في خضم أزمات اقتصادية عالمية متلاحقة وتحديات محلية معقدة، تظل الحماية الاجتماعية للطبقات محدودة الدخل في مصر محورًا أساسيًا لرؤية الدولة في تحقيق الاستقرار المجتمعي، ومع تصاعد الضغوط المعيشية وتراجع القدرات الشرائية للفئات الأكثر احتياجًا، تعمل الحكومة المصرية على تبني سياسات حازمة وإطلاق مبادرات استراتيجية تهدف إلى توفير مظلة حماية شاملة لهذه الفئات، مما يضمن تلبية احتياجاتهم الأساسية وتقليل الفجوة الاجتماعية.
المطلوب من الحكومة في حزمة الحماية الاجتماعية الجديدة
في إطار حرص القيادة السياسية على تخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل المواطنين، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن إعداد حزمة حماية اجتماعية جديدة بتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي، تستهدف دعم الفئات الأكثر احتياجًا.
وأوضح مدبولي، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة الإدارية، أن النقاشات جارية بين الحكومة ووزارة المالية لوضع تصور شامل للحزمة، تمهيدًا لعرضه على الرئيس لاعتماده والإعلان عنه قريبًا، مؤكدًا إدراك الدولة لحجم الضغوط الاقتصادية والعمل المستمر لتحسين حياة المواطنين.
د. صلاح هاشم: الفقر ليس قدرًا محتومًا
في ظل تفاقم الضغوط الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم، أكد الدكتور صلاح هاشم، مستشار وزارة التضامن الاجتماعي السابق للحماية الاجتماعية، أن مصر بحاجة إلى إعادة تعريف جذري للفئات الأولى بالرعاية، بما يعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي الحالي.
وأوضح مستشار وزارة التضامن الاجتماعي السابق للحماية الاجتماعية، في تصريح خاص لـ بانكير أن السياسة التقليدية القائمة على تقديم الدعم للفئات غير القادرة على شراء احتياجاتها الأساسية أثبتت عدم جدواها في القضاء على الفقر.
وقال هاشم إن النهج المتبع منذ عقود، الذي يركز على تخفيف حدة الفقر بدلًا من استئصاله، لم يحقق تقدمًا ملموسًا، مضيفا: "سياسة الأخذ من القادر لإعطاء غير القادر أثبتت محدودية تأثيرها، إذ أن معدلات الفقر استمرت في الارتفاع، وأصبحت شريحة كبيرة من المصريين عالقة تحت خط الفقر، مما يتطلب مراجعة شاملة لهذه السياسات".
تمكين الفقراء بامتلاك أصول انتاجية
وشدد هاشم على ضرورة الانتقال من سياسات الدعم السلبي إلى نهج أكثر إيجابية يهدف إلى تمكين الفئات الأكثر احتياجًا، موضحا أن مفهوم الحماية الاجتماعية يجب أن يتجاوز فكرة تقديم الدعم النقدي مدى الحياة، قائلاً: "الدعم النقدي وحده يكرس شعور المواطن بالفقر، وهذا الإحساس قد يكون أشد خطرًا من الفقر نفسه، فيجب أن نعتبر الفقر مرضًا قابلًا للعلاج وليس حالة أبدية تلازم أصحابها".
وأشار إلى أن الحل يكمن في تمكين الفقراء من تملك أصول إنتاجية، ما يتيح لهم إنشاء مشروعات مدرة للدخل تعزز استقلالهم الاقتصادي، مضيفا: "السياسات الحالية تعتمد على الدعم النقدي كوسيلة رئيسية لتحسين الأحوال المعيشية، لكن هذه المقاربة تعزز الاعتماد وتُضعف روح الإنتاج، الحل المستدام يتطلب استثمارًا في القدرات الإنتاجية للفقراء".
تجفيف منابع الفقر
وأكد هاشم أن الحماية الاجتماعية تحتاج إلى إعادة هيكلة تضمن تقليص عدد المستفيدين من الدعم مع مرور الوقت، عبر خطط تخارج تدريجية قائلا: "يجب أن تتبنى الحكومة رؤية واضحة تضمن أن عدد الخارجين من دائرة الدعم يفوق عدد المنضمين إليها، وتحقيق هذا الهدف يتطلب وضع سياسات شاملة تركز على تمكين الفئات الفقيرة وليس مجرد تخفيف تداعيات الفقر عنها".
وأشار إلى أن الدولة بحاجة إلى رؤية قومية متكاملة تعالج جذور الفقر من خلال تطوير سياسات مبتكرة تستهدف تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، داعيا إلى تعزيز برامج الحماية الاجتماعية بمبادرات تهدف إلى دعم القدرة الإنتاجية للمواطنين مثل توفير فرص التدريب المهني، وزيادة الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية للفئات الأكثر احتياجًا.
وفي ختام تصريحاته، شدد هاشم على أن معالجة الفقر تتطلب منظورًا وطنيًا شاملًا يأخذ في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية قائلا: "الهدف ليس فقط تخفيف معاناة الفقراء، ولكن تمكينهم من تحقيق استقلال اقتصادي حقيقي، هذا النهج سيضمن تقليص شريحة الفقر تدريجيًا، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة واستدامة".
وأضاف: "الحكومة تمتلك الآن فرصة ذهبية لإعادة صياغة سياساتها الاجتماعية بما يتماشى مع توجيهات القيادة السياسية بإطلاق حزمة حماية اجتماعية جديدة، وهي خطوة مهمة ينبغي أن تُبنى على أسس تعالج الفقر من جذوره وتدفع بالمجتمع نحو مستقبل أكثر استقرارًا".
أحمد خطاب: الحزمة ضرورة لمواجهة التحديات الاقتصادية
وفي السياق ذاته، أكد الخبير الاقتصادي أحمد خطاب أن رئيس الوزراء يحرص على وضع حماية محدودي الدخل في مقدمة أولويات الحكومة، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد خلال مشاركته في قداس عيد الميلاد المجيد على التزامه ببذل كل الجهود لتحقيق الرخاء للشعب المصري.
وأضاف “خطاب”، في تصريحات خاصة لـ بانكير، أن حديث رئيس الوزراء عن خطط الحكومة لحزمة حماية اجتماعية جديدة يأتي استجابة مباشرة للضغوط الاقتصادية التي تواجه المواطنين، في ظل ارتفاع الأسعار الناتج عن الأزمات العالمية.
وأشار خطاب إلى أن الحكومة تُدرك تأثير ارتفاع أسعار المحروقات عالميًا، نتيجة قرارات منظمة "أوبك" والمملكة العربية السعودية، وهو ما أدى إلى موجات تضخم جديدة تتطلب تدابير عاجلة.
وأوضح أن النقاش الجاري بين الوزارات المعنية، مثل التموين، المالية، والتضامن الاجتماعي، بشأن صياغة حزمة حماية اجتماعية مناسبة، يعكس جدية الدولة في مواجهة التحديات الراهنة وتخفيف الأعباء عن كاهل الفئات الأكثر تضررًا.
أهمية المبادرات الاجتماعية في مواجهة الغلاء
وأوضح خطاب أن حزمة الحماية الاجتماعية المرتقبة يجب أن تشمل تعزيز المبادرات الاجتماعية القائمة، مثل مبادرة "حياة كريمة" و"100 مليون صحة"، وزيادة الدعم المخصص للأسر الأكثر احتياجًا، بالإضافة إلى رفع قيمة المعاشات وبرامج الحماية الاجتماعية مثل "تكافل وكرامة"، مؤكدا أن هذه الإجراءات تُمثل ركيزة أساسية لدعم محدودي الدخل في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
وأضاف أن الحكومة لديها القدرة على تخفيف حدة التضخم جزئيًا من خلال إطلاق برامج تستهدف تحسين جودة الرعاية الصحية والتعليم المجاني، وزيادة دعم المرأة المعيلة، إلى جانب تقديم حزم مالية تُعزز القدرة الشرائية للمواطنين وتوفر لهم الحد الأدنى من الأمان الاجتماعي.
2025.. عام التحول الاقتصادي
وتابع خطاب أن عام 2025 قد يكون نقطة تحول للاقتصاد المصري، مع استقرار الأسواق العالمية المتوقع نتيجة انحسار الصراعات العسكرية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وفقًا لتصريحات دولية، مشيرا إلى أن الاستقرار العالمي سيُساهم في إنعاش حركة التجارة الدولية، ما يتيح للدولة المصرية الاستفادة من هذا الحراك لتعزيز نموها الاقتصادي.
دعوة للاستقرار العالمي ودعم الطبقات الفقيرة
وأكد خطاب أن السياسات المرتقبة للحكومة المصرية، والتي تأتي في إطار توجيهات القيادة السياسية لإصدار حزمة حماية اجتماعية جديدة، تعكس التزام الدولة بحماية الفئات الأكثر ضعفًا، مضيفا أن النجاح في تحقيق الاستقرار الاقتصادي يتطلب تضافر الجهود العالمية لإنهاء الصراعات الدائرة التي تُلقي بظلالها السلبية على الاقتصاديات النامية.
واختتم خطاب حديثه بتوقع إصدار الحكومة لقرارات تتضمن زيادة في المعاشات والأجور وتحسين الخدمات الأساسية، مشددًا على ضرورة استمرار التنسيق بين كافة الوزارات لضمان فعالية حزمة الحماية الاجتماعية المنتظرة في مواجهة الأعباء الاقتصادية الحالية.
إعلان الحكومة عن حزمة حماية اجتماعية جديدة قريبًا
وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قد أعلن عن تفاصيل جديدة بشأن الإعداد لحزمة حماية اجتماعية إضافية لدعم المواطنين، مشيرًا إلى أن الإعلان عنها سيتم قريبًا.
وأوضح مدبولي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر توجيهاته بوضع تصور شامل لحزمة حماية اجتماعية تستهدف تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، مشددًا على أن الدولة تدرك تمامًا حجم الضغوط التي تواجهها الأسر المصرية.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن النقاشات جارية حاليًا بين الحكومة ووزارة المالية لتحديد الملامح النهائية لهذه الحزمة، مضيفًا: "بمجرد الانتهاء من التصور الكامل، سيتم عرضه على الرئيس السيسي لاعتماده والإعلان عنه رسميًا للمواطنين".
وأكد مدبولي أن الدولة تواصل العمل على اتخاذ خطوات عملية لدعم الفئات الأكثر احتياجًا، بما يعكس حرص القيادة السياسية على تحسين جودة الحياة للمواطنين ومواجهة التحديات الاقتصادية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.