تجدّد الوصل بين الجامعة المغربية، بأكاديميِّيها وخبرائها، وفاعلي المجال الجمعوي ونشطاء المجتمع المدني من خلال استضافة رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسويسي، مساء الجمعة ثامن نونبر الجاري، ثالثَ دورات “المنتدى الوطني للجمعيات”، الذي تُنظمه الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان بجهة الرباط- سلا- القنيطرة، تحت شعار “البحث العلمي والمجال الجمعوي.. نحو آفاق جديدة للتميز والابتكار”.
وافتُتح المنتدى، المنظم على مدى يوميْن (8 و9 نونبر)، بجلسة افتتاحية عرفت حضوراً مكثفاً، رسمياً ومدنياً، تشكَّل خصوصا من الكاتب العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ورئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فضلًا عن رؤساء عدد من الجامعات المغربية، ومُمثلي قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية، وطيف واسع من جمعيات المجتمع المدني تمثل مختلف جهات المملكة.
دعامتان وجسر بين ضفتيْن
مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، قال خلال كلمة افتتاحية استهل بها أشغال المنتدى إن الأخير “يضم مجاليْن بارزين يشكلان دعامتين أساسيتَين لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بالمغرب، هُما “البحث العلمي بقيادة الجامعات”، و”المجال الجمعوي”، لتشكل الوزارة بهذا الحدث البارز جسرا قويا يربط ضفتيْ الجامعة والمجال الجمعوي”، منوها بـ”مساهمة جمعيات المجتمع المدني في جميع الأوراش الوطنية الكبرى، بما فيها ورش إصلاح منظومة التربية والتكوين بالمغرب”، ومستحضرا في هذا السياق إشادة الملك محمد السادس بمجهوداتها في هذا الورش الوطني عبر رسائل في مناسبات سابقة، خاصة الرسالة الملكية المُوجهة إلى المشاركين في الأيام الدراسية حول التدبير الجمعوي في 14 فبراير 2002.
“تنظيم المنتدى الوطني الثالث للجمعيات في رحاب الجامعة يعكس طموح الوزارة القويّ للنهوض بأدوار ومساهمات جمعيات المجتمع المدني”، يؤكد بايتاس، مضيفاً “اليوم نَحمل مشعل هذا الطموح إلى الجامعة المغربية، ونحن على يقين تام بأن إسهامها في إنتاج المعرفة ذات الصلة بالمجال الجمعوي سيكون له، دون أدنى شك، وقع كبير وتأثير بارز في المشهد الجمعوي ببلادنا”.
الوزير الوصي على القطاع أشاد، خلال حديثه، “بما حققته الجامعة المغربية على امتداد مسار تطورها من منجزات كبيرة في المجال العلمي لتشكل قاطرة حقيقية للتنمية من خلال الدور المحوري لمختبراتها ومراكزها الموجهة للبحث العلمي”، مبرزا أن “الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان تسعى إلى أن تشكل حلقة وصل بين الجامعة وجمعيات المجتمع المدني في إطار شراكة متميزة تروم استثمار مؤهلات وإمكانيات البحث العلمي التي تزخر بها الجامعات المغربية لنسج علاقات تعاون تتأسس على بلورة مشاريع طموحة ومبتكِرة”.
وحسب بايتاس، فإن المنتدى الثالث بالرباط (بعد محطتيْ جهتيْ الدار البيضاء وطنجة) عرف تراكما في إطار سلسلة منتديات وطنية حول المجتمع المدني ستحط الرحال بمختلف جهات المملكة، ساعيةً إلى “نقاشات موسّعة ومثمرة بين جميع الفاعلين المعنيين لإبراز أهمية البحث العلمي المتخصص في المجال الجمعوي وبحث آفاق مساهمة الجامعات في فتح مسالك علمية عليا متخصصة لتعزيز الكفاءات والمهن الجمعوية”، حسبما أبرزه في تصريح لجريدة هسبريس على هامش الحدث.
البحث العلمي يخدُم الجمعيات
من جانبه ألقى الكاتب العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، محمد خلفاوي، كلمة بالنيابة عن الوزير عز الدين ميداوي، الذي “تعَذّرَ عليه الحضور لالتزامات مهنية”، مؤكداً انخراط الوزارة الوصية على البحث العلمي في تمتين جسور التعاون مع العالم الجمعوي وفعالياته، قبل أن يدعو الأخيرة إلى “المشاركة بكثافة والانخراط بفعالية في مشاريع الوزارة حتى يتسنى لنا بلوغ الأهداف المرجوة”.
واستحضر خلفاوي، وهو يتحدث أمام جمع من الخبراء والأكاديميين والطلبة الباحثين وممثلي الجمعيات المشاركة، ترسيخَ “القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي دورَ المجتمع المدني كشريك مهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لإصلاح المنظومة وتحسين جودتها، من خلال مادته السادسة (…)”. كما أفرد النموذج التنموي الجديد، من جهته، “مساحة مهمة للمجتمع المدني، مُرسخا مكانته ودوره كفاعل حيوي ومحوري في التنمية المحلية والجهوية والوطنية”، حسب تعبيره.
واستدلّ على ذلك بـ”إدراج الأنشطة الجمعوية وتعميمها على عموم الطلبة، مع احتسابها في الأرصدة القياسية وتَضمِينِها في ملحق الدبلوم، بالنظر إلى أهميتها البالغة في صقل شخصية الطلبة وتنمية حِس المسؤولية المجتمعية”، مؤكدا “حرص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار على انفتاح الجامعة على شركائها من هيئات المجتمع المدني، من جهة، وعلى تشجيع التكوين والبحث العلمي في هذا المجال وكذا كافة الأنشطة المتعلقة بمجال الحياة الجمعوية من جهة أخرى”.
وقد اعتُمد رسميا، وفق إفادات المتحدث، “18 تكوينا جديدًا في سلك الدكتوراه تهم المجتمع والقضايا المجتمعية، علاوة على حوالي 60 بنية بحث جامعية من أصل 860 بنية معتمدة، تهتمّ كليا أو جزئيا بالمجتمع والقضايا المجتمعية. وقد استفاد 158 طالب(ة) دكتوراه، خلال الموسم الجامعي المنصرم، من برنامج مِنح طلبة الدكتوراه المُؤَطِّرِين (PhD ASsociate Scholarship) في مواضيع تخص العلوم الإنسانية والاجتماعية والتحديات المجتمعية المعاصرة، بالإضافة إلى 34 منحة في علوم التربية”، معدداً بيانات “دعم مشاريع البحث العلمي والابتكار حول القضايا المجتمعية”، من بينها 82 مشروع بحث في إطار برنامج دعم البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.
معرض موازٍ يحتفي بالجمعيات
في سياق متصل قام المشاركون رفقة المسؤولين الحكوميين، إثر الجلسة الافتتاحية، بجولة في فضاء المعرض الموازي للمنتدى، الذي ضم أروقة لجميع الشركاء لعرض التقارير والإنتاجات الفكرية والعلمية والعملية الخاصة بالمجال الجمعوي.
ويجسد هذا المعرض “الأهمية والمكانة المحورية للعمل الجمعوي في سياق حركية المجتمع وتطوره، وقيمته المضافة في المسار التنموي، وهي مبادرة “دأبت عليها الوزارة المنتدبة في هذه المنتديات الوطنية كسابقة في التظاهرات الخاصة بجمعيات المجتمع المدني”.
ويوم السبت 09 نونبر سيَستأنف أكثر من 500 مشارك، من أكاديميين وخبراء وفاعلين مؤسساتيين وطنيين وأجانب وفعاليات المجتمع المدني، اللقاء المباشر بهذا المعرض الموازي.
ولتحقيق هدفه كـ”فضاء علمي مؤسساتي وأكاديمي وجمعوي بامتياز” سيشهد اليوم الثاني تنظيم 4 ورشات حول “دور البحث العلمي للمساهمة في إنتاج وتثمين المعطيات المتعلقة بالمجال الجمعوي والنهوض به”، و”إحداث مسالك عليا للتكوين في المجال الجمعوي بالجامعات ودوره في تعزيز كفاءات الجمعيات وتقوية العمل والدينامية الجمعوية بالمغرب”، و”الشراكة بين الجامعات والجمعيات.. الفرص المتاحة وآفاق تعزيزها”، و”دور ومساهمة الجمعيات في إعداد وإغناء السياسات العمومية”.
هذه الورشات تستعرض “آراء وأفكار مختلف الفاعلين والشركاء”، فاتحة أبواب نقاش علمي وموضوعي للخروج باقتراحات وتوصيات عملية وقابلة للتنفيذ مع العمل على تفعيلها.
" frameborder="0">