بينما تقترب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يتساءل الكثيرون حول العالم عن نظام الانتخابات المعتمد في الولايات المتحدة، الذي يعتمد على المجمع الانتخابي بدلًا من التصويت الشعبي المباشر. هذا النظام الفريد يجعل المرشح الفائز بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، البالغ عددها 538 صوتًا، هو الرئيس، حتى لو خسر التصويت الشعبي الوطني. قد يبدو هذا النظام غريبًا، لكنه عريق ويعود إلى جذور تأسيس الولايات المتحدة.
لماذا نشأ نظام المجمع الانتخابي؟
اعتمد الآباء المؤسسون للولايات المتحدة نظام المجمع الانتخابي منذ دستور 1787، حيث كان الهدف من هذا النظام الجمع بين الديمقراطية المباشرة ونظام الولايات الفيدرالية. كان الكونغرس هو البديل الأقرب لاختيار الرئيس، لكن الآباء المؤسسين شعروا أن هذا قد يقلل من ديمقراطية النظام ويمكّن فئة صغيرة من الأثرياء من السيطرة على الانتخابات. من ناحية أخرى، كان التصويت الشعبي المباشر غير عملي آنذاك، حيث كانت الولايات المتحدة دولة ناشئة تتكون من 13 ولاية تتفاوت في عدد سكانها بشكل كبير.
اعتمدوا على المجمع الانتخابي كحل وسط، حيث يتم تمثيل كل ولاية بعدد من المندوبين يساوي عدد أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب عن الولاية، بحيث يساهم هذا في تحقيق نوع من التوازن بين الولايات الكبيرة والصغيرة، ويمنع الولايات الأكثر كثافة سكانية من التحكم الكامل في نتيجة الانتخابات.
كيف يعمل المجمع الانتخابي؟
يتكون المجمع الانتخابي من 538 مندوبًا، ويتعين على المرشح الفوز بما لا يقل عن 270 صوتًا للفوز بالرئاسة. يتم تحديد عدد المندوبين لكل ولاية بناءً على عدد سكانها؛ كاليفورنيا على سبيل المثال لديها 55 مندوبًا، بينما تمتلك الولايات الأقل كثافة سكانية مثل وايومينغ وألاسكا ثلاثة مندوبين فقط. يقوم الناخبون بالتصويت لصالح مرشح معين في يوم الانتخابات، وعندها يتم منح جميع أصوات المندوبين للمرشح الفائز بالأغلبية في كل ولاية، باستثناء ولايتي مين ونبراسكا اللتين تعتمدان نظامًا نسبيًا.
متى يفوز المرشح رغم خسارته التصويت الشعبي؟
قد يبدو هذا النظام معقدًا، لكنه أيضًا يحمل إمكانية فوز المرشح رغم خسارته التصويت الشعبي. فقد يحدث ذلك عندما يتمكن المرشح من الفوز في الولايات الكبيرة أو الحاسمة بعدد أصوات ضئيل، بينما يحصل منافسه على أغلبية واسعة في الولايات الأخرى، مما يزيد من حظوظ الأول في المجمع الانتخابي. مثال على ذلك هو فوز دونالد ترامب في 2016 رغم تفوق هيلاري كلينتون عليه بأكثر من ثلاثة ملايين صوت شعبي. وقبل ذلك، فاز جورج بوش الابن على آل غور في 2000 بفضل أصوات المجمع الانتخابي رغم أن غور حصل على نصف مليون صوت شعبي أكثر.
نقاشات مستمرة حول النظام الانتخابي
يشير النقاد إلى أن المجمع الانتخابي يُضعف الديمقراطية ويحد من صوت الناخبين؛ إذ قد يؤدي إلى وصول مرشح للرئاسة رغم عدم فوزه بالتصويت الشعبي، مما يثير التساؤلات حول مدى عدالة النظام. رفع الكونغرس عشرات المقترحات لإجراء تعديلات على المجمع الانتخابي على مدار العقود، لكنها لم تلاق النجاح اللازم. في المقابل، يرى مؤيدو النظام أن المجمع الانتخابي يوفر نوعًا من التوازن بين الولايات ويعزز النظام الفيدرالي الذي يجمع جميع الولايات في عملية انتخابية عادلة، تتيح تمثيلًا متوازنًا للولايات الصغيرة في تحديد مستقبل البلاد.
حالات تاريخية قلب فيها المجمع الانتخابي النتائج
شهدت الانتخابات الأمريكية العديد من الحالات التي أثارت الجدل، منها انتخابات 1824 حيث فاز جون كوينسي آدامز رغم أن خصمه أندرو جاكسون حصل على أغلبية الأصوات الشعبية، وأيضًا انتخابات عام 1876 و1888 و2000. وتؤكد هذه الأمثلة على قوة المجمع الانتخابي في تحديد هوية الرئيس بعيدًا عن نتائج التصويت الشعبي.
هل يتغير المجمع الانتخابي؟
على الرغم من الدعوات المستمرة لإصلاح النظام الانتخابي أو إلغائه، لم تجرِ تعديلات على المجمع الانتخابي حتى اليوم. يتطلب إحداث تغييرات على هذا النظام تعديل الدستور، مما يتطلب موافقة واسعة تشمل ثلثي أعضاء الكونغرس وتصديق ثلاثة أرباع الولايات. ومع أن بعض الأصوات تطالب باعتماد التصويت الشعبي المباشر كبديل، يرى البعض الآخر أن النظام الحالي يحقق التوازن بين السلطات ويسهم في الاستقرار السياسي، لأنه يجبر المرشحين على التواصل مع جميع الولايات، بدلاً من التركيز فقط على الولايات ذات الكثافة السكانية العالية.
المجمع الانتخابي.. حل وسط أم نظام قديم؟
بينما تبقى الانتقادات قائمة، يظل المجمع الانتخابي جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي الأمريكي. فالسؤال حول ما إذا كان النظام يعكس إرادة الناخبين حقاً سيظل مطروحاً في كل موسم انتخابي، ولكن من المؤكد أن المجمع الانتخابي يعكس توازنات معقدة ترجع إلى زمن تأسيس الولايات المتحدة، وتبقى مفتوحة للنقاش والتجديد في مستقبل النظام الانتخابي الأمريكي.