أعلنت تنظيمات حقوقية مغربية “رفضها القاطع” المنهجية التي تتعامل وفقها السلطات العمومية مع المختلين عقلّيا، إذ تقوم بترحيلهم إلى مجموعة من المدن حفاظاً على خلو المدن الكبرى من أي تهديد ممكن، وتحويلهم نحو مدن صغيرة لا يعتبر سكّانها بالنسبة لحقوقيين مواطنين من الدرجة الثانية، مشددين على “ضرورة التفكير في نهج مختلف ينتصر للحاجة المستعجلة لتوسيع بنية المستشفيات التي تستقبل المختلين”.
هذا الرفض جاء رغبةً في توسيع النقاش الذي طرأ في تزنيت ومنحه “بُعداً وطنياً شاملاً”، بعد أن ندد فيها فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بما يجري، مشددا على أنه “يتابع عن كثب ظاهرة ‘تفريغ’ أشخاص يعانون من اضطرابات عقلية ونفسية في المدينة، التي أرخت بظلالها بشكل لافت للنظر، وخاصة وسط المدينة، دون معالجة أمنية أو صحية، الأمر الذي يهدد سلامة وأمن الساكنة”.
حماية للمواطن
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال إن “إقدام السلطات العمومية على نقل الأشخاص المختلين عقليًا ونفسيًا من مدن كبرى، مثل الدار البيضاء ومراكش، إلى مدن مثل تيزنيت، شيشاوة، أكادير… أصبح سياسة ممنهجة وظاهرة مقلقة، تنطوي على مخاطر كبيرة تهدد سلامة هؤلاء المرضى وسلامة السكان المحليين بوجه خاص”.
وأردف الخضري ضمن تصريحه لهسبريس: “سبق أن تمت إثارة الموضوع في بيانات عديدة، من ضمنها بيان في بداية السنة، بعد أن رصدنا إفراغ ثلاث حافلات حمولتها من المختلين عقليا تحت جنح الظلام بمدينة شيشاوة”، مضيفا: “رغم تنبيهاتنا المتكررة مازالت السلطات تقوم بهذا الفعل غير المقبول، في وقت كان لزاما على الحكومة إحداث مراكز كافية للإيواء وتوفير الرعاية الصحية والعقلية لهذه الفئة من المرضى”.
وشدد الحقوقي ذاته على “ضرورة حماية هذه الفئة وحماية المجتمع من أفعالها غير المحسوبة، بدل ركون السلطات العمومية والأمنية إلى خيار نقلهم إلى مدن أخرى، ما يتسبب في حالة ذعر في أوساط الساكنة، بل أدى في بعض الأحيان إلى إزهاق أرواح مواطنين أبرياء لا حول لهم ولا قوة، مثلما وقع في إقليم شيشاوة بجماعة سيدي المختار، حين ضرب مختل عقليا طفلا بفأس وأرداه قتيلا على الفور”.
وذكر المتحدث أيضا “إقدام مختل عقليا بمدينة تاونات على ذبح تلميذة في الثانية عشرة من عمرها كانت في طريق العودة من المدرسة”، مضيفا أن “مختلا عقليا لقي حتفه إثر اعتراضه شاحنة بمدينة شيشاوة، ما يعكس تقصيرًا في الرعاية الواجبة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وفشلا في منظومة الرعاية الاجتماعية، ويشكل تهديدًا لأمن المجتمع ككل”.
لكل ذلك طالب رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان بـ”تدخل فوري لوقف هذه الممارسات وإنشاء مراكز متخصصة للرعاية، إلى جانب فتح تحقيق مستقل لتحديد المسؤوليات”، داعيا في الختام إلى “توفير دعم مجتمعي وتوعوي يساهم في التعامل الآمن مع هذه الفئة”.
توسيع للبنية
إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، قال إن “المشكلة” المتعلقة بالطب النفسي والعقلي في المغرب “عميقة”، مبرزا أن “الخدمات الصحية الموجهة لفائدة المختلين عقليا جد نادرة”، ومعتبراً أنه من قبيل “الحيف الرّسمي” أن نعثر على مستشفى الرازي للأمراض العقلية لوحده موجها لما يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة بالجهة.
ولفت السدراوي إلى ما وصفها بـ”الصعوبات” التي تواجه الحقوقيين والفاعلين المدنيين في إيجاد أماكن مناسبة لهؤلاء المرضى، رغم أن وضعهم يشكل خطرا عليهم ابتداء، ثمّ على محيطهم وأسرهم، وكذلك على عموم المواطنين، مسجلاً أن “ثمّة حالات كثيرة لأشخاص تمّ رفض استقبالهم في مستشفيات، ما أدى إلى كوارث مثل إحراقهم منازلهم أو الاعتداء على الناس”.
ورفض الحقوقي ذاته “ترحيل المختلّين نحو المدن الصغيرة والضواحي”، معتبراً أنها “معضلة أخرى أصبحت مؤرقة ومتفشية، في غياب حلول حقيقية لفتح مستشفيات خاصة بالأمراض العقلية”، ومنبها بالإضافة إلى ذلك إلى “انتشار المخدرات وأقراص الهلوسة التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى هذه الأمراض، مع تفشي ظاهرة الشعوذة والنصب على الناس بدعوى معالجة الأمراض العقلية”.
وشدد المتحدث عينه على أن “المشكلة بنيوية في البلد، وعلى الحكومة أن توسّع هيكلة مستشفيات الرعاية والعلاج النفسي بشكل كافٍ لتجاوز هذه المرحلة”، مبرزاً أن “مغرب اليوم لا يستطيعُ أن يتحمّل تبعات نساء مختلات في وضعية حمل غير مرغوب فيه، ناتج طبعا عن الاعتداءات التي تحدث في الشارع؛ وتكون النتيجة أطفالا دون مأوى وبلا رعاية، والحال أن أمهاتهم في حاجة لها أيضاً”.
وعلى اعتبار أن المغرب مقبل على احتضان تظاهرات عالمية لفت السدراوي عناية الفاعلين العموميين إلى “أهمية إيجاد حلول حقيقية وتوفير ما يكفي من المرافق، لأن الإعلام الجزائري يقظ ويتصيّد كل حادثة مماثلة ليصوّرها كفعل إرهابي حتى لو كانت ناجمة عن تحرك لشخص مختل عقليا، وقد حدث ذلك حين هاجم رجل مريض ذهنيا سائحة أجنبية”، خاتما: “التحرك ضروري من أجل بلدنا”.