يُواصل برنامج “المثمر”، الذي تقف وراءه مجموعة المركب الشريف للفوسفاط، جني ثمار عمل بدأ قبل ست سنوات؛ وذلك بعدما استفاد الآلاف من التجارب التي يقدمها في ميدان الفلاحة والزراعة المتطورة القادرة على ضمان الإنتاج والتكيف مع تداعيات تغير المناخ.
ووصلت تجربة دعم الاستثمار في زراعة الزيتون إلى إقليم مولاي يعقوب بجهة فاس مكناس خلال السنوات الأخيرة، مساهمة في تحول ضيعاتٍ فلاحية متخصصة في هذا النشاط إلى منصات تطبيقية (Plateformes de démonstration) تعتمد على التجربة والخبرة التي يوفرها الفريق الواقف وراء البرنامج ذاته لفائدة المهنيين.
ووقف خبراء “المثمر” بالجهة ذاتها، اليوم الأربعاء، على نماذج ناجحة لضيعات فلاحية تحوّلت بفعل المبادرة التي تقودها مجموعة الـ”OCP” إلى منصات تطبيقية للزيتون، ويستفيد مُلاكها من دورات تكوينية ومعارف يقدمها ذوو الخبرة العلمية بكيفيات الرفع من غلة أشجار الزيتون وتطبيق أسس الزراعة المستدامة.
منصات مولاي يعقوب
من بين هذه المنصات التطبيقية تلك التي يشرف عليها عبد الرحمان الكحاك بتراب جماعة سيدي داوود بإقليم مولاي يعقوب دائما، والتي صارت تجني ثمار العمل الذي عرفته خلال الأربع سنوات الماضية، إذ تعتبر من بين 6 آلاف و922 منصة تطبيقية خاصة بزراعة الزيتون تم الإشراف عليها منذ سنة 2018، في وقت تشير أرقام رسمية أخرى في هذا الصدد إلى أنه تم خلال الموسم الفلاحي 2023/2024 فقط زيادةُ ما يصل إلى 972 منصة تطبيقية متخصصة في الزراعة نفسها.
في كلمة له بتراب المنصة التطبيقية ذاتها، أكد أيوب المعلم، مهندس زراعي منسق جهوي لـ”مبادرة المثمر” بجهة فاس مكناس، أن “البرنامج اهتم، منذ بدايته، بمواكبة المشاريع الفلاحية وتنمية قدرات المرأة القروية والتنظيمات المهنية، فضلا عن السعي نحو الإقناع بكل الممارسات الزراعية الجيدة التي نحاول نقلها إلى المهنيين. كما يرمي إلى مساعدة الفلاحين على تجاوز آثار المناخ على الإنتاجية”.
وأضاف المعلم: “البرنامج يعطي أولوية لزراعة زيت الزيتون التي تشغَل ما يصل إلى مليون و300 ألف هكتار بالمملكة، إلى جانب سلاسل أخرى أساسية بطبيعة الحال؛ كالحبوب والقطاني والخضراوات”، موردا أن فلسفة هذه المبادرة تتمثل في “القيام بتجارب مع الفلاح والتأسيس لممارسة زراعية جيدة؛ وذلك من خلال توفير تحاليل التربة ومختلف المعارف الأساسية لفائدة المهني، في وقتها المناسب”، وذاكرا أن “الهدف كذلك هو مساعدة الفلاح على تطوير الزراعة والإنتاج وتوفير شروط التسميد المُعقلن الذي يساهم في الزيادة في حجم الزيتون المَجني كل سنة”.
المواكبة تبهج الفلاح
ويأتي استمرار مواكبة “خبراء المثمر” لنشاط زراعة الزيتون، موازاة مع التراجع الذي عرفه خلال السنوات الأخيرة؛ وذلك بفعل توالي سنوات الجفاف، بعدما تراجعت إنتاجيته خلال آخر موسم زراعي بما يصل إلى 11 في المائة مقارنة بالموسم الذي سبقه، في حين أن الرقم القياسي ما يزال مسجلا خلال موسم 2021 بعدما بلغت الإنتاجية مليونا و900 ألف طن.
علاقة بالموضوع نفسه قال عبد الرحمان الكحاك، صاحب منصة تطبيقية لزراعة الزيتون بجماعة سيدي داود بإقليم مولاي يعقوب: “في البداية، كنا نشتغل في إطار يتسم بالعشوائية، قبل أن نستفيد من مبادرة المثمر منذ أزيد من ثلاث سنوات، إذ يتم تلقيننا مبادئ الغرس الجيد والفاعل”.
وأضاف الكحاك، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الضيعة التي صارت منصة تطبيقية مُختصة في زراعة الزيتون تستفيد من مواكبة علمية، حيث تستفيد من قواعد أساسية في مجال السقي المعقلن باعتماد التنقيط، فضلا عن الجني الفعال بدون الإضرار بهيكل وفروع الأشجار”، متابعا: “نستفيد كذلك كفلاحين من يوم دراسي بداية كل موسم فلاحي”.
وسجل الفلاح، الذي كان مشرفا على عملية جني محصول هذه السنة من الزيتون على مستوى ضيعته التي صارت تحظى بإشراف خبراء المبادرة التي أطلقتها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، أن “المواكبة العلمية للإنتاجية الفلاحية خلال السنوات الأخيرة كانت ذات فعالية، خصوصا إذا قارنا هذه المنصة التطبيقية بضيعة أخرى في ملكيتنا لا يتم اعتماد التجارب نفسها ضمنها، بما جعل الغلة الخاصة بها لا تكون مرضية”.
كما ذكر أن “الفرق بين الضيعات العادية والمنصات التطبيقية في الإنتاجية هو 30 في المائة أو أزيد من ذلك بقليل، وهو في نهاية المطاف أمر محفز بالنسبة للفلاحين بطبيعة الحال؛ فنحن ندرك أن البرنامج يتعلق أساسا بتأطير علمي وتقني للفلاح المغربي الذي يصعب عليه أن يعرف دقائق الأمور، خصوصا ونحن نتحدث عن عملية تستوجب إعمال المعرفة والعلم؛ الأمر إذن محسوم بالنسبة لنا، حيث إن العشوائية لا تسمح بتحقيق مردودية مهمة”.
نتائج إيجابية
عبد الرحمان الوزاني، مهندس زراعي بـ”مبادرة المثمر” والمشرف على المنصة التطبيقية سالف الذكر منذ إنشائها، أوضح، من جهته، أنه “وصلنا، منذ انطلاق المبادرة، إلى أزيد من ستة آلاف منصة تطبيقية خاصة بزراعة الزيتون بالمغرب. كما وصلنا إلى 971 من هذه المنصات الجديدة في سنة 2024 فقط خاصة بالنشاط نفسه”.
حسب المعطيات التي قدمها المهندس الزراعي ذاته، فإن “مبادرة المثمر” تروم “ترسيخ وتفعيل الممارسات الزراعية السليمة من خلال منصات زراعية تطبيقية، كالتي نوجد بها اليوم، والتي تبقى متطورة ومتقدمة من ناحية الانتاجية السنوية الخاصة بها، خصوصا إذا ما قارناها بضيعات “الشاهد”، ويقصد بها الضيعات التي يقوم الفلاح بتسييرها بنفسه وبدون استشارات أو تقنيات فلاحي متطورة”.
وزاد: “تستفيد هذه المنصات من تهوية أشجار الزيتون في نهاية الموسم الفلاحي وتحاليل التربة، بما يُمكننا من القيام بتسميد معقلن في العمق للتربة، فضلا عن توفير عناصر الآزوت والبوتاس والعناصر المعدنية الصغرى والمتوسطة لفائدة التربة والشجرة كذلك”، كاشفا أنه تتم كذلك عملية معالجة الأمراض الفطرية والحشرات الضارة التي تستهدف الإنتاجية”.
عبد الرحمان الوزاني قال كذلك إن “هذا المسار المعقلن مكننا من تحسين المردودية طيلة مدة تواجدنا بهذه المنطقة بما يصل إلى 30 في المائة”، قبل أن يسجل أن “الفلاح بالمنطقة صار واعيا بمسألة تحليل التربة والتسميد المعقلن”.