أثار ما تناقلته وسائل إعلام مغاربية حول توجه تونس إلى إعادة فتح ملف ترسيم الحدود مع ليبيا، بناءً على تصريحات لوزير الدفاع التونسي، خالد السهيلي، خلال جلسة استماع داخل البرلمان، أكد من خلالها حرص بلاده على “حماية سيادتها وعدم التفريط في شبر من أراضيها”، وتشكيل لجنة لترسيم الحدود بين البلدين، حفيظة الأطراف الليبية، إذ اعتبرت وزارة خارجية حكومة الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة أن “ملف ترسيم الحدود التونسية أُغلق بشكل كامل منذ أكثر من عقد من الزمن، وهو غير مطروح للنقاش أو إعادة النظر فيه”.
من جهته رفض مجلس النواب في الشرق الليبي إعادة فتح هذا الملف، إذ حذر طلال الميهوب، رئيس لجنة الأمن القومي بالمجلس، في تصريحات إعلامية، من المساس بالوضع الحالي للحدود المرسمة بين البلدين، مستنكرًا تصريحات وزير الدفاع التونسي التي اعتبرها “غير مسؤولة”، ومشيرًا في الوقت ذاته إلى أن مجلس النواب سيناقش هذه التصريحات خلال جلسته القادمة.
ورغم مسارعة تونس في شخص سفيرها المعتمد في ليبيا، أسعد العجيلي، إلى احتواء هذه “الأزمة”، إذ أشار إلى أن وسائل الإعلام لم تنقل بدقة تصريح وزير الدفاع التونسي، إلا أن مهتمين اعتبروا أن بروز هذا الخلاف وخروجه إلى العلن يؤشر على غياب تنسيق ثنائي حقيقي بين البلدين لمعالجة قضايا جوهرية من هذا النوع، وهو ما يثير، حسبهم، سؤال الجدوى من “التكتل المغاربي الثلاثي” الذي روجت له الجزائر، ويفضح حقيقة الأهداف من وراء الإعلان عن هذا التكتل البديل للاتحاد المغاربي بصيغته الخماسية.
في هذا الإطار قال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن “مشروع الاتحاد المغاربي الثلاثي الذي أطلقه النظام الجزائري، بهدف عزل المغرب بالدرجة الأولى عن محيطه الإقليمي، وُلِد في الأصل ميتًا، بحكم أنه لا يجسد إرادة شعوب هذه الدول وإنما يجسد إرادة حكامها الذين يواجهون مشاكل داخلية وخارجية لم تعد خافية، بدءًا بالجزائر المعروف وضعها، ثم تونس التي سقطت في الديكتاتورية، وأخيرًا ليبيا التي تنشط فيها حكومتان وجيشان”.
وأضاف بن زهرة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الخلاف التونسي-الليبي حول قضايا الحدود يكشف من جهة عن وجود هوة كبيرة بين رؤى البلدين في معالجة مثل هذه القضايا، كما يكشف من جهة أخرى أن ما تُسمى اللقاءات التشاورية المغاربية التي روَّج لها النظام الجزائري لم تكن ذات أهداف واضحة، وإنما كانت من أجل التقاط الصور وإعطاء الانطباع بأن النظام في الجزائر لا يعاني من عزلة إقليمية، خاصة في ظل تفاقم أزماته مع مسؤولي جميع دول المنطقة، بما يشمل خليفة حفتر الذي يحكم الشرق الليبي”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “بروز هذا الخلاف إلى العلن يؤكد زيف ما رُوِّج له خلال اللقاءات التشاورية بشأن التوصل إلى توافقات في عدد من القضايا الأمنية والاقتصادية، إذ كان من المفترض حل هذا الخلاف على مستوى هذا التكتل البديل إذا ما كان بالفعل قائمًا”، مشددًا على أن “الجزائر وتونس وليبيا، بما تعانيه من أزمات هيكلية، سواء على مستوى الحكم أو الاقتصاد، لا يمكنها الدخول في أي تكتل ثلاثي بالنظر إلى حجم القضايا الخلافية بينها”، وزاد: “ثم إن أي تكتل بديل للاتحاد المغاربي محكوم عليه بالفشل ولا يمكن أن يكون إلا قوقعة فارغة يراد منها توجيه رسائل مبطنة إلى المغرب”.
من جهته أورد محمد عطيف، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن “المشاكل والخلافات الحدودية بين تونس وليبيا ظلت قائمة رغم وجود اتفاقيات ثنائية، وحتى مع تدخل القضاء الدولي من خلال محكمة العدل الدولية، على غرار الخلاف حول حقل البوري النفطي في البحر الأبيض المتوسط”، مشيرًا إلى أن “بروز هذا الخلاف من جديد يؤكد وجود صراع خفي بين البلدين”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “الرئيس التونسي سبق أن أثار إشكالية ترسيم الحدود، خاصة البحرية، مع ليبيا، التي ترفض إعادة فتح ملف الحدود مع تونس لأنها ترى أن الأمر يشكل استفزازًا بالنسبة لها، ومحاولة لاستغلال الوضع السياسي الداخلي الذي تعيشه وحالة الانقسام من أجل التمرد على الاتفاقيات الحدودية والاستحواذ على ثرواتها”، مشيرًا إلى أن “تصريح وزير الدفاع التونسي يؤكد وجود توجه في تونس لإعادة فتح هذا الملف، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية تصاعد التوتر مع ليبيا وتدخل القضاء الدولي من جديد في هذا الملف”.
وأكد المصرح لهسبريس أن “إعادة التداول في ملف الحدود الحسَّاس جدًا، خاصة بالنسبة لليبيا، يؤشر على تباين مواقف البلدين حيال هذا الأمر، ويؤكد غياب أي تنسيق أو إطار ثنائي للتداول في مثل هذه القضايا بين البلدين بعيدًا عن أضواء الإعلام، عكس ما رُوِّجت له المبادرة التقسيمية التي طرحتها الجزائر مؤخرًا في المنطقة”.
وأضاف عطيف أن “الدول التي قبلت الانخراط في هذه المبادرة المشبوهة التي تحاول إقصاء الرباط ونواكشوط تعيش في مثلث حدودي حساس ومليء بالتحديات المختلفة بالنسبة لكل دولة، ما ينعكس حتمًا على تنسيقها وعلى طبيعة الحلول التي تقترحها؛ وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن التنسيق الثلاثي يبقى شكليًا لأنه يتجاوز مجموعة من المعطيات التاريخية والجيو-سياسية التي يشكل استحضارها عاملاً أساسيًا في نجاح أو فشل أي تكتل مفترض”.