أخبار عاجلة
موعد وقناة عرض الحلقة 5 من مسلسل صفحة بيضا -

الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية

الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية
الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية

دعا الشاعر والروائي محمد الأشعري في درس تنصيبه عضواً في أكاديمية المملكة المغربية إلى سياسة لغوية حاسمة “للوضع اللغوي كله، لا لُغَة واحدة؛ لبناء قوة لغوية، لا إبقاء نوع من الاضطراب اللغوي”، حتى “تتوسع اللغات الوطنية، ويتنمى حوارها الذاتي، وحوارها مع لغات العالم”.

وحملت كلمة الأشعري، الأربعاء بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالعاصمة الرباط، “دعوة للمصالحة اللغوية؛ وإلا سنجد صعوبة قصوى في إرساء المكانة المركزية للأدب والفنون في حياتنا اليومية ووضعنا الثقافي”، في حديث عن “المكانة المادية التي يعكسها حجم التداول والصناعات المرتبطة به”، لا المكانة الرمزية فقط.

وتابع وزير الثقافة سابقا: “السحب الأدبي يتراوح بين 500 و2000 نسخة، والمبيعات لا تتجاوز نصف هذا العدد، فكيف نتصور تأثير الأدب الذي يفترض أن يكون منتجا لقيم جمالية جديدة، وأشكال من القيم المضادة والمقاومة الاجتماعية والسياسة، وقيم الحرية ومقاومة الجمود والانغلاق؟ خاصة في مجتمع لا ينفك ينتج القيم التقليدية المحافظة”.

الكاتب الحاصل على “بوكر العربية” و”جائزة الأركانة العالمية للشعر” نفى أن يكون داعيا إلى “إخراج الفرنسية من خريطة التعدد اللغوي بالمغرب”، بل نادى باستثمارها “لتظل نافذتنا للثقافة العالمية”، ثم استدرك قائلا: “ليس من المنطقي رغم أهمية تعليم اللغات الأجنبية، وإعادة الاعتبار للإسبانية أيضا، تجاهل الأبعاد الاجتماعية والتاريخية للفرنسية في علاقتها بمجتمعنا، دون الانزلاق كما كما دعا تقريرٌ برلمانيّ للتعويض التدريجي لها بالإنجليزية”.

الفرنسية بالمغرب “لا ينبغي وضعها في وضع تنازع للشرعية، ولا كوضع شريك كامل في التعددية”، وفق المتحدث، الذي شدّد على “ضرورة الحسم في ما يمكن تسميتها الصدارة اللغوية الوطنية، التي ينبغي أن تكون للغتين العربية والأمازيغية دون تردد، ودون مد وجزر؛ فالتعدد لا يعني التشوش اللغوي”.

هذه الصدارة لا ينبغي أن تكون مجرّد ترتيب إداري وقانوني، فهو موجود سلفا بحكم الدستور الذي نصّ على لغتين رسميتين، بل ينبغي أن تكون “استثمارا ضخما وإستراتيجيا في لغاتنا الوطنية، في تدريسها، وإحلال آدابها محلا إستراتيجيا؛ وهي إستراتيجية موجودة وراء كل لغة ذات نفوذ”، يورد المحاضر.

ونبّه كاتب “عين العقل” إلى ضرورة تجاوز “مقاربتين عقيمتين هما: التراتب والتجاور؛ أي جعل لغاتنا في مراتب أولى وثانية وثالثة، واعتبار التعدّد تجاور اللغات لا اشتباكها”، كما نبّه إلى خطأ “أن تكون سياسة لكل لغة”، بل السبيل هو “سياسة مندمجة لها كلها”.

وباستحضار وجود 7 لغات رسمية في جنوب إفريقيا، و22 لغة رسمية بالهند، مع صدارة التعبير الوطني في النشر للإنجليزية، ذكر صاحب “ثلاث ليال” أن “تعدديتنا في المغرب، وخريطتنا اللغوية تصير (أيسر)؛ لغتان رسميتان، العربية والأمازيغية، والدارجة طبعا، وليس بديهيا أن تكون الفرنسية ضمن النسيج التعددي حتى وهي تحتل اعتباريا ونفوذا مكانة في الخريطة ولو أنها أجنبية، ولا ينقص منها قرار محاكم مغربية ببطلان الوثائق بها إذا لم تكن باللغتين الرسميتين”.

الأشعري نادى بمقاربة سياسية وثقافية “لنحب لغاتنا”؛ “وهذا مطلوب أيضا في كل الأمم، وأحس بأن هذا العشق غير موجود”، لكن كيف يتحقّق ذلك؟.

يجيب الأديب المغربي: “الابتعاد عن اعتبار العربية لغة شبه ميتة أو لغة فقهية، أو أنها في أحسن الأحوال لغة كلاسيكية، وهذا سوء تقدير غريب، لأن لغتَنا حديثةٌ؛ استفادت من الأدب والسينما والمسرح والحياة اليومية واللغات الأخرى بما فيها الأجنبية، والكلاسيكية الوحيدة في اللغة العربية هي لغة امرئ القيس والجاحظ والمعري”.

وتابع الجواب: “يجب أن نتوقف كذلك عن اعتبار الأمازيغية مجرد لغة شفوية من الماضي نحاول بعثها للإسهام في الحاضر (…) تراثها الشعري كبير، وتحاول أن تنتج ضمن ظروف صعبة نصوص أدبها الحديث، لكنها ليست لغة عابرة مؤقتة، في انتظار تحولها للغة فصيحة أو بين بين، فهناك تطور يومي (بفضل التداول الإعلامي، وتخصيص مساحات أوسع لها، فجر قدراتها التعبيرية بشكل لم يسبق له مثيل، وبفعل الاستعمال اليومي في المسرح والسينما والأغنية) وحرية تكيف مع الواقع في المدن والقرى”، وزاد: “ستبقى لغة أمهاتنا وأجدادنا في السينما والتلفزيون والأنماط الغنائية المختلفة ولن نتجاوزها أبدا، وينبغي وقف الاستخفاف بها، واعتبارها لغة أدنى لم تنضج بعد”.

في درس الأشعري حديث عن العلاقة باللغة، إذ قال: “اتسمت علاقتي باللغة منذ البداية باكتساب وفقدان، اكتساب كلمات لها ذوق وشذى، وفقدان أصوات شفوية غير مروضة، تقيم في حد فاصل بين الذاكرة والمتخيل، والحسي والروحي، وعليها قامت علاقتي بالأدب”، ثم استرسل قائلا: “أكتب بالعربية الفصيحة، وأنصت لداخلي الذي فيه أجناس متجانسة ومتصارعة، أمازيغية وعامية، محدثة باستمرار جداول تغذي النص، أو تبذر فيه أسئلة مقلقة عن ماهية الشعر، وقيمته الجمالية في الأدب والحياة، وأزمته الأبدية؛ لأنه يوجد دائما بين الإمكان والاستحالة، وموقعه الملتبس كوليد للغة وأم لها، تستعيد المحكي والمستعاد، بالشخوص والأمكنة، والمقيم والعابر، والتأريخ والمحو، في حيز متشابك من التجربة الحسية والوجودية”.

هكذا اكتسب الأشعري الكلمات “مثلما تجمع الحجارة الكريمة؛ في كل كلمة ضوء ومعنى وحضور”، واستدرك: “لكن في فقدان اللغة تفلت مني في أشكالها الشفوية الأولى، حينما كانت صوتا بلا رسم مشحونة بالحياة، لكنها عصية على التهجي”، ثم أردف قائلا: “اختياري للغة الكتابة لم يكن ضرورة فحسب، بل كان عشقا وشغفا للغة التي أكتب بها”، لكنه وضعه في مشكل مع “شفهيته” الأولى، وهو ما تجاوزه بفضل “انبثاق غناء المجموعات الحديثة في السبعينات”، وخاصة “ناس الغيوان” و”جيل جيلالة”؛ لأنها كانت “لغة الراهن، مسكوبة في أحشاء التربة التي نعيش فيها”، و”مسِّهم شيئا عميقا في ذواتنا، لتوقنا للتمرد والتغيير، وحاجتنا القصوى للاستماع إلى لغة أمهاتنا تسمو إلى مصاف لغة عالمية، ترتاد كل مسارح العالم”، بأهازيجهم “المتداولة والمنسية من العيطة وكناوة والملحون”؛ فـ”وُلدت معهم شعرية جديدة للغة الدارجة، لا تشبه شعر الأغنية العصرية، التي رغم دارجتها المبتكرة والشعرية فإنها محافظة شيئا ما، ومشدودة لأجواء الشرق”.

الأمر الثاني الذي يدين به الأشعري للتصالح بين الفصاحة والشفهية إقدامه في تسعينيات القرن العشرين على كتابة رواية “جنوب الروح” ليستعيد فيها قريته ضواحي مولاي إدريس زرهون، وإحساسه بأن القرية التي اقتُلع منها ومن أمه تشبه بناء جميلا آيلا للانهيار، “لا لمنع الانهيار الذي لا مناص منه، بل لمنع الاندثار (…) وجدت نفسي أمام نوع من الأدب لا يتحدد باللغة فقط بل بالذاكرة أيضا”.

وعاد الأشعري وحيدا، بين من طمحوا إلى العودة إلى القرية الأصلِ، للقرية المستقرِّ التي رأى بها النور نواحي زرهون، عاد للكتابة حولها، ووجد أن أمازيغيته غيرتها الهجرة، وقيل له إنها “أمازيغية من عهد بعيد”.

هذا اللقاء أثّر في الأديب وكتابته، موردا: “صرت أكتب بالأمكنة أكثر مما أكتب باللغة، وصرت مقتنعا بعدم إمكان الاستمرار بالعربية الفصيحة، دون الاعتماد على الجوهر الشعري”، للأصوات الأخرى، في لغتها وتعبيراتها.

وتحدث المحاضر في درسه حول “منابع منسية في نصوص أمازيغية ودارجة” صار يعتبرها “نسبه الشعري الحقيقي”؛ وهي “جزر أدبية يقتضي ربطها ببعضها مصالحة أكثر من أدبية، مصالحة في الفضاء العام، وجسورا مستمرة بين هذه اللغات ووضعها في صلب المدرسة المغربية والنظام التعليمي المغربي”.

وتطرق الأشعري إلى “اللغة الأجنبية” الفرنسية بالأساس، التي استمرت “كنافذة أساسية لمساعدة تطورنا الثقافي”، وزاد: “والآداب الإفريقية المكتوبة بهذه اللغة جعلت أدبنا المغربي باللغة العربية الفصيحة في لقاء بتجربة أسلوبية وإبداعية، لم يكن على احتكاك بها عندما كان في علاقة حصرية مع الشرق العربي”، ثم ذكر أن “تخصيب الفرنسية بلغتنا يتطلب علاقة متحررة من أغلال الماضي وإكراهات الحاضر”.

وقال الروائي البارز باللغة العربية: “المغرب عاش فترة طويلة إشكالية نسبِه الأدبي، فرغم ‘النبوغ المغربي في الأدب العربي’ بتعبير عبد الله كنون لم نُنتِج تيارات قوية لا في النثر ولا في الشعر؛ وكان الصدى المتردد لمدارس الشرق هو الأكثر بروزا، ولزم وقت طويل لبناء لغتنا الأدبية الخاصة، التي تغتني بالمجال العربي الواسع، وتتداول فيه، وتحمل ضمن مكوناتها نسبا آخر غير نسب الشرق”، وهذا “بحث مازال مستمرا، وسيظل مستمرا لأجيال متعاقبة”.

ومن بين استشهادات درس الأشعري استشهاد بالأديب وعالم الإناسة والاجتماع المغربي عبد الكبير الخطيبي، الذي قال إن المجال التعددي يسمح بالاستضافة المتبادلة؛ لأنه “في كل كلمة كلمات أخرى، وفي كل لغة لغات أخرى؛ ومن المهم أن تكون كل كتابة كتابة ضيفة”.

ثم استدرك المتحدث بأن “الانفصام هو السائد، رغم الترجمة”، قبل أن يستثني “ربما تجربة القصيدة الزجلية الحديثة في المغرب، التي صارت مشتبكة بتجربة القصيدة الفصيحة بناء وإيقاعا وتجربة شعرية، مع الحفاظ على لغتها العامية وتغيير بنيتها الشعرية، فصارت أقرب إلى الكتابة منها للإنشاد أو الغناء كما في الملحون والعيطة”.

ولا يستنقص الأشعري ترجمة الشعر خاصة وباقي أقوال وتعبيرات الحياة، ويقدم رؤية أخرى له: “رغم انعدام أو ضعف الجسور، نترجم صورا وتعبيرات إلى اللغة التي نكتب بها، وهي لا مجرد كلمات، بل أصداء لحضارةٍ عميقة. هكذا تصير الكتابة والترجمة معا شكلا لمقاومة الذوبان، حفاظا على نسب شعري ممتد، يشكَّل في فضاء لغوي جديد، دون فقدان بريق أصله”.

ويستحضر محمد الأشعري أشعار مريريدة نايت عتيق، التي ترجمت صدفة إلى الفرنسية، ولم يجد مترجمها شاعرتَها بعد نشر الديوان المترجَم، ولم يبقَ ولو بيتٌ شعريّ لها بالأمازيغية متذكّرا في قريتها، ومن الفرنسية ترجمها الروائي عبد الكريم جويطي إلى العربية؛ ثم يقدم أملا قد لا يبدو في سطح هذا المثال: “لقد غُرست في تربة جديدة وقطعت مسافات، فصارت لها فيها جذور وأغصان. هذه هجرة شعرية خلاقة، من الأمازيغية إلى الفرنسية فالعربية. هي هجرة طويت على فقدان، والترجمة سبب استمرار النص على قيد الحياة”. ورغم إمكان التفكير في هجرة عسكية وإعادة الأشعار إلى لغتها الأصلية، إلا أنها لن تكون النصوص نفسها، ولكن ما ينبغي الانتباه له هو: “أي لغة تستمر فيها هذه الأشعار بحرية ستبقى فيها روح الأمازيغية وعبقريتها حاضرتَين، ولو هاجرت للغات أخرى، فهذه قدرة الشعر على إنقاذ اللغة من الصمت، وقدرة اللغة على إنقاذ الشعر”.

" frameborder="0">

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مجلس الوزراء: منظومة الكارت الموحد تستهدف توفير مجموعة من الخدمات للمواطنين
التالى بعد قرار محمود الخطيب.. زيزو يوافق على عرض ممدوح عباس الخيالي ويوقع مع الزمالك