تعدّ موارد الطاقة في شمال أفريقيا طوق نجاة إقليميًا ودوليًا؛ لما تتمتع به من إمكانات أحفورية ومتجددة تجعلها منطقة جاذبة للاستثمارات العالمية.
ومن المأمول أن تجذب المنطقة استثمارات على نطاق واسع؛ لتصبح في غضون سنوات قليلة مركزًا للطاقة وموردًا للإمدادات المتنوعة، وقبل ذلك تسهم في تعزيز أمن الطاقة وتلبية الطلب.
ووفق تحديث قطاع الطاقة الأفريقي لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تُطوّر دول شمال القارة عددًا من المشروعات الرائدة التي أحرزت خطوات مهمة تقرّبها من بدء الإنتاج.
وقد يؤدي استكمال مشروعات قطاع الطاقة في شمال أفريقيا، بوتيرة متسارعة، إلى مواكبة حجم الطلب الآخذ بالارتفاع، والانتقال إلى مرحلة التصدير إلى السوق الأوروبية، فضلًا عن دفع وتيرة الانتقال باتجاه الطاقة النظيفة والمستدامة.
تنوع موارد الطاقة في شمال أفريقيا
يحمل قطاع الطاقة في شمال أفريقيا في جعبته الكثير من الموارد المتنوعة، بدءًا من النفط والغاز حتى مصادر الطاقة المتجددة.
وهناك دول رئيسة في المنطقة كان لمشروعاتها بصمة بارزة، أبرزها: مصر، والجزائر، والمغرب.
وفي هذا التقرير، نستطلع ملامح أبرز هذه المشروعات وخطوات التطور حتى الآن، ومصادر التمويل المتاحة، وفرص التصدير المتاحة.
ومن بين الملامح: تطورات مشروعات الرياح والغاز والهيدروجين في مصر، ومشروعات الغاز والهيدروجين في الجزائر، ومشروعات الكهرباء والغاز والهيدروجين في المغرب، بحسب ما نشره موقع إنرجي كابيتال أند باور.
أولًا: تطورات مشروعات الطاقة في مصر
تعدّ مصر من الدول الرائدة بقطاع الطاقة في شمال أفريقيا، وشهدت الآونة الماضية إطلاق إشارة التطوير لمشروعات: رياح، وغاز، وهيدروجين.
1) مشروع رياح في السويس:
تطوّر مصر حاليًا مشروع رياح هو الأكبر من نوعه في البلاد، إذ تصل قدرته إلى 10 غيغاواط، وبحجم استثمارات 1.1 مليار دولار.
وتتولى شركة أكوا باور تطوير المشروع، بما يوفر الكهرباء النظيفة لنحو 11 مليون منزل، ويجنّب البلاد 25.5 مليون طن من الانبعاثات الكربونية.
وفي خضم أزمة نقص الغاز التي ضربت القاهرة خلال العام ونصف الأخير، يوفر مشروع الرياح للبلاد 6.5 مليار دولار سنويًا كانت موجهة للإنفاق على الغاز.
ومن جانب آخر، يدفع مشروع الرياح الواقع في محافظة السويس المصرية باتجاه تلبية أهداف الطاقة المتجددة، ما يعزز دور القاهرة لدعم قطاع الطاقة في شمال أفريقيا.
ويشكّل ذلك خطوة نحو رفع حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة المصري إلى 42% بحلول 2035.
وفي ديسمبر/كانون الأول الجاري، أمّنت القاهرة تمويلًا يصل إلى 170 مليون دولار من البنك الأفريقي للتنمية، لمشروع الرياح الذي يستوعب 120 ألف وظيفة على مدار مراحل تطويره.
2) مشروع الغاز في الصحراء الغربية:
تتبنى مصر مشروعًا يهدف لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي والتغلب على نقص الإمدادات المحلية التي اضطرت القاهرة للتوسع في الاستيراد مؤخرًا، إذ تطور مشروعًا أطلقت عليه (الصحراء الغربية 11) في مجمع يحمل الاسم ذاته.
ويشمل المشروع -الذي تصل تكلفته إلى 723 مليون دولار- تركيب منشأة معالجة بطاقة 600 ألف قدم مكعبة يوميًا، لتوفير إمدادات ثابتة من الغاز المسال ومشتقاته، سواء للاستهلاك المحلي أو صناعة البتروكيماويات.
3) تطورات مشروعات الهيدروجين:
تطور مصر عددًا من مشروعات الهيدروجين والأمونيا واسعة النطاق، بالتعاون مع شركات عالمية.
ومن بين أبرز المشروعات: مشروع الهيئة العامة لقناة السويس (SCZONE)، ومشروع السخنة التابع لمجموعة إيه سي إم إي (ACME).
ويشرح الإنفوغرافيك أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حوافز مشروعات الهيدروجين الأخضر المصرية:
ثانيًا: تطورات مشروعات الطاقة في الجزائر
تعدّ الجزائر أكبر منتج للغاز الطبيعي في أفريقيا، وأحد أبرز مصدّري الغاز المسال في القارة السمراء، وإلى جانب ذلك تستفيد من مواردها المتجددة في توسعة نطاق مشروعات الهيدروجين.
1) مشروع حقل غاز حاسي الرمل:
تهدف الجزائر إلى الاستفادة بأكبر قدر من مواردها في قطاع الغاز، بما يتماشى مع طموحاتها في زيادة الإنتاج المحلي والتصدير.
ويشمل ذلك توسعة حقل حاسي الرمل (أكبر حقول الغاز الجزائرية) في مرحلته الثالثة، التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وخلال التوسعة التي تكلّف 2.3 مليار دولار، تعزز شركة سوناطراك الحكومية الحقل بمرافق جديدة، من بينها: محطات ضغط، ووحدات تنقية، كما تعمل على إعادة تأهيل شبكات التجميع، وفتح المجال أمام خطوط معالجة جديدة.
ومن المقرر أن تنعكس تطورات الحقل على إنتاج الغاز الجزائري بحلول عام 2027، بما يدعم قدرة الجزائر الإقليمية والعالمية في القطاع، ويضمن ترسيخ أقدام قطاع الطاقة في شمال أفريقيا.
2) تطورات مشروعات الهيدروجين:
خطت الجزائر خطوات مهمة باتجاه تطوير مشروع محطة "أرزيو" التي تبلغ قدرتها 50 ميغاواط، بعدما نجحت في جذب الاستثمارات من بنك الائتمان وإعادة الإعمار الألماني.
ويهدف المشروع إلى إنتاج الهيدروجين وتصديره إلى أوروبا، بما يعزز مكانة الجزائر في سوق الوقود النظيف -أيضًا-، بعدما باتت علامة بارزة في سوق الغاز العالمية.
وتبحث سوناطراك دور الهيدروجين في صناعة الصلب الأخضر، بالتعاون مع مجموعة "توسيالي" التركية.
ويرصد الإنفوغرافيك أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز الأرقام في قطاع الطاقة الجزائري:
وتستعد الدولة الواقعة شمال أفريقيا إلى إطلاق 4 مشروعات (2 للهيدروجين الأخضر، و2 للأزرق) بحلول نهاية العام الجاري 2024، لاختبار إنتاج الهيدروجين.
وفي الوقت ذاته، تواصل الجزائر العمل مع الجانب الأوروبي بهدف التمهيد لتصدير الوقود النظيف إلى أسواق القارة العجوز، عبر دعم مشروع الممر الجنوبي (أو ممر الهيدروجين)، بالتنسيق مع الشركات الأوروبية.
ثالثًا: تطورات قطاع الطاقة في المغرب
يعدّ المغرب إحدى ركائز قطاع الطاقة في شمال أفريقيا، ويؤدي دورًا مهمًا بصفته مُصدّرًا للطاقة النظيفة، بالتوازي مع خطط تطوير الغاز.
1) مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا:
يشكّل مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا انعكاسًا لطموح الرباط، إذ يعدّ مشروعًا ضخمًا يستفيد من موارد الطاقة المتجددة في البلاد لإنتاج كهرباء نظيفة.
ويستهدف المشروع إنتاج 11.5 غيغاواط من مرافق وبنية المغرب التحتية (مشروعات الرياح والطاقة الشمسية)، لنقلها إلى المملكة المتحدة عبر خط تحت سطح البحر بطول 4 آلاف كيلومتر.
وبالإضافة لذلك، يضم المشروع المشترك بطاريات تخزين بقدرة 22.5 غيغاواط/ساعة لكل 5 غيغاواط.
وأمّنت شركة "إكس لينكس Xlinks" المطورة للمشروع تمويلًا بقيمة 14.1 مليون دولار من مؤسسة التمويل الأفريقية، و10.2 مليون دولار من شركة "جي إي فيرنوفا".
وفي ديسمبر/كانون الأول العام الماضي 2023، استحوذت شركة توتال إنرجي الفرنسية على حصة من "إكس لينكس" عبر استثمارات بقيمة 25 مليون دولار، بهدف توسيع وتيرة تطوير المشروع.
ومن المتوقع أن يسهم المشروع في تلبية الطلب المغربي المحلي، بالإضافة إلى تزويد 7 ملايين منزل بريطاني بالكهرباء النظيفة (ما يعادل 8% من الطلب في المملكة المتحدة).
2) تطورات الغاز في المغرب:
ما زال تطوير الغاز المغربي يواجه تحديات، سواء في الأصول البحرية أو مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري.
وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أحرز مشروع الأنبوب تقدمًا في دراسة التصميم الهندسي الأولي؛ ما يؤهله للانتقال إلى المرحلة التالية المتعلقة باختيار المواقع في البلدان المشاركة والاستحواذ على الأراضي المخصصة.
وتمسّكت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية الدكتورة ليلى بنعلي بمواصلة المشروع رغم التحديات، مشيرة إلى أنه "مشروع سياسي" يعكس دور قطاع الطاقة في شمال أفريقيا خاصة، والقارة عامة، خلال العقود المقبلة.
3) تطورات الهيدروجين في المغرب:
يؤسس المغرب لتطوير قطاع الهيدروجين، ويدعم ذلك بالدراسات والأبحاث، إذ حددت دراسة -صدرت مؤخرًا- المساحات المحتملة في الدولة الأفريقية لاحتضان مشروعات الهيدروجين الأخضر بنحو 7.26% من أراضي المملكة.
وقدّرت الدراسة تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في المغرب بما يتراوح بين 1.994 و2.882 دولارًا/كيلوغرام.
وينعش ذلك طموحات التصدير مرة أخرى، إذ سبق أن أكد مدير معهد البحث في الطاقة الشمسية المغربي، الدكتور سمير الرشيدي، أن بلاده تخطط لتصبح منتجًا رئيسًا للهيدروجين الأخضر عالميًا في غضون وقت قريب، حسب تصريحات سابقة له لمنصة الطاقة المتخصصة.
وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، وفر قطاع الهيدروجين الأخضر المغربي دعمًا ألمانيًا بقيمة 13.5 مليون يورو (14.03 مليون دولار أميركي).
*(اليورو = 1.04 دولارًا أميركيًا).
ومن المقرر أن يدعم التمويل إنشاء وتطوير منصة تهتم بالهيدروجين الأخضر وتطبيقاته، يُطلق عليها غرين إتش تو إيه (Green H2A).
وتَقدُّم استكشاف الهيدروجين الطبيعي في المغرب خطوة مهمة بعد توقيع صفقة بين شركة "جي تك" و"ساوند إنرجي"، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر: