تحتفل العديد من الشعوب حول العالم بليلة رأس السنة الميلادية، ومن بين هذه المظاهر تعليق الزينة، الاحتفالات العامة، وحضور العروض الموسيقية والأنشطة الترفيهية، ويكثر التساؤل هل الاحتفال برأس السنة الميلادية جائز شرعًا؟ وهل تعبير الفرح من خلال تعليق الزينة أو المشاركة في هذه الاحتفالات يعد حرامًا؟ دار الإفتاء المصرية قدمت إجابة مفصلة حول هذا الموضوع.
احتفالات رأس السنة
تُعتبر احتفالات رأس السنة الميلادية، التي تتزامن مع بداية عام ميلادي جديد، مناسبة اجتماعية بالدرجة الأولى. فهذا الاحتفال لا يرتبط بأي طقوس دينية خاصة في الإسلام ولا يلزم المسلمين بالمشاركة في أي عبادات أو شعائر تخالف العقيدة الإسلامية. الاحتفال بهذه المناسبة يمكن أن يُفهم من خلال كونه تذكيرًا بتداول الأيام والسنين، وهي نعمة من نعم الله على الإنسان تستدعي الشكر. من هنا، يرى الفقهاء أن المشاركة في احتفالات رأس السنة الميلادية بما يتضمنه من مظاهر فرح كتعليق الزينة والتهنئة لا يُعتبر محرمًا، بشرط ألا يكون هناك ارتباط بأي طقوس دينية أو ما يخالف الشريعة الإسلامية.
المقصد الديني من الاحتفال برأس السنة الميلادية
المقصد الديني: فهو يوافق مولد نبي من أنبياء الله تعالى وهو سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، ولمولده منزلة وقدسية خاصة في الإسلام؛ فإنه المولد المعجز الذي لا مثيل له في البشر؛ حيث خُلِقَ من أم بلا أب، قال تعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]، وقد صاحب مولدَه من الآيات الكونية والمعجزات الإلهية ما لم يتكرر في غيره؛ حتى ذكروا أن الله تعالى أجرى النهر في المحراب للسيدة البتول مريم عليها السلام، وأوجد لها التمر في الحال من جذعٍ يابس في الشتاء في غير وقت بدوِّ ثمره؛ كي يطمئن قلبها وتطيب نفسها وتَقَرَّ عينها، بعد ما ألجأها ألم الولادة والطلق إلى جذع النخلة تستند إليه وتستتر به، وبهذا يُرَدُّ على منكري الاحتفال بمولد سيدنا عيسى عليه السلام متعلِّلين بأنه في غير وقته؛ لأن بدوَّ التمر إنما يكون في الصيف وهو وقت تأبير النخل، لا في الشتاء، متناسين أن الإعجاز الإلهي قد احتف بهذا المولد المبارك المجيد في زمانه وأوانه، كما حف به في ملابساته وأحواله.
والفرح بيوم مولده المعجز هو أمر مندوب إليه؛ فإن القرآن الكريم قد خلّد ذِكْرَه بتفاصيله في سورة مريم، وأمر حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم بتذكُّرِه فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 16-33]، والمسلمون يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، وهم كما يفرحون بمولد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يفرحون بأيام ولادة الأنبياء والرسل أجمعين، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنهم أكبر نِعم الله تعالى على البشر، والأيام التي وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيامُ سلام وبركة على العالمين، وقد نص الله تعالى على ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيى عليه السلام: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 15]، وقال على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33].
المقصد الاجتماعي من الاحتفال
أما من الناحية الاجتماعية، فاحتفالات رأس السنة الميلادية توفر فرصة للتعايش بين المواطنين من مختلف الأديان والثقافات. حيث يُظهر الناس الفرح بمضي عام وحلول عام جديد، ويتبادلون التهاني والتبريكات. وقد رأى الفقهاء في هذه التهنئة والاحتفالات وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية وتعميق التعايش والتفاهم بين أفراد المجتمع، خاصة في البلدان متعددة الأديان والمعتقدات.
يمكن القول إن الاحتفال برأس السنة الميلادية بما يتضمنه من مظاهر فرح وتعليق للزينة، جائز شرعًا ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، شريطة ألا يتضمن الاحتفال أي طقوس دينية تتنافى مع العقيدة الإسلامية. من المهم أن تكون هذه الاحتفالات بعيدة عن أي ممارسات تخالف الشريعة، كما ينبغي أن يظل الهدف منها تعزيز الروابط الاجتماعية والوطنية دون المساس بالمبادئ الدينية.
تابع أحدث الأخبار عبر