رصد أحمد نور الدين، الباحث في العلاقات الدولية، وجود العديد من المؤشرات المطمئنة بقرب طيّ صفحة النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية، قائلا إنه “حينما نضع رسما بيانيا لقضية الصحراء المغربية، من سنة 1975 إلى الآن، نجد أن منحنى المشروع الانفصالي يسير نحو الاندحار على كل المستويات؛ بينما منحنى دعم الشرعية السياسية والاجتماعية والقبلية والحضرية يستمر، بما في ذلك داخل الأمم المتحدة”.
وأورد نور الدين، في كلمة له بندوة علمية حول “قضية الصحراء المغربية.. تحديات ومهام المرحلة” احتضنها مقر حزب العدالة والتنمية بالرباط، أن “الجبهة الانفصالية بالفعل تشتت وتشرذمت؛ فأغلب القيادات المؤسسة والكبيرة كالدخيل عادوا إلى أرض الوطن ويدعمون مغربية الصحراء، فضلا عن الآلاف من المواطنين العاديين الذين هجروا المخيمات”، لافتا إلى أن “التشتت برز كذلك في انشطار الجبهة إلى تيارات صغيرة وأخرى كبيرة، على رأسها تيار المحجوب السالك الذي منعته الجزائر من خوض الانتخابات ضد إبراهيم غالي، نظرا لكونه أحد المدافعين عن استقلالية قرار الجبهة عنها”.
وأشار الباحث عينه، في مداخلته التي حملت عنوان “السياسة الأممية ومقاربة المبعوث الشخصي للأمين العام”، إلى أنه “بعدما شهدت الانقلاب على المسار الديمقراطية بداية التسعينيات ودخولها في دوامة الحرب الأهلية؛ ثم تفجر الحراك الشعبي بها سنة 2019، بدأت الجارة الشرقية الحاضنة البترودولارية للمشروع الانفصالي تنهار داخليا واقتصاديا وسياسيا، وباتت معزولة على المستوى العالمي، بعدما كانت تنال تأييد دول المعسكر الاشتراكي في مواقفها تجاه القضية الوطنية، دون تفكير”.
وذكر المتحدث ذاته ضمن المؤشرات المطمئنة تنامي الدعم الدولي لمغربية الصحراء من دول عربية وإفريقية وأوروبية، لافتا إلى أن “دولا لا تزال تعترف بالكيان، كنيجيريا وكينيا، شرعت في إعادة النظر في موقفها من القضية الوطنية”.
وزاد: “المغرب نجح في انتزاع مواقف دول متقدمة، كفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة؛ هذه الأخيرة التي يظل موقفها ثابتا رغم تشكيك المشككين، إذ وثق في السجل الفيدرالي الأمريكي ووزع كوثيقة رسمية في مجلس الأمن”.
مُنتقلا إلى سرد تطورات القضية داخل الأمم المتحدة، ذكّر الباحث عينه بأنه “يجب بداية أن يظل المغاربة مطمئنين بخصوص الفقرة السادسة من التوصية رقم 1514، التي تنص على أن كل ما يتناقض مع وحدة أراضي الدول ليس بتقرير مصير؛ فالمغرب معني بهذه الفقرة أساسا لأن إسبانيا وضعت الملف لدى اللجنة الرابعة تحت اسم تقرير مصير الصحراء الإسبانية وسيدي إيفني التي لا يتناطح عنزان في أنها مغربية”، وفقه.
بالمقابل، سجّل الباحث في العلاقات الدولية: “للأسف، فإن الجزائر ما زالت، إلى اليوم، تقدم توصية تقرير المصير سنويا في أكتوبر لدى اللجنة الرابعة أو لجنة تصفية الاستعمار.. وعوض أن يقوم المغرب بالتعبئة للتصويت ضده، لا يزال فقط يقوم بإدخال تعديلات عليها، وهي مقاربة أصبحت مرفوضة”.
وعدّ المتحدث عينه أنه يكفي أن “يعبئ المغرب 60 دولة؛ والدول العربية والإفريقية الداعمة للقضية تبلغ هذا العدد، من أجل تقديم توصية مضادة”، لافتا إلى أن “طي الملف داخل اللجنة يعني حله نهائيا، نظرا لأنه لم يلج مجلس الأمن إلا بعد عجز اللجنة”، داعيا “المغرب إلى التشمير منذ الآن إلى التعبئة، ويمكن تحقق هذا الهدف في غضون سنتين”.
رد فعل الجزائر
قال سعيد صديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، إن “المغرب شرع، منذ نهاية الاتحاد السوفياتي وبروز نظام القطبية الأحادية، في إقناع عدد من الدول تدريجيا بسحب اعترافها بما يسمى الجمهورية الصحراوية؛ ومن ثمة توسعت دائرة المعترفين بمغربية الصحراء”، مُسجّلا أن “المملكة استغلت، خلال العقد الأول من هذا القرن، بروز ملامح تشكل نظام دولي جديد متعدد الأقطاب لأخذ زمام المبادرة في القضية بدءا بتقديم مقترح الحكم الذاتي”.
وأضاف صديقي، في كلمته ضمن الندوة ذاتها، أنه “قبل بداية التشكل الفعلي لهذا النظام، أي مع صعود دونالد ترامب سنة 2017؛ كانت تلوح في الأفق بوادر صعود قوى دولية جديدة تنافس الولايات المتحدة، فلجأ المغرب إلى تنويع شركائه، وبات يستعمل أوراق ضغط مع الغربيين ويتعامل معهم بالندية والحزم أحيانا في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، كما حدث مع الولايات المعهد في عهد أوباما، ثم مع ألمانيا وإسبانيا وفرنسا في السنوات الأخيرة”.
وتابع صديقي وهو يرصد “المتغيرات الاستراتيجية والسياسية لقضية الصحراء في ظل تحولات المواقف الدولية والإقليمية المغاربية” أن “المغرب حقق إنجازات دبلوماسية مهمة على مستوى الملف، تجلى في خروج العديد من الدول المترددة من المنطقة الرمادية بتعبيرها عن مواقف أكثر وضوحا من مغربية الصحراء، فأيدت خُطة الحكم الذاتي؛ تزامنا مع إنجازات ميدانية مهمة تجلت في تحكم المملكة جوا في المناطق الموجودة شرق وجنوب الجدار الدفاعي؛ فضلا عن فرض الأمر الواقع بالكركرات”.
بالانتقال إلى موقع القضية الوطنية ضمن المتغيرات الإقليمية، سجّل أن “قضية الصحراء المغربية هي نتيجة للكون النظام الإقليمي المغاربي ثنائي القطبية يتسم بالتنافس وسوء الثقة بين المغرب والجزائر”، مُضيفا أن “المملكة ظلّت لعقود طويلة في حالة الدفاع ورد الفعل ضمن هذا الملف؛ غير أنه غداة تقديمها لمخطط الحكم الذاتي مستفيدة من تشكل ملامح النظام متعدد الأقطاب، باتت تنهج دبلوماسية هجومية خُصوصا في السنوات الأخيرة، والجزائر هي من تحولت إلى نهج دبلوماسية رد الفعل”.
وبخصوص التأثير المحتمل للمواقف الدولية الجديدة من قضية الصحراء المغربية على مسار الملف، سجّل المتحدث أن “قضية الصحراء كما أسلفت تجد جذورها في عوامل إقليمية؛ وبالتالي فإن حلها لن يكون إلا في إطار إقليمي، وعندما تكون إحدى القضايا مستعصية بسبب خلافات إقليمية فإن حلها يتطلب تغييرا في بنية النظام الإقليمي، إما من خلال خروج أحد الفاعلين في المعادلة أو تحول كبير في ميزان القوى، أو إعادة الثقة بين هؤلاء”.
وقال صديقي إن “الكثيرين يرون أن الخيار الأول والثاني هما الأنسب، ولكني أرى أن كلفتهما كبيرة جدا؛ في المغرب هناك من يعتقد بأنه يجب صرف النظر تماما عن الجزائر، وتحقيق توازن القوى معها من خلال الاعتماد على موارد ذاتية، ولكن هذا التوازن في حالات مماثلة لا يكون طويل الأمد لأنه قد يفتح المجال لتنافس محموم على التسلح”.
وأورد الخبير نفسه أنه “أمام هذه المعطيات، يجب ترجيح الخيار الثالث، ونستحضر هنا الخطاب الملكي المرجعي لـ8 نونبر 2018، الذي دعا إلى فتح آلية مشتركة مع الجزائر لتجاوز حالة الجمود بين البلدين”، مُضيفا أنه “يمكن المزج بين سياسة اليد الممدودة التي يشدد عليها الملك وبين الدبلوماسية الهجومية، لكسب مزيد من الاعترافات بمغربية الصحراء. هذا هو المسار الأسلم لحل قضية الصحراء بشكل آمن”.