رغم أنها وردت ضمن التدابير الرئيسية البارزة في التقرير المتعلق بـ”تنفيذ الميزانية والتأطير الماكرو اقتصادي لثلاث سنوات قادمة”، الذي كان استبق إصدار مشروع قانون المالية للسنة المالية 2025، لم يتضمن الأخير أيّ تعبير صريح عن “إطلاق ضريبة الكربون من أجل ملاءمة النظام الضريبي مع التحديات المناخية، من خلال اعتماد نظام ضريبي أخضر”؛ وهو توجُّه “مازال مَحطَّ مناقشات مطولة جارية بين المديرية العامة للضرائب وباقي الأطراف المعنية بالموضوع والفاعلة فيه، خصوصا شركات القطاع الصناعي واتحاد مقاولات القطاع الخاص بالمغرب”، وفق ما كان أفاد به مصدر من وزارة المالية هسبريس في وقت سابق.
وبالاطلاع المعمّق على “التقرير الاقتصادي والمالي” (النسخة الفرنسية) المُرفق بمشروع قانون مالية السنة 2025 يتبيّن أن الإشارة إلى ضريبة الكربون حضرت ضمن ثنايا التقرير الذي تصدره وزارة الاقتصاد والمالية، في الفصل الرابع الذي ركز على “مسارات تحوّل الاقتصاد الوطني”، وبالتحديد عند التطرق إلى مسألة “التحديات والرهانات التي تواجه آلية تعديل الكربون على الحدود” (المعروفة اختصارا بـ MACF)، التي تمر حاليًا بـ “فترة انتقالية من المفترض أن تنتهي متم دجنبر 2025”.
وأشار التقرير الرسمي ذاته إلى أنه “يَجب على المصدّرين المغاربة العملُ مع شركائهم الأوروبيين على التسجيل اعتبارًا من العام المقبل لتجنب أي قيود محتملة على الوصول إلى السوق الأوروبية”.
وباعتبار تكتل دول الاتحاد الأوروبي “الوجهة الرئيسية لصادرات المغرب” (65 %) تتوقع وزارة الاقتصاد والمالية المغربية أنه “مِنَ المُرجح أن يكون لفرض ضريبة الكربون تأثير على صادرات المملكة، لكنها توفر أيضًا فرصًا مثيرة للاهتمام لتطوير الميزة التنافسية للإنتاج الصناعي الأخضر”.
“سيتعيَّن على المصدرين المغاربة المتأثرين بضريبة الكربون أن يدفعوا الضريبة، محسوبة على أساس سعر الكربون الذي حدّده مخطط الاتحاد الأوروبي لتبادل الانبعاثات. وتجدر الإشارة إلى أن هذا السعر عام 2024 تفاوت بين 80 و100 يورو للطن الواحد من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما قد يمثل عبئًا ماليًا كبيرًا من المرجح أن يحد من القدرة التنافسية للمنتجات المغربية”، يضيف المصدر ذاته.
وتشير تقديرات الباحثين والخبراء إلى أنه “خلال مرحلته الأولية يمكن أن تَفرض الآلية الأوروبية للحد من انبعاثات الكربون فاتورة كربون سنوية على المُصدّرين المغاربة تتراوح بين 20 و34 مليون دولار أمريكي، وذلك وفقاً لأسعار الكربون التي تتراوح بين 60 دولارا أمريكيا للطن من ثاني أكسيد الكربون و100 دولار أمريكي/طن من ثاني أكسيد الكربون”.
ولفت التقرير الاقتصادي المرفق بمشروع ميزانية 2025 إلى أنه “من المُحتمل أن تزداد هذه الفاتورة بشكل كبير مع الإدراج المرتقب لمنتجات أخرى تمثل نسبة كبيرة من إجمالي الصادرات الوطنية إلى السوق الأوروبية؛ مثل المنسوجات والملابس والمنتجات الزراعية–الغذائية”، وزاد: “ينبغي ألا تقتصر الجهود الجارية لإزالة الكربون من الصناعة الوطنية على التخفيف من هذا التأثير المحتمل فحسب، بل يجب أن تعزز أيضًا القدرة التنافسية الخضراء لشركاتنا الصناعية في السوق الأوروبية، حيث يمثل احترام البيئة أولوية مؤكَّدة”.
وتعد طموحات القطاع الصناعي المغربي للانتقال إلى الإنتاج الأخضر والمستدام “واعدة”، وفق توصيف السلطات الحكومية المغربية، إذ “تهدف إلى تقليل المُدخَلات (المواد الخام والطاقة والمياه)، وزيادة استخدام الطاقات المتجددة للكهرباء والحرارة إلى أقصى حد، وتعزيز الاقتصاد الدائري لإدارة النفايات”.
“زيادة التكاليف على المُصنّعين”
يرى محمادي راشدي اليعقوبي، أستاذ جامعي مختص في الشؤون الجبائية والضريبية، أن “التدبير الجديد المتعلق بضريبة الكربون وباقي التدابير المتعلقة بتشجيع الشركات على زيادة استثماراتها البيئية يمكن أن يؤدّي إلى زيادة التكاليف على الشركات التي تنبعث منها الكثير من الغازات الدفيئة أو الملوّثة، أبرزها ثاني أكسيد الكربون”.
وتابع الخبير المالي ذاته شارحا لجريدة هسبريس الإلكترونية بأنه “يجب تأكيد أن هذه الاستثمارات الخضراء/البيئية ستُحفز على المدى الطويل الابتكار وتطوير المنتجات والخدمات ذات التأثير البيئي والإيكولوجي المنخفض، التي يمكن أن تساهم في النمو الاقتصادي مع تقليل البصمة الكربونية الإجمالية لقطاع الصناعة”.
“لا توجد في المغرب ضريبة على الكربون بالمعنى الدقيق للكلمة، ولا نظام لتداول حقوق انبعاث ثاني أكسيد الكربون”، يرصد اليعقوبي، مستدركا: “مع ذلك فالمغرب يفرض ضرائب على الطاقة، بما في ذلك الرسوم الجمركية على الفحم وزيت الوقود والديزل (الغازوال) والبنزين وغاز البترول المسال والغاز الطبيعي؛ فضلا عن الرسوم الانتقائية على الاستهلاك السكني والتجاري والعام للطاقة الكهربائية”.
واستحضر الخبير الاقتصادي ذاته أن “الدولة مازالت تقوم بتعويض مستوردي غاز البترول المسال ومراكز التعبئة المرخَص لها من خلال دفع مبلغ يعادل الفرق بين سعر الاستيراد والسعر التنظيمي، بالإضافة إلى تعويض تكاليف النقل”.
“البحث عن التوافق”
من جانبه أكد بوزيان دعباجي، أستاذ المالية العمومية بكلية الاقتصاد (جامعة مكناس)، أن “استعداد المغرب بتوجهاته الرسمية نحو إقرار ضريبة للكربون يندرج بشكل راسخ في إطار دعم ما تعرف بـ’المالية الخضراء la finance verte’ عبر فرض رسوم التضريب على الكربون، وربط الرهانات البيئية المناخية بالتوازنات المالية من حيث توفير هوامش تمويل مبتكرة لفائدة الميزانية العامة”، وهو ما يتطلب “سياسة متكاملة” وفق تعبيره.
وبالنسبة لملاءمة الاقتصاد المغربي وصادراته مع “آلية تعديل الكربون” قال أستاذ الاقتصاد عينه، في تصريح لهسبريس، إنها “إجراء مفروض في الاتحاد الأوروبي وسيدخل حيز العمل رسميا بداية عام 2026″، معتبرا أن الإشارة الرسمية الواضحة في التقرير الرسمي المرفق بمشروع مالية 2025 جاءت في ظل استمرار المشاورات والمفاوضات مع الفاعلين الصناعيين المغاربة، للبحث عن توافق وأفضل الصيَغ الممكنة بشأن اعتماد رسم خاص بالكربون وإزالته، وتشجيع استخدام المصنِّعين للطاقات الصديقة للبيئة…”.
وختم المتحدث بأن “اعتماد رسوم ضريبية للتقليل من بصمة الكربون الأساسُ فيها ليس زجرياً تجاه المقاولات الصناعية بقدر ما هو توعوي وتحسيسي”، داعيًا إلى “تفعيل دور النقاش في اللجان البرلمانية المختصة حين مناقشة التدابير الضريبية لمشروع قانون المالية استعداداً لتضمينها المرتقب سنة 2026”.
“تلميح دون إقرار فعلي”
محمد السحايمي، باحث في قضايا الطاقات المتجددة والمناخ والتنمية المستدامة، اعتبر أن “موضوع تقليص البصمة الكربونية وإقرار رسم ضريبي خاص مرتبط بذلك طالما كان محط مطالب متجددة للفعاليات البيئية الداعية للانتباه إلى التغير المناخي الناجم عن الغازات الدفيئة”.
وأشار السحايمي متحدثا لهسبريس إلى أنه “بالتوازي مع هذه التحديات المناخية تتعين على المغرب مواجهة تحديات جديدة”، خصَّ منها بالذكر “خضوع التجارة الدولية بشكل متزايد لمعايير بيئية وإيكولوجية تقييدية، ولاسيما آلية تعديل حدود الكربون الأوروبية”.
كما استحضر الباحث الطاقي “بروز أنماط إنتاج جديدة تعتمد على تشجيع البحث والابتكار في التقنيات الخضراء (البطاريات، الهيدروجين الأخضر وتحلية المياه…)، مع “تزايد الضغط من قبل المستهلكين نتيجة ارتفاع الوعي البيئي في الأسواق الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي لاعتماد علامة ‘صديقة للبيئة’، وارتفاع تسويق السيارات الكهربائية أو الهجينة في أفق قرار الاتحاد حظر السيارات ذات المحرّك الحراري”.
وشدد المتحدث على “حتمية ملاءمة الصناعة والواردات المغربية لآلية الكربون الأوروبية قبل عام 2026″، معتبرا أن “النقاش يعد متقدماً مع تلميح واضح في تقارير رسمية دون أن نرى بعد فِعلية الإقرار والمرور إلى الفعل”، مستدلا بـ”تخضير سلاسل التوريد، خاصة بعد اعتماد الممارسات البيئية الجيدة في العديد من إستراتيجيات المسؤولية الاجتماعية للشركات”.
وأجمل السحايمي معلّقًا: “اتخذ المغرب خطوات مهمة في مسار التحول الأخضر بهدف الانتقال من اقتصاد ذي بصمة إيكولوجية كبيرة إلى اقتصاد ذي استهلاك منخفض للموارد الطبيعية، وذلك منذ أوائل الألفية الثالثة من خلال اعتماد القانون 03-11 المتعلق بحماية وتثمين البيئة”.