في أشبه ما يكون بإجماع لدى المثقفين العرب، عبّر المشاركون في ندوة بعنوان “قيم العدالة والنظم الديمقراطية”، التي نظمت في إطار فعاليات موسم أصيلة، عن انتقادهم الشديد للأنظمة الغربية والنفاق الذي يسم تعاملها الانتقائي مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، مؤكدين أن أحداث غزة أسقطت عنها القناع وجعلتها غير مؤهلة للمحاضرة في الديمقراطية وحقوق الإنسان أمام دول العالم.
وقال مصطفى نعمان، الكاتب والسفير اليمني السابق، إن المكون الوحيد في منظومة القانون الدولي صار هو “القوة، ولم يعد هناك شيء اسمه عدالة دولية”، مؤكدا انتفاء وجود أية معايير دولية تقاس بها الأحداث أو يعاقب بها الفاعل.
ووجّه نعمان انتقادات حادة إلى الحكومة الألمانية ووزيرة خارجيتها، حيث قال: “قبل أيام، سمعنا من وزيرة الخارجية الألمانية تصريحا غريبا في تبرير قتل المدنيين والدفاع عن هذه الجريمة”، متسائلا أنه إذا كانت دولة مثل ألمانيا التي عانت من الدمار ومن الدماء التي سالت فوق أراضيها تتخذ من قتل المدنيين مسألة عادية يمكن تجاوزها، فماذا تبقى؟”.
وأضاف الكاتب والسفير اليمني السابق مبينا أمام هذه المواقف الغربية المنافقة، أن الدولة التي قامت بهذه الجرائم (إسرائيل): “صارت بريئة من كل ما تفعل، ولا أحد يستطيع أن يجرمها أو حتى ينتقدها. أما مسألة العقاب فهي مسألة غير واردة أصلا”، مردفا أنه “إذا كانت لديك قوة وحماية غربية، تستطيع أن تفعل ما تريد وتتهم من تريد”.
وزاد المتحدث ذاته مستنكرا: “كيف يمكن، اليوم، لعاقل أن يقبل حديث الغرب حول قيم كونية وعدالة كونية، بعدما فضحت حرب الإبادة في فلسطين زيف دعاوي العواصم الكبرى عن حرصها على الإنسان وحياته وكرامته؟”، معتبرا أنه سيكون “عبثيا وساخرا أن يستمر الغرب في إعطائنا الدروس حول حقوق الإنسان والقيم والعدالة والحريات”، مشددا على أن “هذه الشعارات كلها سقطت”.
وحذر السفير اليمني السابق مما سماه “الخطر المقبل”، إذ إن “ما نشاهده، اليوم، سيخلق جيلا متطرفا يريد الانتقام لإخوانه وأشقائه وآبائه الذين قتلوا أمام أعيننا في محطات التلفزيون”.
من جهته، أكد نبيل بن يعقوب الحمر، مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام، أن القيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان بالرغم من رقيها ومثالياتها هي مجرد “شعارات حق يطوعها الكبار حسبما يريدون من أجل مصالحهم وللهيمنة على شعوب العالم”.
وأضاف الحمر متسائلا: “هل توجد في عالمنا عدالة مطلقة؟ وهل النظم التي تقدم نفسها بأنها ديمقراطية تطبق بالشكل الصحيح المبادئ التي تضمنتها دساتيرها ونظمها والتي تعلنها وتؤكد عليها وتحاسب الآخرين عليها؟، أم إنها كلها نظم ومبادئ فصلت على مقاييس، وهي بمثابة أداة ابتزاز تستغلها بعض الدول لتشكل بها ضغوطا هدفها الهيمنة السياسية على الدول والشعوب الأخرى”.
وسجل المتحدث ذاته أن هناك أنظمة ونظريات تبحث عن العدالة والإنسانية؛ ولكنها “فشلت وانهارت وسقطت، وأنظمة ادعت الديمقراطية تنهب بالقوة ثروات الآخرين، وقادة يشعلون الثورات هنا وهناك تحت شعار العدالة والإنسانية؛ ولكنهم سرعان ما تحولوا إلى طغاة”، وفق تعبيره.
أما الأكاديمي والروائي المغربي محمد المعزوز، فسجل، في مداخلة له بالمناسبة، جملة من الملاحظات حول وضع الدبلوماسية الدولية في الوقت الراهن؛ من أبرزها ما سماه الإجماع الدولي على أن القوانين الدولية “أصيبت بسكتة دماغية جعلت العالم في حيرة وتشكك من جدوى حقوق الإنسان ومعاني العدالة وأدوار الدبلوماسية الجديدة”، مؤكدا أن هذه السكتة تضعنا أمام إشكالية تحديد “أدوات مقاربتها: هل بالمنطق الفكري لما قبل 7 أكتوبر2023؟ أم بعدة معرفية ومفاهيمية جديدة تقطع مع كل ما سبق؟”.
وأفاد المعزوز بأن كل ما حدث اليوم وكل ما ارتبط به كحصيلة في النظام العالمي، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، يتصل أساسا بـ”مظاهر الأزمات، كانتشار الأوبئة والحروب وأزمة المناخ؛ الشيء الذي بشر بتسويق النموذج الأمريكي الذي يحاول فرض قيمه كقيم إنسانية”، معتبرا أن “هذا الفرض يشرعن للقوة”.
وأبرز الأكاديمي المغربي أن القانون الدولي “لم يعد بناء قانونيا تنظيميا؛ بل بناء فكريا ينتصر لليبرالية الجديدة، حيث لا يمكننا اليوم عزل أهداف القانون الدولي عن أهداف النيو – ليبرالية التي تدعو إلى تبني النموذج الأمريكي كنموذج كوني للقيم”.
واعتبر المعزوز أن هذا الوضع يفرض وقفة فكرية لقراءته بعيدا عن التأويلات القانونية، بل “قراءة إبستيمولوجية فكرية وتاريخية، دون إغفال دور الإعلام الثيولوجي الذي يروّج للقراءات الدينية والتاريخية المؤسطرة”، حسب تعبيره.