مع بداية الدورة الخريفية من السنة التشريعية الجديدة، عبّر رؤساء فرق المعارضة بمجلس النواب عن تشبثهم بالتنسيق الرباعي الذي ظل يجمعهم منذ بداية الولاية التشريعية الحالية، في ظل استعداد المؤسسة البرلمانية لاستقبال مشاريع قوانين يرتقب أن تعرف الكثير من النقاش بخصوصها، وبالموازاة مع التشديد المتواصل للأغلبية الحكومية والبرلمانية كذلك على “تماسكها والتزامها بتنزيل البرنامج الحكومي”، ضاربة المثل كذلك بـ”عملية تجديد انتخاب هياكل مجلسي النواب والمستشارين”.
وتُثار تساؤلات في الوقت الحالي بخصوص منسوب التنسيق الرباعي للمعارضة على مستوى مجلس النواب، باستحضار عدم توافق مكوناته في بداية هذه السنة على التقدم بملتمس الرقابة ضد الحكومة، والذي تمسّك به كثيرا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خصوصا بعد موقف حزب العدالة والتنمية منه، في وقت تظل أسئلة أخرى قائمة وتتعلق بأفق هذا التنسيق ونتائجه على أرض الواقع، ما دام أن الأغلبية البرلمانية بإمكانها تمرير أي مشروع قانون لوحدها بالنظر إلى توفرها على الغالبية العددية.
أمام هذه المعطيات، أوضح رؤساء فرق معارضة بمجلس النواب أن “التنسيق الجماعي لا يزال قائما، على الرغم مما جرى سابقا؛ وذلك في إطار الدفاع عن حقوق المعارضة التي يكفلها دستور 2011″، في وقت أكدوا أن “هذا التنسيق يعني فقط مجلس النواب دون غيره من المستويات والمؤسسات كذلك”.
رشيد حموني، رئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، قال إن “الأغلبية الحكومية وضعت برنامجا حكوميا متوافقا عليه من طرف الأحزاب الثلاثة المكونة لها؛ وبالتالي فمن المفروض أن تكون متماسكة ومتناسقة. أما المعارضة فليس لديها برنامج حكومي وميزانيات وتدير أي قطاع؛ غير أنها تنسق فيما بين مكوناتها في إطار الحقوق التي يكفلها لها الفصل العاشر من الدستور، خاصة ما يتعلق بالمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي ومسطرة التشريع”.
وأضاف رئيس فريق حزب “الكتاب”، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “فرق المعارضة تبدي مثلا وجهة نظرها في مشاريع القوانين المحالة على البرلمان كل من مرجِعيته وقناعاته السياسية، عكس الأغلبية البرلمانية التي تنبثق هذه المشاريع عن أغلبيتها الحكومية التي تتداول في هذا الشأن قبل الشروع في مسطرة الإحالة البرلمانية؛ وهذا يفرض عليها طبعا التماسك”، مشيرا إلى أن “فرق المعارضة تنسق فيما بينها في عدد من القضايا والمسائل، وخير دليل على ذلك هو أن فرقها الأربعة طالبت جميعها بتأجيل البتّ في قانون الإضراب”.
في المقابل، أوضح حموني أن “مناقشة القانون الجنائي أو مدونة الأسرة، على سبيل المثال، من الطبيعي أن تفرز تباينا في وجهات نظر فرق المعارضة تبعا لاختلاف مرجعياتها؛ لأنها لا تملك، كما سبق أن قلت، برنامجا أو توجها مشتركا عكس فرق الأغلبية البرلمانية كامتداد للأغلبية الحكومية التي يجمعها برنامج وميثاق مشترك”، مؤكدا في الوقت ذاته أن “تنسيق المعارضة الرباعي مستمر في التداول والتنسيق في إطار القضايا التي تجمع مكوناته، وفي القضايا التي تخضع لمحددات معنية فكل فريق حر في رأيه، وقد يحدث أن نلتقي في نقطة ما؛ بما في ذلك مع الأغلبية نفسها”.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول انعكاسات هذا التنسيق على العملية التشريعية، أورد المتحدث ذاته أن “عدم وجود أية نتائج لهذا التنسيق أو التصويت المشترك على مشاريع قوانين معنية ناتج بالأساس عن التفوق العددي للأغلبية البرلمانية. فحتى لو أتت المعارضة بتعديل مشترك فإن الأغلبية غالبا ما يكون لها رأي آخر”.
المعطيات نفسها أكدها إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، والذي بيّن أن “الأمور جد طبيعية بين أحزاب المعارضة على مستوى الغرفة البرلمانية الأولى، على الرغم من وجود مرجعيات مختلفة؛ فليس هناك مشكل اليوم بهذا الخصوص”، لافتا إلى أن “التنسيق في هذا الصدد يُهم فقط مجلس النواب دون غيره من المؤسسات أو المستويات الأخرى، ولا يعني الأحزاب كذلك”.
وأضاف السنتيسي، في تصريح لهسبريس، أن “المستجد هو أننا لم نعد نتقدم بمقترحات التعديلات على مشاريع القوانين بشكل جماعي؛ بل صرنا نتقدم بها على انفراد، حيث كنا في السابق نتقدم بما يصل إلى 80 مقترحا جماعة، بينما صرنا اليوم نتقدم بنفس العدد لكل فريق نيابي أو مجموعة نيابية”.
وزاد: “التنسيق، في نهاية المطاف، غير ملزم في هذا الصدد؛ وحتى وإن كنا نتفق على الفكرة نفسه فإنه يمكن لكل طرف التعبير عنها بطريقته؛ فهذه العملية التي بدأناها في وقت سابق لا تزال مستمرة”، مشيرا إلى أن “كل فريق نيابي لديه الحرية في التصويت على أي مقترح كما كان”.