لاشك إن ما نراه في هذه الأيام من أفعال أشبه بـ “العته” أمام اللجان الامتحانية بالمدارس يضعنا جميعا أمام مسئولية عظيمة! فهل أصبح الغش مستباحًا لدى الكثير منا؟ أم إننا لم نعد نعبأ بتزوير الحقائق؟ وأصبح كل همنا أن يحمل أبناءنا شهادات نعرف إنها معيبة، ونحن من شاركنا في هدم هذا الجيل!
أم إنها بعض الروائح العفنة لأزمة الأخلاق العملاقة، التي تغلغلت شيئًا فشيئا، حتى أصبحنا نمشي بالمقلوب!
هل من الطبيعي أن نرى إحدى المدرسات الفاضلات تطلب سيارة النجدة لتنقذها من أولياء الأمور اللذين توعدوها لأنها تحافظ على النظام داخل اللجان الامتحانية وترفض الغش؟ أهذا أصبح الشكل المقبول للمجتمع المصري ذو التاريخ الحضاري العريق؟
وهل ما رأيناه من بلطجة طالت حتى مدارس أبناء الأغنياء، وسط حالات من السحل واستخدام الأسلحة البيضاء هو بالأمر الطبيعي؟
هل كان هذا حال التعليم في مصر، التي علمت العالم الاخلاق والاحترام فيما سبق؟ وهل إذا أردنا أن نستعيد مكانة التربية والتعليم في مصر، نستعيدها فقط بإعادة مسمى "البكالوريا" بديلا عن الثانوية؟ وهل ننتظر حلول أخرى خارج الصندوق، كأن نغير اسم الاعدادية إلى التوجيهية لنعيد الطلاب إلى المدرسة بشكل فعلي إلزامي؟ وهل سوف نعيد مسمى الشهادة العالية لنحارب به الغش في المدارس؟ كلها تساؤلات حقيقية، فنحن بالفعل أمام مشكلة لا يجب أن ندير لها ظهورنا.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعلل فساد التعليم بالكثافات العددية المرتفعة للفصول، وإلا فماذا يدفع الطلاب إلى الاصطفاف كأعواد الكبريت داخل أوكار الدروس الخصوصية (السناتر) في إعداد تتعدى النصف الف طالب، اللذين لا يمكنهم حتى التواصل مع النجم اللامع في الفيزياء أو الكيمياء إلا من خلال شاشات تليفزيونية!
فساد الأخلاق
ولا يمكن أن نعلل فساد الأخلاق بتفشي مواقع التواصل الاجتماعي، فلو كان كذلك لكان الفساد قاصرا على الطلاب في مراحلهم الأولى ولم نكن لنرى ولي أمر يقف أمام اللجان الامتحانية لمحاولة تلقين ابنه الاجابات بالغش، ولما كنا رأيناهم يتلصصون لمعلم فاضل أراد أن يعلي من قيمة العلم ويحاول أن يثأر له بمنع حالات الغش داخل المدارس.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور صلاح المجتمع بلا اقتران بين التربية والتعليم، ولن يتحقق ذلك دون رجوع المدرسة كما كانت قلعة للعلم والتربية معا، بمدرسين يقدرون قيمة ورسالة المدرسة.
لكن هل سنجد مدرسا كأبو العلمين حمودة بدراجته مرة اخرى، في عالم يعج بالسيارات الفارهة، هل تستطيع أي قيادة تعليمية إقناع المدرس بالعودة للمدرسة ليتقاضى مرتبا زهيدا بعد ما استطاع أن يحقق ملايين الجنيهات في سنتر خَرب؟
لابد أن ندرك خطورة تجمع الطلاب أمام سناتر الدروس دون أي نظام أو ردع، فبينما كان تجمع الطلاب في المدارس مسيطرا عليه لتعليمهم فضائل وقيم أصبحت تلك التجمعات في الشوارع أمام سناتر وأوكار الدروس مصدرا لتعلم البلطجة وتعاطي المخدرات، في مباركة من أصحاب السناتر وأصحاب المحلات المحيطة بها، فقط من أجل جمع المال، فالطالب للأسف هو السلعة الرائجة، وكيف لا وأمام السناتر في تلك الشوارع يقبع مئات الطلاب كل ساعة.
فساد التعليم أصبح بمثابة الجائحة، التي تتطلب تخطيط قومي وتكاتف القيادات مع الشعب لإعادة دور المدرسة، ليس فقط لتربي الطلاب ولكن لتربي بعض أولياء الأمور ممن يتطلب الأمر إعادة تربيتهم، ليعلموا المعنى الحقيقي لكلمة " مصر" إن لم يكونوا يعرفوه.
حفظ الله مصر
كاتب المقال
الدكتور هاني أبو العلا
استاذ نظم المعلومات الجغرافية
وخبير التنمية المستدامة بمنظمة اليونسكو،
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.