهالي إلى التريث في التوجه نحو المناطق الحدودية الجنوبية؛ نظرا لوجود الألغام والأجسام المشبوهة من مخلفات العدو الإسرائيلي”.
وأكد أن وحداته تعمل “على إنجاز المسح الهندسي وفتح الطرقات ومعالجة الذخائر غير المنفجرة، وتُتابع الوضع العملاني بدقة ولا سيما لناحية الخروقات المستمرة للاتفاق والاعتداءات على سيادة لبنان، إضافة إلى تدمير البنية التحتية وعمليات نسف المنازل وحرقها في القرى الحدودية من جانب العدو الإسرائيلي”.
وأوضح مصدر عسكري لبناني لفرانس برس أن “القوات الاسرائيلية لم تنجز انسحابها من القطاع الشرقي؛ لأن انسحابها من القطاع الأوسط تأخر بعدما أنجزت الانسحاب من القطاع الغربي في أوائل يناير”.
ويواصل الجيش الإسرائيلي الإعلان عن تنفيذ عمليات دهم وتمشيط في جنوب لبنان. وأكد، في بيان الجمعة، “كشف مسارات أنفاق عديدة تحت الأرض” تابعة لحزب الله وتدميرها، ومصادرة أعتدة عسكرية.
وتتولى لجنة خماسية، تضم الولايات المتحدة وفرنسا إضافة إلى لبنان وإسرائيل واليونيفيل، مراقبة الالتزام ببنوده والتعامل مع الخروق التي يبلغ عنها كل طرف. وسبق للطرفين أن تبادلا الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار.