- ساهم في في صياغة ذاكرة الأجيال عن المقاومة وعن عمر المختار
عرض اليوم بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فيلم "أسد الصحراء - عمر المختار"، ضمن أفلام الـ4K، وهو الفيلم التاريخي المصنف روائي حربي، إذ يجسد تاريخ المناضل الليبي عمر المختار، وتحديدا آخر سنتين في حياته، وتدور أحداث الفيلم بداية من عام 1929، عندما عين بينيتو موسوليني الديكتاتور الإيطالي الفاشي، رودولفو غراتسياني حاكما استعماريا على ليبيا، وأمره بالقضاء على جميع أشكال المقاومة.
وخلال هذا التقرير يرصد "الرئيس نيوز" الكثير عن كواليس وأسرار فيلم "أسد الصحراء"، إذ يعد هذا العمل أحد أهم الأعمال السينمائية العربية في القرن العشرين، لما له من أثر بالغ على الأجيال الجديدة، وتعريفهم بتاريخ المقاومة وإنجازاتها، على الرغم من تحقيقه خسائر مالية ضخمة بسبب التضييق على صناعه في التوزيع.
يُعتبر فيلم "أسد الصحراء" الذي أخرجه مصطفى العقاد عملًا سينمائيًا خالدًا يعيد إحياء قصة المقاوم الليبي عمر المختار، إذ جمع الفيلم بين الدراما الحربية والسيرة الذاتية، مجسدًا صراع المختار في آخر عامين من حياته ضد الاحتلال الإيطالي، لينقل إلى العالم صورة بطولية عن نضاله.
ورغم الصعوبات التي واجهها في التوزيع، إلا أنه أصبح جزءًا لا يُنسى من الذاكرة الجماعية للشعوب العربية والغربية على حد سواء، حتى أن صانع العمل أشار بفخر إلى ارتباط اسمه باسم هذه الشخصية التاريخية.
كيف حولت السينما الشخصية إلى رمز؟
نجح مصطفى العقاد في إرساء صورة بصرية عميقة عن عمر المختار في الذاكرة الجمعية، فترسخت ملامح الشخصية التي أداها أنطوني كوين في أذهان الجمهور كرمز لمقاومة الاستعمار.
وتشير الكاتبة والناقدة الفنية میسون صالح إلى تأثير الفيلم حتى في فنون الديجيتال آرت، حيث بدا أن بعض الرسومات المستوحاة من شخصية عمر المختار تشبه أنطوني كوين أكثر من الشخصية الحقيقية، مما يبرز دور الفن البصري في إعادة تشكيل صورة الأبطال التاريخيين.
وكشفت ميسون أن أحد المشاهد الطريفة التي تُروى عن تأثير الفيلم، هو قصة صديق للكاتبة كان يرتدي الزي الليبي التقليدي في إيران، فتعرف عليه المارة على الفور باسم "أسد الصحراء"، ما يعكس كيف أصبح الفيلم جسرًا ثقافيًا يتجاوز الحدود.
وتضيف ميسون، تُعد السينما وسيلة فعالة في حفظ التاريخ وصياغة هوية الشعوب، والفيلم التاريخي يمتلك تأثيرًا خاصًا على المجتمعات بقدرته على نقل قيم الماضي وتعزيزها في الأجيال الجديدة، وفيلم "أسد الصحراء" نجح في تقديم سيرة عمر المختار كحكاية ملحمية تخلد المقاومة وتجسد الكفاح ضد الظلم، وساهم في تعزيز هذه القيم بفضل الاعتماد على مصادر تاريخية وأرشيفية إيطالية ومحلية، مما أضاف مصداقية على سردية الأحداث التي قدمها الفيلم.
التحديات الإنتاجية.. كيف تغلب العقاد على الصعوبات التي واجهت الفيلم؟
بدأ مصطفى العقاد تصوير الفيلم في أواخر عام 1979 بمواقع صحراوية نائية بالقرب من بنغازي، وبمشاركة طاقم ضخم من الممثلين والكومبارس بلغ عددهم 10،000 شخص، ما أضفى على مشاهد المعارك واقعية مذهلة، كما تضمنت مواقع التصوير واحات الجبل الأخضر في ليبيا، فيما صُورت المشاهد الداخلية في روما.
ميزانيته 35 مليون وحقق إيرادات 1،5 مليون فقط
برغم دقة الإعداد وميزانية الإنتاج الضخمة التي قُدرت بـ 35 مليون دولار أنذاك، إلا أن الفيلم واجه تحديات كبيرة في التوزيع، ويُرجع بعض المحللين ذلك إلى توتر العلاقات بين منتج الفيلم معمر القذافي وبعض الدول، مما أسفر عن إيرادات ضئيلة بلغت 1.5 مليون دولار فقط، ليحتل بذلك المركز الرابع عشر في قائمة الأفلام الأكثر خسارة في تاريخ السينما.
فريق عالمي وسيناريو متقن
كتب السيناريو الكاتب الإيرلندي هاري كريغ، وتميز بإتقان لغته الدرامية التي أثرت في نقل الرسالة، بينما كان التصوير لجاك هيلدير الذي أبدع في إبراز التضاريس القاسية للموقع.
ومن جهته، قدّم الموسيقار موريس جار، الحائز على جائزة الأوسكار، موسيقى قوية تعزز من أجواء الفيلم وتكمل الحالة الملحمية للقصة. وأُسند تصميم الأزياء الليبية للأستاذ حسين بن دردف، الذي اهتم بأدق التفاصيل ليضفي على الشخصيات مصداقية وتاريخية، وأخرجه المبدع مصطفى العقاد.
لماذا بقي "أسد الصحراء" مؤثرًا رغم ضعف نجاحه التجاري؟
رغم أن الإيرادات جاءت مخيبة للآمال، إلا أن الفيلم تجاوز هذا الفشل المالي ليصبح إرثًا ثقافيًا يخلد قصة عمر المختار، ويثبت كيف تستطيع السينما تجسيد التاريخ وتطوير الوعي الجماعي.
وتختم الكاتبة والناقدة ميسون، ليس من المبالغة القول إن "أسد الصحراء" صار رمزًا للمقاومة والشجاعة، وساعد في تعريف الملايين حول العالم بقصة البطل الليبي الذي ألهم أجيالًا بمقاومته.