نجح العراب دونالد ترامب انتخابيا للمرة الثانية. يحمل العراب فلسفة المقاتل طارزان، دم متحمس ومزاج متقد ونرعة للهيمنة وصفر نقد ذاتي في الغابة. بترميم عبادة القوة يساهم العراب في إعادة خلق وشحن طاقة الشجار التنافسي الذي ضعف في زمن البطة العرجاء (لقب جون بايدن في الإعلام الأمريكي).
كان الصقر البطل الخارق ومازال أكثر نجاحا على الشاشة من البطة العرجاء. الجوكر (للمخرج تود فيليبس 2024) الغارق في النقد الذاتي والمهزوم الذي يحطم مجده لا ينجح حاليا في القاعات مثلما نجح الجوكر (2019) الذي استخدم المسدس لتأديب الإعلامي الساخر.
منجز غير مسبوق
يتربع العراب حاليا على قمة السردية الكونية، صورته حاضرة في واجهة كل وسائل الإعلام في كل دول العالم التي تنتظر منه هدية أو مصيبة. هذا يقلق مروجي إشاعة انهيار أمريكا.
تروج التغطية الإعلامية لرعب مجهول قادم يستنسخ تشابهات مع الرئيسة الأمريكية المُتخصصة في تخدير الشعب لتريح ماسكي السلطة ومالكي رؤوس الأموال. (أداء الشقراء ميريل ستريب) في فيلم “لا تنظر إلى الأعلى” (2021، إخراج آدم ماكاي).
كشفت عودة العراب منجزات وتناقضات. لنقارن:
عرّف أرسطو الإنسان بأنه “حيوان سياسي”. العراب مثال حي لأنه يتواصل جيدا مع زعيمي روسيا وكوريا الشمالية. الصقور تعرف بعضها. خصب العراب تاريخ الفكر السياسي، صنع تشويق الأخبار السياسية. مثلا: أنصار الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسنارو سعداء بفوز قدوتهم.
سيطر العراب والشاب إيلون ماسك على العالم. أية أوليغارشية كريهة ذكورية متعالية؟… في كل مكان يقف العراب يحركه حافز واحد: كيف سيجند من سيخدم مشروعه.
عمليا يرى العراب كل من حوله بيدقا يمكن أن يخدمه. لهذه الحقيقة عمق تاريخي وامتداد مستقبلي.
في زمن العراب سيكون أمثال إيلون ماسك بخير، ستتضاعف أرباح شركات التكنولوجيا. إذا كان إكس (تويتر) وفايسبوك سعيدان فمن سيهتم برأيي أنا؟.
ماسك عبقري بدليل “عودة إلى الفضاء”، وثائقي إخباري كثيف. من فرط المعلومات حول العبقري لم تحتج المخرج أي حيلة أسلوبية لملء الفراغ طيلة ساعتين من فيلم “العودة إلى الفضاء” 2022 Return To Space من إخراج كل من إليزابيت شي وجيمي شين.
العراب هو رجل الأعمال وقطب العقار. العقار رمز الاقتصاد. رجل الأعمال هو من يفهم في السوق المعولم وينتقي حاشية منسجمة تقدس هذا التوجه. من يكره الانسجام؟.
كشف العراب أنه سيعلن حربا تجارية على الخارج لتخفيف العجز التجاري، وأنه سيخفف الضرائب في الداخل. من هو الشعب الذي لا يحلم بهذا؟.
تناقضات الأصدقاء والخصوم تقوي العراب
عالميا طبول جديدة تقرع. هل كان العالم أفضل من دون الصقر العراب عام 2024؟ لا.
أبدا.
العراب متبجح ولا أخلاقي؟ وأين هو الزعيم السياسي الملاك؟.
خسرت كمالا هاريس بسبب الجندر واللون وحركة مي تو (#MeToo)؟ وكيف حال النساء في مختلف العالم؟ ألا تثبت النتيجة حقيقة قائمة؟ في عهد العراب ستحل عائلة العراب (الأب الجيد؟) محل الدولة والسوق؟ وهل هذا جديد في بلدك يا قارئي؟.
إن مقارنة الأنظمة السياسية أكثر تقدما من مقارنة الآداب، لنرى:
سيغلق العراب الحدود الأمريكية؟ وما تفعل أوروبا؟ ألم تنسحب إنجلترا من الاتحاد الأوروبي لكي تحصن حدودها؟.
كيف لإيطاليا التي تقودها جورجا ميلوني وفرنسا التي يلمع فيها جودران بارديلا أن تقلقا من العراب؟ بسيطة، الناقة لا ترى سنامها. اليمين الرجعي يمسك بالمقود في كل مكان، فما الجديد؟.
خبر: تعشت جورجا ميلوني مع إيلون ماسك. شعبوية وفوضوية؟ ذكورية؟ من يصدق جريدة نيويورك تايمز التقدمية لا يفهم العالم… تنشر أخبارا سيئة عن العراب قبل تنصيبه. صار للجريدة خط تحريري حزين بسبب نهاية اليوتوبيا.
هنا في الدار البيضاء يكون المغرب بخير حين يكون الرئيس المقيم في البيت الأبيض جمهوريا… في المغرب الناس سعداء بعودة العراب، صديق المغرب إذن عدو الجزائر. ظهر العراب رفقة الملك الحسن الثاني في 1994 ومع الملك محمد السادس في 2018، بل وظهر مع ولي العهد الأمير الحسن. هذا يحدد الاتجاه.
أعضاء حلف الناتو قلقون من تدخل أمريكا؟ أعضاء حلف الناتو قلقون من سحب العراب جنوده من أوروبا فتبقى عارية أمام روسيا؟ ها، يستعد العراب ليقطف ثمار القوة. يشتكون من البطة ومن الصقر؟ هؤلاء الذين يرفضون العراب هل يقترحون زعيم بلدهم ليحل محله؟
حكى إيسوب الحكيم أن شعب الضفادع كان يختار ملكا، وكل ملك جاءه لم تتقبله الضفادع حتى جاء من يفترسها.
جدد العراب ديناميكية الحقل السياسي العالمي. نفسيا، سيحسن العراب من سيناريوهات السياسة العالمية، سيعدل الخطاطة السردية التي وضعتها البطة العرجاء… سيكون التطور الدرامي مشوقا. مثلا: فوز العراب يرفع قيمة البيتكوين ويعيد القرن الإفريقي لواجهة الإعلام العالمي، ويمحو جزيرة القرم ويعد بوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط.
حسب مونتيسكيو “عدم المساواة وعلاقات الإنتاج هما محركا التاريخ”، حسب جورج بالاندييه في “الأنثروبولوجية السياسية” ص 22. هل جاء العراب بجديد أم كشف المستور السائد؟.
نجح العراب للمرة الثانية. من أين نبعت فرضية أن العالم سيصير أسوأ بسبب العراب؟.
لم يأت العراب الغوغستير بجديد.
تكمن عظمة العراب في أنه يذكر العالم بحقيقته. سبق لطفل أن تكلم وقال إن العالم جائع وعار.
وصل العراب إلى البيت الأبيض، لا داعي للتسرع، حين تختلط الأوراق يستحسن الإصغاء لحكمة الحكايات. ينظر الناس للأمور من خلال خواتمها. لا يحق لمن تربى في ثقافة وممارسة سياسية شعارها “من اشتدّت وطأته وجبت طاعته” أن يقلق من رئيس منتخب ديمقراطيا.
خرج العراب حيا بيد مرفوعة وبأغلبية مطلقة. حذر هنري كيسنجر من هوس الاحتفاظ بكل تيارات الرأي العام بدل أغلبية تتخذ القرارات وتنفذها. بنيت فلسفة الرفيق ماو تسي تونغ على المهم ليس لون القط بل أن يأكل الفئران.
براغماتيا العالم بحاجة إلى العراب لتمرير الصفقات، لذا انتخبته أمريكا. كثيرون سيبلعون الضفادع: أيهما أفضل للرئيس زيلينسكي نسيان جزيرة القرم أم استمرار الحرب الروسية ضد أوكرانيا؟.
شرق أوسطيا: سيشرف العراب على وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، سيبدو بطل سلام، وستترك مجازر ما بعد 7-10-2023 ندوبا في مخيلة أبناء المنطقة لمدة قرن.
وستقول الصحف تم وقف الحرب في فلسطين ولبنان بفضل العراب.
ستتوقف الحرب ولكن بعد ماذا؟.