وثقت صحيفة ريديت تجربة ياسمين أبو صايمة الكاتبة والمترجمة الفلسطينية، من سكان غزة الذين فروا من جحيم جيش الاحتلال في القطاع المنكوب بالحرب والحصار، وتقول: "لقد كان شهر أكتوبر شهرًا للاحتفال بالنسبة لعائلتي، حيث وُلِدت أختي وأخي وتوأمي الجميلان في أكتوبر، وقبل عامين، في 13 أكتوبر 2022، احتفلنا بعيد ميلاد توأمي الثالث وأقامت عائلتي حفلات عيد ميلاد مشتركة لمشاركة الهدايا والاحتفال معًا. أتذكر البالونات الملونة والشموع على التورتة وابتسامات أفراد عائلتي وهم يتجمعون حول الطاولة. أحببت مشاهدة أطفالي يفتحون هداياهم وينفخون الشموع".
وأضافت الكاتبة الفلسطينية: "بعد عام، في 13 أكتوبر 2023، أُجبرنا على الإخلاء من منزلنا في مدينة غزة. وبدلًا من الاحتفال بهذا اليوم مع توأمي تيم وتيا، غادرنا منزلنا في حالة من الذعر، خوفًا من أن نُقتل بهجمات إسرائيلية أثناء قيادتنا في شارع الرشيد".
وتابعت: "تركنا كل شيء وراءنا واتجهنا إلى جنوب غزة بناءً على أوامر جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبعد أسبوع واحد، كانت عائلتي - بما في ذلك أمي وأبي وشقيقان وأخواتي وعائلة عمي الممتدة - تعيش جميعًا في دير البلح".
كانت الليالي الهادئة نادرة، وشعرت الأسرة بعدم الأمان طوال الوقت بسبب القصف الإسرائيلي المستمر لغزة. حاولت الكاتبة الأم أن تهزهز أطفالها ليناموا أو أن تحكي لهم القصص، تمامًا كما كانت تفعل في المنزل. لكن أي محاولة كانت تنقطع بسبب طائرات بدون طيار أو القصف.
أمضى أطفالي نصف عام يعيشون في ظروف لا تطاق خلقتها الإبادة الجماعية الإسرائيلية، دون الوصول إلى طعام مغذي أو مياه شرب نظيفة وكان الوضع لا يطاق لدرجة أن الأسرة اضطرت إلى التفكير في خيارات أخرى كان من بينها المغادرة إلى مصر في منتصف أبريل، واتخذت الأسرة أخيرًا قرارًا بمغادرة غزة.
وتتذكر الكاتبة الفلسطينية: "عبرت معبر رفح مع توأمي، متجهًا إلى مصر بدون زوجي. بسبب خطأ في اسمه في قائمة السفر الرسمية، اضطر إلى البقاء في الخارج، في حالة من الغموض لأيام حتى يتمكن من الانضمام إلينا وكان العبور إلى مصر مرهقًا. تشبث أطفالي بي، يبكون ويصرخون في قاعة الانتظار المزدحمة، مرتبكين وخائفين من البيئة غير المألوفة. حاولت مواساتهم بالحلوى والهدايا الصغيرة، لكن لا شيء كان ليعوض غياب والدهم".
وكانت الطوابير تبدو بلا نهاية. انتظرت الأم وأطفالها ست ساعات، منهكين. كان ظهرها يؤلمها من الحمل، وكانت أصوات القصف تتردد في مكان قريب، وكان قلبها ينفطر على الأسرة التي تركوها وراءهم في غزة، متسائلةً عما إذا كان سيجتمع شملهم يومًا ما.
كانت هذه الرحلة إلى مصر تهدف إلى منح أطفالها فرصة لمستقبل أفضل، وحياة خالية من جحيم الإبادة الجماعية الإسرائيلية وذكّرت نفسها بهذا لكنها ما زلت غير متأكدة من أن هذا هو الخيار الصحيح، وبدأت تعتقد الحياة الطبيعية بعيدة المنال هذا العام، احتفلت بعيد ميلاد تيم وتيا، وإن كان بقلوب ثقيلة، وهم بعيدين عن منزلهم في غزة، وبعيدين عن الأشخاص الذين يحبونهم.
أثناء الاحتفال، أجريت مكالمة فيديو مع العائلة في غزة وأضاءت وجوههم وهم يشاهدون التوأمين وهما يطفئان شموعهما، ولكن تحت ابتساماتهم، كان بوسع الأم أن ترى التوتر والتعب المحفور في عيونهم وكانت تعلم أنهم يكبحون دموعهم، ويتظاهرون بمشاركة الفرحة.
وعن البقاء كعائلة في مصر، تقول الكاتبة الفلسطينية: "أنا وزوجي نحاول باستمرار العثور على عمل في مصر لتوفير احتياجات أسرتنا. وارتفاع تكاليف الإيجار يزيد من أعبائنا، مما يجعل كل شهر صراعًا للحفاظ على سقف فوق رؤوسنا وأنا أعمل ككاتبة مستقلة، وأجمع بين المشاريع كلما سنحت لي الفرصة. لقد ساعدنا والدي، من غزة، ماليًا، وبينما أنا ممتنة لمساعدته، لا أستطيع التخلص من شعور العار لأنني غير قادرة على توفير احتياجات أسرتي بالكامل كما فعلت ذات يوم".
وتابعت: "كل يوم، أتساءل عما إذا كان مغادرة غزة هو الخيار الصحيح. حتى أبسط المهام هنا قد تبدو غريبة، وأمشي كل يوم وأشعر وكأنني سمكة خارج الماء، غير متأكدة ما إذا كنت سأشعر بالانتماء الحقيقي مرة أخرى"، مؤكدة: أفتقد غزة وحياتنا السابقة هناك: طقوس يوم الجمعة - إفطار الفلافل، والتجمعات العائلية، والشاطئ والشوارع المزدحمة. أفتقد الصباحات التي أمضيتها على شرفتنا، حيث نتناول الشاي بالنعناع بينما تشرق الشمس فوق الحي. الآن، اختفت تلك الشرفة، ودُمرت مع الكثير من الأشياء الأخرى، ولا يزال أطفالي صغارًا جدًا لفهم سياسة الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي، ولكنهم يفهمون أين يقع وطنهم، في غزة".