تسبَّب التباطؤ الاقتصادي بتراجع الطلب على النفط في الصين على مدى الأشهر الماضية، ولكن ما فاقم الأمور بشكل أكبر هو أن بكين بدأت السحب من المخزونات التجارية والإستراتيجية.
ومن ثم، وفق مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، فإن هذا السحب من المخزونات تسبَّب في تراجُع واردات الصين من النفط الخام بشكل كبير.
ويرى الحجي أن الأزمة الحالية لا تتعلق بانخفاض الطلب على النفط في الصين فحسب، بل تتعلق أيضًا بالانخفاض الكبير في الواردات، والحديث هنا عن الأزمة في الأسواق العالمية، وليس عن إنتاج النفط.
وأضاف: "انخفاض واردات الصين تسبَّب بدوره في انخفاض أسعار النفط، لأن ما حدث كان تخفيضًا فعليًا في الطلب على النفط، والإعلام الغربي المعادي لدول الخليج والدول النفطية والنفط عمومًا بدأ يروّج لفكرة أن الانخفاض سيستمر".
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة" بمنصة "إكس"، قدّمها الدكتور أنس الحجي من أبو ظبي في الإمارات، خلال حضوره مؤتمر "أديبك 2024"، وجاءت بعنوان "هل يتعافى الاقتصاد ويرتفع الطلب على النفط والغاز بخطط التحفيز الصينية؟".
الطلب الصيني على النفط
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إن الإعلام المعادي للدول النفطية يروّج إلى أن الطلب على النفط في الصين بلغ ذروته، وهو ما قالته شركات صينية، وهو أمر غريب عليها.
وأضاف: "انتشر الخبر بشكل كبير، أنه سيكون هناك وصول إلى ذروة الطلب على البنزين بسبب التحول إلى السيارات الكهربائية وانتشارها، وانتشار الشاحنات التي تستعمل الغاز المسال بدلًا من الديزل".
وأوضح الدكتور أنس الحجي أنه -والفريق العامل معه- قاموا بالبحث في هذا الموضوع ودراسة كل البيانات والوضع بالكامل فوجدوا أن -والأرقام هنا تقريبية- انخفاض الطلب على النفط مقارنة بالتوقعات، 25% منه بسبب انتشار السيارات الكهربائية وشاحنات الغاز المسال، و75% يعود إلى انخفاض النمو الاقتصادي في الصين.
لذلك، فإن الإعلام الغربي الذي يقول، إن الانخفاض سيكون دائمًا، وإن الطلب على النفط في الصين بلغ ذروته وسيبدأ بالانخفاض، كلامه ليس هناك دليل قاطع عليه، فإذا نما الاقتصاد الصيني بشكل أكبر مما هو عليه الآن، وتجاوز 5% يمكن استرداد 75% من الانخفاض الذي حدث.
وتابع: "نعم، هناك دور للسيارات الكهربائية وشاحنات الغاز المسال، ولكن هذا الدور بسيط مقارنةً بما كان يروّج له الإعلام المعادي، وقد أجرت الحكومة الصينية حملة تحفيزات مالية للاقتصاد، والآن هناك حملة ثانية ضخمة، لكن هناك مشكلة كبيرة تتمثل في أن هذه الحملة تتضمن دعم السيارات الكهربائية".
ولفت إلى أن الإشكال يكمن -وهذا رأي شخصي- في أن المشكلات التي يعانيها العالم الآن، وهي الركود الاقتصادي، وتحديدًا تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وعدّة دول آسيوية مثل الهند والصين، وفي أوروبا، تعود إلى أمرين، الحروب العسكرية مثل أوكرانيا ولبنان وغزة من جهة، والحروب التجارية من جهة أخرى.
الحروب العسكرية والتجارية
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن كل ما يعاني منه العالم الآن من هذه الحروب، فإذا انتهت وحُلَّت المشكلات التجارية سنجد انتعاشًا قويًا عالميًا، وسينمو الطلب على النفط والغاز تحديدًا، وسيكون هناك نمو كبير، وتستفيد الدول المنتجة.
ولكن، في ظل ما يحدث الآن قد تكون الأمور في طريقها نحو الأسوأ، وعلى كل الحالات هناك أدلة تاريخية كثيرة على أنه ما من حرب عالمية كبيرة حصلت، أو خاضت الولايات المتحدة حربًا، لأن حروبها دائمًا كبيرة تتناسب مع حجمها.
وأوضح الدكتور أنس الحجي أنه تكون هناك حالة ركود بعد الحرب مباشرة، وعندما تطول المدة الزمنية لهذه الحرب تكون هناك حالة أكبر من الركود، وهناك أدلة تقريبًا على أن كل الحروب ينطبق عليها هذا الأمر.
إلّا أن الفكرة الآن، وفق الحجي، أن الحرب في أوكرانيا، هي حرب بالوكالة بين روسيا والغرب، والحرب في الشرق الأوسط، هي حرب بالوكالة بين الغرب وفئات أخرى متعددة، وهذه الحروب أصبح لها الدور نفسه الذي تؤديه الحروب المباشرة المعروفة تاريخيًا.
وبالنسبة إلى الحروب التجارية، قال، إنها تسببت في مشكلات كبيرة حول العالم، ومن بينها زيادة الجمارك، أو التعرفة الجمركية بشكل كبير على كثير من البضائع الصينية، وهو أمر أدى إلى مشكلات كثيرة، ليس في الصين فحسب، ولكن أيضًا للدول المستوردة.
وأردف الدكتور أنس الحجي: "في النهاية من يدفع هذه الضرائب هو المستهلك الغربي، سواء كان أميركيًا أو أوروبيًا، بينما الصيني لا يدفع هذه الضرائب أو الجمارك، وهو أمر يعدّ "من الغباء" الذي وُسِمت فيه سياسات ترمب تاريخيًا".
وأشار إلى أن ترمب جعل المكسيكيين والصينيين يدفعون ضرائب بنسبة 100%، ولكن ما حدث أن أيًا من المكسيكيين أو الصينيين لم يدفع، بل من دفع هذه الضرائب هو المشتري الأميركي، لذلك فإن الحروب التجارية والعسكرية هي سبب تباطؤ الاقتصاد العالمي، ومن ثم انخفاض الطلب على النفط.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..