أجمع المشاركون في خيمة الإبداع التي خصصت هذه السنة لتكريم الروائي والسياسي الاتحادي السابق محمد الأشعري، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، على أهمية إسهامات الرجل الأدبية والإبداعية في المشهد الثقافي المغربي، بل والعربي أيضا، من خلال كتاباته في أنماط السرد المختلفة، رواية وقصة، فضلا عن الكتابة الشعرية.
وفي إطار الاحتفالية التي حضرها نخبة من النقاد والباحثين قال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، إن خيمة الإبداع في الدورة الخامسة والأربعين من موسم أصيلة “احتفاء بأعمال وسيرة أديب لامع وصحافي مقتدر هو محمد الأشعري الذي جاء إلى الصحافة من العمل الثقافي، وجاء من بوابة السياسة إلى العمل الحكومي”.
وتحدث بن عيسى في كلمته التقديمية عن المسؤوليات المشتركة التي نسجت علائق أدبية وإنسانية بينه وبين الأشعري، من خلال العمل في الساحة الثقافية من موقع المجتمع المدني التطوعي؛ ثم من موقع المسؤولية السياسية.
وذهب الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة في حديثه عن شخصية المحتفى به إلى أنه جمع من كل فن طرفا، فهو “شاعر ومبدع وروائي وقاص وكاتب صحافي تفرد بأسلوبه في عموده الشهير ‘عين العقل’ بجريدة الاتحاد الاشتراكي”.
من جهته قال عبد الإله التهاني، الإعلامي ومنسق خيمة الإبداع، إن الأشعري يمثل “حالة فكرية خاصة، كما هو شأن أسماء قليلة ووازنة في الساحة الثقافية والسياسية بالمغرب”، مؤكدا أنه “اجتمع فيه من المواصفات ما لا يتحقق إلا نادرا في الساحة الأدبية”.
وأضاف التهاني أن الأشعري انطلاقا من هذه الميزات “استطاع أن يوجد لنفسه إقامة في عدة خيمات، وأن يصنع لنفسه عدة ألقاب؛ إنه أديب بأوجه متعددة، ومبدع في عدة أجناس من الكتابة دشن مساره بالإبداع في الشعر، وتحديدا في قصيدة النثر التي ظهرت في الأدب المغربي الحديث، على يد ثلة من شعراء سبعينيات القرن الماضي”.
أما الناقد والباحث الأكاديمي عبد الفتاح لحجمري فقارب في مداخلة بالمناسبة الأشعري من خلال اقترابه من عوالم النص المسرحي الذي أصدره، ضمن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة (السلسلة رقم 73/ الطبعة الأولى 2024)، تحت عنوان “شكون أنت”.
وأفاد لحجمري بأن المسرحية تستلهم أحداثها من الرسالة المفتوحة التي وجهها الصحافي خالد الجامعي إلى وزير الداخلية إدريس البصري، ونشرتها صحيفة “لوبنيون” باللغة الفرنسية بتاريخ 22 نوفمبر 1993، حيث كتب الجامعي، متحديًا الوزير بكل إصرار وجرأة: “إن التنازلات الصغيرة تتحول في مع مرور الوقت إلى تنازلات كبرى، كما أن الخوف والمخاوف الصغيرة تتحول مع مرور الوقت إلى خنوع واستسلام. إن ما يتغذى عليه الشطط في استخدام السلطة هو خوفنا وخنوعنا اليومي”.
وزاد الأكاديمي ذاته أن شخصيات مسرحية “شكون أنت” تستوحي بعض مواقفها من أصداء عبارة خالد الجامعي؛ “ما يضعنا أمام نص مسرحي يتناول بشكل مباشر العلاقة بين الأدب والسياسة، وهي معادلة كانت محورًا للعديد من الدراسات والأبحاث”.
وأشار لحجمري إلى أن مسرحية محمد الأشعري “شكون أنت” تمثل “رحلة فكرية تغوص في خبايا السلطة وتكشف عن تعقيدات شخصية رمسيس، المنقسمة بين رمسيس الأول ورمسيس الثاني، إلى جانب حضور شخصيتي مايا والمؤلف، ما يضفي على العمل بعداً رمزياً يثريه بتعدد الرؤى والصراعات الداخلية”.
من جهته قدم الناقد والباحث في اللغة والثقافة عبد الحميد عقار قراءة في رواية “جنوب الروح”، التي عدها مع نصوص روائية قليلة صدرت خلال التسعينيات “تدشن بداية لحظة تحولية أخرى في مسار الرواية العربية؛ فالمعنى والشكل لا يقصي أحدهما الآخر، والتجريب الشكلي لا يحضر في الرواية باعتباره غايةً في ذاته ولذاته، وتبلور المعنى لا يتم في عزلة عن الوسائط الجمالية لإنتاجه”.
وأشار عقار إلى أن بناء الرواية في “جنوب الروح” ونسيجها يصدران عن “توازن خلاق ومتحرك بين الاشتغال على جماليات الشكل الروائي والانبجاس التدريجي للمعنى واحتمالاته”، مبرزا أنه “لذلك تبدو هذه الرواية بمثابة ضفيرة، يتشابك فيها تشخيص الانفجار الرمزي للفضاءات والكائنات والحكايات بالاستدعاء الأدبي لفضاءات أخرى بديلة، فضاءات الحكايا والصور والرؤى والأحلام والدعابات، والتَّوارُدَات الربانية ومحاورة الموتى، باختصار فضاءات الكتابة”.
وخلص الناقد ذاته إلى أن الكتابة الروائية في “جنوب الروح”، تتأسس بوصفها “نشاطاً لعبياً شهوياً، موصولاً بالسؤال المعرفي، سؤال الوجود أو الكينونة؛ كتابة تعي وتؤسس لتحررها الجمالي والمعرفي من وهمي الشكل الأجوف أو المضمون الممتلئ”.
وأجمع المتدخلون في التظاهرة على أهمية الإرث الثقافي والإبداعي الذي يميز أعمال الأشعري، التي يتقاطع فيها النضال بالسياسة والأدب، وتحمل كلها شيئا من هذه الثنائية التي لازمت مساره السياسي والأدبي الحافل.