تعيش المجموعات البنكية ضغطا متزايدا بسبب تفاقم مخزون القروض المتعثرة، التي تجاوزت 98 مليار درهم، أي ما يمثل 7% من الناتج الداخلي الخام. وهو الوضع الذي ساهم في بروز فرص جديدة لأنشطة مالية غير تقليدية، مثل التحصيل والتخصيم (Factoring)، التي أصبحت تجذب المستثمرين رغم التحديات القانونية والتنظيمية المحيطة بها. ووفقا لإحصائيات بنك المغرب، شهدت القروض معلقة الأداء زيادة بنسبة 6.7 في المائة، حيث تمركز أغلبها في المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش.
هذا الوضع خلق تحديات كبرى للبنوك التي تواجه صعوبة في استرداد مستحقاتها، ما جعلها تلجأ بشكل متزايد إلى شركات تقدم خدمتي التحصيل والتخصيم كحلول بديلة، علما أن الخدمة الثانية لا تقف عند حدود اختصاص استرجاع مبالغ القروض من الزبائن المتعسرين كما هو الحال في الأولى، حيث ترتكز على بيع الفواتير المستحقة لطرف ثالث مقابل تمويل فوري، وبالتالي توفر خيارا جذابا للمقاولات، خصوصا الصغيرة والمتوسطة، وتساعدها على تحسين سيولتها النقدية وتقليل المخاطر المالية المرتبطة بتوقف الزبائن عن الأداء.
وانتعشت خدمات التحصيل والتخصيم بتوافر مجموعة من الظروف، أبرزها استمرار تأخر إخراج مشروع قانون السوق الثانوية للقروض المتعثرة، الذي يشرف عليه بنك المغرب بدعم من البنك الدولي، إلى الوجود، إذ يعد خطوة واعدة نحو تخفيف العبء عن البنوك وتعزيز الاستقرار، باعتبار أن هذه السوق ستسمح للمؤسسات الائتمانية الدائنة بتفويت ديونها المتعثرة لشركات متخصصة، ما سيحسن من مرونة النظام المالي وقدرته على تمويل الاقتصاد، ويقلص مخاطر القروض معلقة الأداء.
أرباح واعدة عن الديون المتعثرة
في الوقت الذي يتزايد قلق بنك المغرب بشأن ارتفاع مستوى القروض المتعثرة لدى البنوك، التي تضاعفت خلال عشر سنوات الماضية، لتتجاوز 98 مليار درهم، أي ما نسبته 8.6 في المائة من إجمالي القروض الموزعة، انتعشت مجالات تجارية موازية استفادت من هذا الوضع، يتعلق الأمر بنشاط التمويل بالفواتير أو التخصيم، وكذا التحصيل عبر وكالات ومكاتب خاصة، إذ تزايد الإقبال عليها من قبل البنوك وشركات القروض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المستثمرين، رغم الجدل القانوني الذي يرافق هذا النوع من الأنشطة، خصوصا ما يتعلق بحماية المستهلك ومخاطر خرق معطياته الشخصية.
وأوضح مراد درباوي، مستشار في الحلول التمويلية والتحصيل، في تصريح لهسبريس، أن “المعطيات الحديثة تشير إلى أن تصاعد القروض المتعثرة في القطاع البنكي المغربي، الذي بلغ مستويات مقلقة تجاوزت 8.6 في المائة من إجمالي القروض الموزعة، يكشف عن تحديات عميقة تتعلق بجودة الأصول البنكية وتدبير المخاطر”، مؤكدا أن هذه الوضعية تفرض على البنوك إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بمنح القروض، مع تعزيز آليات الإنذار المبكر للكشف عن المؤشرات التي تنبئ بتعثر السداد، منبها في المقابل إلى بروز أنشطة اقتصادية موازية، مثل التخصيم والتحصيل، كبدائل مربحة للبنوك والمؤسسات المالية، وهو ما يعكس رغبة السوق في إيجاد حلول مبتكرة لإدارة الديون المتعثرة.
وشدد درباوي على أهمية الاستفادة من التجارب الدولية في هذا السياق، موضحا أن “في إسبانيا، تم اعتماد إطار قانوني متكامل ينظم عمليات تحصيل الديون ويضمن حقوق الأطراف المعنية. كما نجحت إيطاليا في تعزيز أنشطة التخصيم من خلال شراكات استراتيجية بين البنوك والمؤسسات المتخصصة، مع التركيز على حماية البيانات وضمان الامتثال للقوانين الأوروبية المتعلقة بحماية المستهلك”، مشيرا إلى أن هذه الأنشطة في المغرب يمكن أن تشكل فرصة مهمة لجذب استثمارات محلية وأجنبية، خاصة إذا تم تنظيم السوق بشكل جيد واعتماد معايير صارمة للشفافية وحماية الحقوق، معتبرا أن تعزيز الابتكار المالي لتقديم حلول أكثر مرونة للبنوك والزبائن المتعسرين قد يساهم في تقليل الضغط على القطاع المالي وتحقيق استقرار أكبر للنظام البنكي.
حلول لتقليص مديونية المقاولات
بلغت مديونية المقاولات الخاصة مستويات قياسية منذ تفشيي جائحة “كورونا”، إذ تجاوزت 603 مليارات درهم، الأمر الذي فرض عليها البحث عن حلول تمويلية لغاية توفير السيولة وتغطية استثماراتها من أجل تحسين ملاءتها المالية والوفاء بالتزاماتها تجاه الجهات الدائنة، على رأسها البنوك، قبل أن تتعدد عروض شركات التخصيم، التي أصبحت تنشط في شراء فواتير المقاولات الدائنة مقابل تمويلات فورية، وتحصيل عمولات عن استثمارها وصرفها فيما بعد، إضافة إلى تنوع عروض شركات التحصيل بعمولات تنافسية مغرية، يمكن المراهنة عليها من قبل المقاولات، خصوصا المتوسطة والكبرى، لتقليص مديونيتها.
وأفاد سليم شهابي، مستشار مالي وبنكي ببورصة الدار البيضاء، بأن ارتفاع مديونية المقاولات الخاصة إلى مستويات قياسية بات يشكل تحديا هيكليا يهدد استدامة النشاط الاقتصادي ويفرض على هذه المقاولات البحث عن حلول تمويلية مبتكرة للتخفيف من الأعباء المالية وتحقيق الاستقرار المالي، مؤكدا أن الحلول المتاحة حاليا في السوق توفر إمكانيات هامة لتحسين التدفقات النقدية وتقليل الاعتماد على القروض التقليدية، موضحا، في تصريح لهسبريس، أن “شركات التخصيم تقدم آلية فعالة للمقاولات، إذ تتيح بيع الفواتير المستحقة للحصول على سيولة فورية. هذا الحل يخفف من الضغط على رأس المال العامل، خاصة في القطاعات التي تعتمد على فترات استحقاق طويلة، مثل الصناعة والتجارة”، مضيفا أن “هذه الآلية تساعد المقاولات على الوفاء بالتزاماتها تجاه الموردين والدائنين دون الحاجة إلى تحمل ديون إضافية”.
وتابع شهابي في السياق ذاته بأن “شركات تحصيل الديون أصبحت تلعب دورا استراتيجيا في دعم استقرار المقاولات، إذ تسهل هذه الشركات، من خلال عمولات تنافسية، استرداد المستحقات المالية المتأخرة، وهو ما يعزز التدفقات النقدية، ويجنب الشركات التعثر المالي أو الوقوع في أزمات سيولة”، منوها بالمبادرات التي أطلقها بنك المغرب لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، خاصة برامج إعادة تمويل القروض بشروط ميسرة، معتبرا هذه البرامج فرصة لتخفيف الضغط على التدفقات النقدية للمقاولات وتحسين قدرتها على الاستثمار والنمو، ما يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني بشكل عام، مشددا فيما يتعلق بالحلول طويلة الأمد على أهمية تبني المقاولات لاستراتيجيات مالية قائمة على التخطيط الدقيق وتحليل المخاطر، باعتبار أن الشركات مطالبة بالموازنة بين تقليص الديون وزيادة استثماراتها في مجالات النمو المستدام، مثل التكنولوجيا والابتكار.