أخبار عاجلة

دراسة تعدد مؤثرات حضارية أمازيغية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء

دراسة تعدد مؤثرات حضارية أمازيغية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
دراسة تعدد مؤثرات حضارية أمازيغية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء

مُحاولة تجاوز الاختزال الحاصل في “دراسات كثيرة” للمُؤثرات الحضارية المغربية بإفريقيا جنوب الصحراء في تلك التي تحمل بعداَ عربيا، “بما في ذلك اللغة العربية والدين الإسلامي والمذهب المالكي وقراءة القرآن الكريم برواية ورش”، فصّلت دراسة علمية حديثة في مؤثرات المغرب الحضارية ذات البعد الأمازيغي ببلاد “السودان القديم”، كاشفةَ أنها تشمل مزروعات عدة كالقمح والقطن والتبغ، وأطعمة أبرزها الكسكس، وصناعة الأحذية و”البلاغي” و”الدراعيات”، ونُقلت من خلال عناصر عديدة أبرزها المُصاهرة.

تركيز الدراسة الصادرة عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، تحت عنوان “البعد الأمازيغي في الحضارة المغربية بإفريقيا جنوب الصحراء”، على هذا البعد، ينطلق من كون “القبائل والجماعات والأشخاص الأمازيغ يُصنفون ضمن من كان لهم قصب السبق” في حمل مؤثرات هذه الحضارة إلى بلاد السودان الغربي، “بحكم استقرارهم المبكر بالصحراء الكبرى التي تعتبر قنطرة مرور البضائع والأفكار من المغرب إلى أعماق إفريقيا، وبحكم عامل الجوار؛ حيث كانت هذه القبائل متاخمة لبلاد السودان”.

عناصر ناقلة

تطرّقت الدراسة التي أعدها الباحث في التاريخ مبارك آيت عدي بدايةً إلى العناصر الأمازيغية التي ساهمت في نقل حضارة المغرب إلى السودان الغربي، موردةَ منها القبائل الصنهاجية (لمتونة وكدالة ومسوفة وبني وارث وبني فشتال ولمطة وجزولة)، التي “انفتحت على بلاد السودان منذ وقت مبكر؛ نظرا لطبيعة مجالها الذي لا يشجع على الزراعة والاستقرار، وإنما على التنقل والتجارة”.

وأوضحت الدراسة التي طالعتها هسبريس، نقلاَ عن مؤرخين مغاربة كالمختار السوسي والرحالة ابن بطوطة، أن هذا الربط الحضاري ساهمت فيه إلى جانب قبائل صنهاجة “جماعات أمازيغية أخرى (..) منها قبائل تكنة وتجكانت وأيت عطا وجزولة ولمتونة والشياظمة وحاحة وتادلة وماسة وشتوكة وأولاد جرار والمنابهة”.

وذكرت شخصيات من هذه القبائل لعبت دورا مهما في هذا الصدد، “كأحمد الجشتيمي، (الذي) امتهن التجارة في بلاد السودان، وتوفي هناك”، وأبو القاسم التواتي الذي “جاء إلى مدينة تنبكت (تمبكتو حاليا في مالي) وشيّد بيتا قرب المسجد الأعظم”.

وعلاقةَ بكيفية نقل هؤلاء المؤثرات الحضارية المغربية إلى إفريقيا جنوب الصحراء استحضر الباحث، بالاستناد إلى المصادر التاريخية، “انصهار كثير منهم في المجتمع السوداني بأشكال مختلفة، مثل تولية الخطط الدينية وممارسة التجارة وكذا امتهان بعض الحرف”، مُستدركا بأنه “تبقى عملية المصاهرة والزواج من أهم هذه الوسائل”، معدداَ حالات زواج الكثير من تجار العرب والبربر بنساء سودانيات، واستقرارهم “بشكل نهائي ببلادهن”، وبينهن “بنات أحد ملوك سنغاي”.

مؤثرات أمازيغية

مُنتقلاَ إلى سرد المؤثرات الحضارية المغربية التي نقلها الأمازيغ إلى بلاد السودان الغربي أوضح الباحث ذاته أنها تضم عدة مزروعات، على رأسها القمح؛ فقد ذكر الرحالة الفرنسي كراف أن “هؤلاء المغاربة زرعوا هذه المادة على ضفاف نهر النيجر، لكن لا يستهلكها السكان المحليون وإنما المغاربة وبعض التجار الأجانب، فقط”. فيما جاء عند “دبوي يكوبا”: “سكان مدينة تنبكت يستهلكون القمح بكثرة ويصنعون منه مأكولات كثيرة شبيهة بالمأكولات المغربية”.

وأشار المصدر ذاته إلى “بصمات المغاربة ببلاد السودان على إدخال مزروعات جديدة إلى هذا البلد، بل وسعوا وطوروا مزروعات محلية كثيرة”، لافتا إلى مادة القطن، التي اجتهد المغاربة في توسيعها بعد أن كانت زراعة “محدودة” في عهد سنغاي، وقصب السكر “خاصة في الجهات المرتفعة القريبة من نهر النيجر، ذات التساقطات المتوسطة”.

كما شملت هذه المزروعات، وفق الباحث عينه، “مادة التبغ؛ فرغم الضجة الكبرى التي أقيمت حول تحريمها أو تحليلها فإنها تعد من أهم المواد التي اعتنى المغاربة بزراعتها داخل السودان، كما تعد من أكبر صادراتهم نحو المغرب وتزرع في مدينة بمب وكاغ وشرق تنبكت”؛ فضلا عن الكروم والتين وزراعة الكتان.

وبيّنت الدراسة على صعيد متصل أنه “بعدما كان طعام سكان هذا البلد (السودان الغربي) بسيطا من حيث المواد المستعملة ومن حيث طريقة الإعداد أضاف إليه المغاربة ألوانا جديدة، وأطباقا مشهورة، شكلت في ما بعد تراثا مشتركا، يعكس التلاقح العميق بين الطرفين”، مُبرزة أن هذه الأطباق تشمل الكسكس، “الذي عرف إلى اليوم انتشارا واسعا في مختلف مدن وقرى بلاد السودان؛ بعد أن كان في بدايته طبق علية القوم”، و”الزميطة” المغربية و”تاكلا” و”العصيدة”.

وتابع المصدر ذاته: “لم يقتصر المغاربة على إدخال الأطعمة والأشربة إلى هذه الجهات من إفريقيا الغربية، بل أحدثوا تحولات مهمة وتقاليد جديدة مست الواجبات اليومية ومواعيد الأكل، إذ أصبح السكان يتناولون ثلاث وجبات في اليوم، كما هو الشأن بالمغرب”.

وسجّلت الدراسة نفسها، على صعيد منفصل، أن المعمار يتصدر أغلب المؤثرات الحضارية المغربية التي نقلها الأمازيغ إلى إفريقيا جنوب الصحراء، موردة: “لا نجد أي مدينة تاريخية بإفريقيا جنوب الصحراء إلا وتذكر زائرها بمعمار المغرب المشهور في الصحراء وفي مراكش وفاس”، وزادت: “الأمر نفسه بالنسبة لأدوات البناء، التي انتقل جلها من المغرب، ما جعل الفن المغربي المرتبط بالمعمار مدرسة قائمة الذات حرص أهل السودان على الاقتداء به في بناء منشآتهم في كثير من مدنهم، مثل تنبكت والجني، وهي من المدن التي بنيت منازلها على طراز دور بلاد البربر”، وواصلت نقلا عن رحالة أوروبيين: “كثير من سكان بلاد السودان شيدوا مجموعة من الدور على طراز منازل واحات جنوب المغرب (…) كما زينت أبوابها ونوافذها بالمسامير والنقوش والشبابيك المحفورة التي تعطي مثلا عن منازل وأبواب المغرب”.

أما بشأن الحرف اليدوية التي نقلها المغاربة الأمازيغ خصوصا إلى إفريقيا جنوب الصحراء فقد ذكرت الدراسة أن الصناعات الجلدية، وخاصة “البلاغي” والأحذية والنعال والمحافظ، كانت حكرا على جل المغاربة في مدينة تنبكت، كاشفة أن سكان هذه الأخيرة وجني تخصصوا في أحذية شبيهة بأحذية المغاربة.

وأوضح المصدر ذاته أن صناعة النسيج المغربية كانت “تزود الأسواق السودانية بمجموعة من الألبسة شبيهة بألبسة سكان واحات جنوب المغرب، منها الدراعية والبرنس الذي هو لباس العلماء والمغاربة في بلاد السودان”، بالموازاة مع “صناعة الخشب التي تنتج أبوابا وشبابيك، مصنوعة مثلما كانت عليه مثيلتها بالمغرب”، فضلاَ عن صناعة السفن.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تامر عبد الحميد: فريق بيراميدز الحالي أفضل من الأهلي والزمالك
التالى أول رد فعل من والد طالبة التجمع بعد قرار إخلاء سبيل الـ 3 متهمات بالاعتداء على ابنته