على وقع إضرابات لم تهدأ وتيرتها منذ أشهر، حتى صارت “روتينية” كل أسبوع بالنسبة لعدد من المواطنين والمواطنات الذين يرتادون المؤسسات الصحية العمومية، ما زال إصلاح المنظومة الصحية الوطنية حبيسَ نقاشات تجمع الوزارة الوصية بالنقابيين؛ فيما يبقى المريض مرتاد المرفق الصحي “أكبر الخاسرين”.
وبينما أعلن التنسيق النقابي السداسي لقطاع الصحة تعليق برنامجه الاحتجاجي، بعد تقييمه “لمجريات الاجتماع” الذي لمَّه، نهاية الأسبوع الماضي، بمسؤولي وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، معلنا أنه تم إحراز “تقدم” في تنزيل بعض بنود الاتفاقات السابقة والاشتغال على تسريع تنزيل أخرى؛ أعلن المكتب الوطني للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام “استمرار النضال بإضرابات وطنية، وأسبوع للغضب خلال شهر فبراير المقبل تتخلّلها وقفات احتجاجية بكل الجهات”.
ومن المرتقب أن يكون مرتادو المؤسسات الطبية العمومية في المغرب على موعد مع “توقيف جميع الفحوصات الطبية بمراكز التشخيص من 03 فبراير إلى 07 فبراير 2025″، حسب ما يتشبث به أطباء القطاع العام، مشددين على ضرورة “فتح الوزارة لباب الحوار معها”.
“تشبث بالإشراك”
المنتظر العلوي، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، جدد التأكيد، في تصريح لهسبريس حول الموضوع، على أن “النقابة تتشبث، منذ انطلاق أولى جولات الحوار التفصيلي حول القوانين والمراسيم الجديدة في قطاع الصحة العمومي، بترجيح أسلوب الحوار على خوض التصعيد، إيماناً منها بضرورة إنجاح ورش تعميم التغطية الصحية والقيام عبره بإصلاح حقيقي للقطاع الصحي العمومي ليستفيد المواطن المغربي من خدمات صحية ذات جودة”.
وقال العلوي: “نمارس حق الإضراب، مع حرصنا على الحفاظ على الحد الأدنى للخدمات الاستشفائية لصالح المواطنين. ولا نسعى إلى شل المستشفيات؛ بل إننا دعاةُ حوار وضرورة إشراكنا في صياغة قوانين المنظومة الصحية الجارية، خصوصا النظام الأساسي النموذجي وباقي القوانين التي تهمّ فئة الأطباء”.
وشدد المتحدث لهسبريس على أن “اتفاق يوليوز 2024 لا يُلزمهم؛ لأن النقابة المستقلة رفضت التوقيع عليه لعدم وجود ضمانات كافية ضمانات للوضعية الاعتبارية المعنوية للطبيب وباقي مهنيي الصحة بـ”صفة موظف عمومي كامل الحقوق”، حسب تعبيره.
“ضحية مِثل المواطنين”
بخصوص إمكانية تضرر المواطنين من استمرار هذه الإضرابات، قال الكاتب العام للنقابة ذاتها: “نعتذر للمواطن، ونقول له إننا معك كضحية تعنّت الوزارة وتحميلها المسؤولية عما يجري في إصلاح المنظومة الذي يتم بشكل انفرادي لا يراعي المكتسبات السابقة”، مبرزا “الحرص على جاذبية القطاع العمومي للصحة، كما نؤكد أن الأثر المالي ليس في صدارة الأولويات؛ بل نطالب بالحفاظ على المكتسبات السابقة وإشراكنا في صياغة القوانين” لافتا إلى أن “الشق القانوني المعنوي-الاعتباري أهم من المطالب ذات الأثر المالي”.
ورفض المتحدث ذاته وصْف ما تم خلال سنة 2022 من رفع لأجور الأطباء بـ”الزيادة”، مشددا على أنها “تسوية لوضعية مُعوّجة سابقا تقضي باستفادتهم من أثر رجعي مما اتُفق عليه في سنة 2011، وما زلنا متشبثين بدرجتين خارج الإطار وما وقّعنا عليه في محضر الاتفاق العام بتاريخ 29 دجنبر 2023”.
ولفت الدكتور المنتظر العلوي إلى أن “الوزارة تتحدث عن تثمين الموارد البشرية العاملة بالقطاع كركيزة للإصلاح الذي انبنت عليه مفاهيم الحماية الاجتماعية، والأطباء جزء منها؛ غير أنهم لا يمكنهم أن يقبلوا أن يكون الوضع الحالي بأقل من الوضع السابق”.
وختم بأن “الاحتقان الحالي ليس في صالح استكمال ورش الإصلاح الصحي المنشود، مع إقصاء أطباء العمومي من الحوار حول مشروع نظام أساسي متوافق بشأنه، وضمان معالجة إشكاليات الترقي والكوطا، معتبرا ضرورة الاعتناء بالأطباء بوصفهم فئة حيوية في المنظومة الصحية (حاليا يشكلون أقل من 10 آلاف طبيب في القطاع العام) وفي حال استمرار نزيف الهجرة للخارج أو الانتقال إلى القطاع الخاص وقلة تخصصات (الإنعاش مثلا) فتلك أوضاع تقرّ بها الوزارة الوصية لن تفضي إلا إلى تفاقم عوامل فرملة الإصلاح”.
التوازن والتدرج
أكد محمد اعريوة، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة (ODT)، عضو التنسيق النقابي الوطني (السداسي) بقطاع الصحة، أن “إصلاح المنظومة الصحية المغربية ورشٌ كبير فيه ما يهم المواطن، عبر ضرورة تثمين إحدى ركائز الإصلاح وهي الموارد البشرية”.
وأوضح اعريوة: “نسعى إلى ضمان التوازن بين تحقيق مطالبنا كموارد بشرية عاملة بالقطاع وبين المصلحة العامة لتجويد الخدمات الصحية لعموم المغاربة”.
وأضاف الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة شارحا في تصريح لهسبريس: “لسْنا دعاة إضراب، ولم نكن كذلك يومًا… مُجبرون لخوضه إنْ سُدّت أبواب الحوار؛ غير أن تقييمَنا لمخرجات اجتماع الجمعة الماضي يؤكد أن أبواب الحوار قد فُتحت من جديد، ولا تراجُع عن مركزية الأجور ومكتسبات قانون الوظيفة العمومية؛ وهو ما شددنا عليه في لقائنا مع الوزارة”.
وأشاد النقابي ذاته معتبرا أن “صياغة مراسيم قوانين الإصلاح قبل إرسالها إلى الأمانة العامة للحكومة ما زالت قيد التتبع وتدقيق الصياغة، كما أن نصوص الوظيفة الصحية نحرص فيها على ما يهمّ أيضا فئة الأطباء ويكرس مكتسباتهم”، كاشفا عن اجتماع مرتقب يوم 25 فبراير لاستكمال عمل صياغة نظام أساسي نموذجي؛ إذ هناك عمل متقدم عبر لجان تقنية”.
وشدد عضو “التنسيق النقابي الوطني لقطاع الصحة” على أن “التوازن بين المطلب الفئوي للمهنيين وبين المصلحة العامة للمرضى والمواطنين تقتضي تحكيم الحوار وتغليب المصلحة الفضلى للمرضى”، موردا أن “تحسين الحالة المادية والاجتماعية لجميع مهنيي الصحة هي في صدارة ما تستحضره قيادات التنسيق في حواره مع الوزارة”.
وختم تصريحه مستدلا بأن “مطلب درجة أو درجتين خارج الإطار بالنسبة للأطباء لا تزال قيد النقاش مع الوزارة، ومن المقرر أن يتم نقاشها حين التطرق إلى كيفية تنزيل إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب”.