منطلقين من ثلاثة أسئلة تخص “مشروعية الوجود، الوضعية الحالية وانتظارات المستقبل”، حاول سياسيون تفكيك تجربة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، الذي دبر الشأن العام على مدار عقد من الزمن، مع الإشارة إلى ما قد يكون هذا الحزب أضافه إلى التجربة السياسية المغربية، و”إمكانات” ارتباطه بمنظومة الإخوان المسلمين العالمية، وذلك ضمن ندوة نظمتها اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني التاسع للحزب بالرباط.
بين السياسة والدعوة
عبد الله ساعف، سياسي وأكاديمي، قال إن “الحزب عانى من تعقيدات في فترة التفكير في نشأته وما إذا كان الأجدر وقتها الانضمام إلى أحزاب أخرى أو تأسيس حزب خاص وجديد. ومنذ سنة 2011 صرنا نتحدث عما سيأتي به هذا الحزب للحياة السياسية المغربية؛ فالأساس هو أنه كان هناك غموض في الأهداف: هل هي حماية الدعوة وحماية المناضلين حزبيا وتنظيميا أم الانخراط في حزب يمارس الصراع السياسي؟”.
وأضاف ساعف، ضمن ندوة نظمتها اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، أن هذا الأخير، على مدار عمره، “كان يعرف تباينا في الأصوات داخله، لكن ليست بالحدة التي عرفتها أحزاب أخرى، وبقيت في حدود نسبية في نهاية المطاف”، مشيرا إلى أن “هذه الخلافات كانت تتراجع في مراحل التقدم لدى الحزب وتبرز في الفترات الحاسمة”، قبل أن يؤكد أن “الحزب لم يتمكن من منع التداخل بين البُعدين الديني والسياسي، حيث إن المشاكل ذات البعد الديني كانت دائما تطفو على سطح اهتمامات الحزب”.
وزاد رئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية: “ما كان يظهر هو أن الدولة كانت تقول إن الحزب يجب أن يمارس السياسة، في حين إن داخل الحزب نفسه كان هناك نقاش حول كيفية التمييز بين الاثنين؛ أي السياسي والدعوي. كما أنه منذ تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة بدأت المواجهة بين الطرفين، خصوصا وأن البّام وضع مواجهة الإسلاميين هدفا له وكان يقول بأن الأحزاب الأخرى ليست لديها القدرة على ذلك”.
صندوق المقاصة والتطبيع
أفاد السياسي مولاي محمد الخليفة بأن “الحزب كان صائبا في اختياراته، إذ اختار أن يكون حزبا يبني كل أطروحاته على أن الإسلام له دائما إشعاعه وحضوره في كل عصر، وهو حزبٌ كذلك حدّدَ من الأساس في تصوره الخاص أنه لا يمكن العيش إلا في إطار نظام ملكي ديمقراطي، محاولا أن تكون قيم الإسلام الخالدة هي التي يُبنى عليها تفكير مناضليه”.
وأضاف خليفة أن “الديمقراطية الداخلية هي التي حَمتْ الحزب، سواء في انتخاب نوابه أو تعيين وزرائه. فهو إذن أظهر أنه يستحق أن يوجد في الخريطة السياسية، على الرغم من أنه انتمى إلى المعارضة على مستوى البرلمان منذ بدايته ومساندته النقدية لتجربة التناوب”، مبرزا أن “الحزب عندما استلم السلطة في سنة 2011، حاول بلورة أفكاره ووضعها في القنوات الطبيعية لها حتى ترى الوجود”.
وزاد: “بخصوص تدبير الشأن العام، ففي السابق كانت هناك أحزاب تخاف من معالجة ملف صندوق المقاصة، في وقت كانت 7 في المائة من أموال الدولة تعرف الخلل. الدولة وقتها كانت تذهب إلى دعم المحروقات، مما تسبب في مفاقمة المديونية، في حين إن هذه المديونية تراجعت بعد المراجعة التي عرفها صندوق المقاصة في سنة 2015 من 7 إلى 4 في المائة. هذه الخطوة مكنت البلاد من توفير مبالغ مالية”.
وتطرق المتحدث إلى إحدى القضايا الأكثر حساسية بالنسبة لـ”لبيجيدي”، المتعلقة بتوقيع سعد الدين العثماني، بصفته رئيسا للحكومة، في 2020، على “اتفاق التطبيع”، حيث اعتبر أن الحزب “كان يعتبر أن توقيع عضو منه يعتبر خروجا عن المنهجية وعلى ما تعهد به سابقا”.
وقال: “كثر يقولون حاليا إن الحزب وقّع على التطبيع، وفعلُ التطبيع هو الصحيح؛ فسعدُ الدين العثماني كان تحت ضغط الواقع، ولا يمكنه أساسا أن يقول للملك لن أوقع معك. فعلى العموم إنْ أخطأ عضو واحد بالحزب، فإن الحزب ليس كله مخطئا”، حسب تعبيره.
تدبير الاختلافات
تحدثت ماء العينين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن نشأة الحزب “في وقت متسمٍ بالأيديولوجيا، وهو بذلك حزبٌ جاء من امتدادات سابقة كان لها تأثير على كينونته”، مشيرة إلى أنه “حاول القيام بالتمايز بين ممارسة السياسة بنفس إسلامي وبين ممارسة الدعوة”.
وذكرت ماء العينين أنه “يمكن أن يكون هناك تأثرٌ بمنظومة الإخوان المسلمين وأعلامها، في وقت أن من النجاحات الأساسية للمؤسسة الحزبية هذه هي أن المغرب تفهّم أنها ذاتُ نشأة وطنية”، متابعة: “أما من ناحية الإكراهات، فإن الحزب يحاول تدبير وجوده، وهو إشكال فعلي لكنه ليس عيبا في سياق صعب؛ فليس عيبا أن يدبر وجوده إذا كان مهددا أساسا”.
كما أكدّت ماء العينين أن “الحزب نجح خلال تجربته في أن ينال شرعيته من المجتمع ومن الدولة كذلك ما دام أنه قام بتدبير الشأن العام لمدة عشر سنوات. الحزب كذلك تمكن من تدبير الاختلافات، وجزء منها كان يتصل بما حدث في سنة 2021″، خالصة إلى أن “هناك أسئلة مطروحة حاليا حول مدى استطاعتنا الاندماج داخل النسق السياسي على العموم”.